المحامي عبد الحميد الاحدب: البابا فرنسيس: إنك لعلى خُلُقٍ عظيم

477

البابا فرنسيس: إنك لعلى خُلُقٍ عظيم
المحامي عبد الحميد الاحدب/النهار/29 نيسان 2016

لقد قال الله تعالى للرسول محمد: “إنك لعلى خُلُقٍ عظيم”! كان كلاماً يشبه رائحة العطور…

تذكّرت هذا الكلام وأنا أتابع “البابا فرنسيس” وهو شديد التأثر، في أثناء زيارته مخيم المهاجرين السوريين في اليونان. بكى المهاجرون كثيراً عند قدمي “البابا فرنسيس” وقبّلوا يديّه وتوسلوا اليه ليساعدهم، واقتحمت امرأة تضع صليباً صفوف الشرطة وألقت بنفسها عند قدميه وجثت طفلة أمامه.. وقال “البابا فرنسيس”: “إنّ الله خلق الجنس البشري كي يشكّل عائلة واحدة، وإذا تألّم أحد أخوتنا أو أحدى أخواتنا نتأثر جميعاً”. ثم غادر البابا مصطحباً في طائرته 12 شخصاً سورياً بينهم ستة أولاد… وقال البابا عن خطوته إنّها: “نقطة في بحر، ولكن بعد تلك النقطة لن يكون البحر على حاله”.

وتذكرت أمام هذا المشهد قول أحمد شوقي:” إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.

في العالم العربي… ذهبت الاخلاق ونسي الناس دينهم الذي لم يتحرك خلال 14 قرناً، ونسوا مع دينهم الحقيقي، ثقافتهم وحضارتهم، وأصبحوا يتحاورون مع بعضهم بالعِواء.

ضيّعوا العفاف ثلاث مرات… وشيّعوا “المروءة” و”المحبة” و”السلام” بالمراسم والطقوس العقائدية والدينية… كلهم غيروا شهادتهم وأنكروا علاقتهم بالخلق الكريم…

“البابا فرنسيس” حين قال وسط النازحين السوريين:” إنّها نقطة في بحر، ولكن بعد تلك النقطة لن يكون البحر على حاله”. إنما حفظ للكلمة كبرياءها، وأكد أنّ الدين هو المعاملة، وأعاد الى الدين لغته الصوفية وحوّل”الدين” و”الايمان” من غزوة بربرية الى صلاة.

إنّ إيطاليا تفتخر بميكل انجلو وفلورنسا تفتخر بزجاجها الملّون والقدس تفتخر بأنبيائها وقدّيسيها، والبصرة تفتخر بأنها أرض المليون شجرة نخل… أما العرب الشرفاء فيفتخرون بقُدّسية “البابا فرنسيس” ومحبته.

فهو بابا خير أُمّة أُخرجت للناس يأمُر بالمعروف وينهى عن المنكر…

مشهد “البابا فرنسيس” بين النازحين السوريين الذين زحفوا يحملون العروبة تحت أقدامهم… هذا المشهد كان يقول “إنّ الذليل عزيز حتى آخذ له حقه والقوي ضعيف حتى آخذ الحق منه”.

هذا المشهد كان رسالة تقول للعالم: لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله!

وكان صوت النازحين يتمتم بالقول للبابا فرنسيس: “إن اوحشتنا الغربة آنسنا ذكرك”.

كل النازحين السوريين سافروا في سفينة الأحزان قائدهم مرتزق وشيخهم قرصان… كل هؤلاء شاخوا وهم يفتشون في المعاجم القديمة عن جنّة نضيرة عن كذبة كبيرة تدعى “الوطن”.

كان خبزهم مبللاً بالخوف والحزن اللذين جاءت بهما العروبة!

كيف نغيّر العالم العربي؟ تذكّرت قول نهرو: “لا تحاول أن تقنع أحداً بتغيير عاداته وأفكاره، أقصى ما تستطيع فعله هو أن تقنعه بأن يبدأ مراجعة العادات والأفكار! إذا فعل فإنّه هو الذي سيغيّر وليس أنت”.

وتذكرت قول غاندي: “كانت لي أراء جامحة في الدين يوماً من الأيام تعلمت أنّ حياتي تصبح عبئاً علي وحدي إذا لم يرفع الدين بعض اثقالها معي”.

أليس الدين الإسلامي في حاجة الى إصلاح ليرفع بعض اثقال الحياة ولا يؤدي التخلف والتكفير الى أثقال أخرى تضاف الى أثقال الحياة؟

إنّ مشهد “البابا فرنسيس” وسط عشرات ألوف النازحين وغيرهم من مئات الألوف، بل ملايين النازحين السوريين، يؤكد أنّ معجون الاسنان يخرج من الأنبوب بالضغط عليه، ولكن أي ضغط لا يستطيع إعادة المعجون الى الانبوب.

آن الأوان أن نسمع علماء الدين الإسلامي يقولون للمسلمين: أن يقول كل منهم لابنته أنّ صديقتها المسيحية ليست كافرة، وألاّ تبكي خوفاً عليها من دخول النار.

آن الأوان أن يُعلّم علماء الدين الإسلامي للمسلمين: أنّ الله محبة، وأنّ أولادنا يستطيعون أن يحاوروه ويسألوه ما يشاؤون بعيداً عن تعاليمهم الدينية…

آن الاوان لإعادة الخُلق الكريم الى صباه وجعله مدللاً في الدار العربية.

لا أحد من المئتين مليون عربي يستطيع أن يبرئ نفسه من دم هؤلاء الأطفال السوريين النازحين…

آه يا جيل الخيانات، يا جيل العمولات، يا جيل الدعارة، سوف يجتاحكم فرسان الحرية وكرامة الإنسان يوماً من الأيام.