علي الحسيني: لا «أسد» في لبنان.. ولا للأسد في سوريا

261

 لا «أسد» في لبنان.. ولا للأسد في سوريا
علي الحسيني/المستقبل/27 نيسان/16

هو يوم تعود لتختلط فيه الذاكرة بين الحزن والفرح، بين الحقيقة والخيال. هو يوم سطّره التاريخ اللبناني الحديث كأبرز محطات النضال التي انتصر فيها الضحيّة على جلاّده، فكان قرار لبنان بأن يُخرج من أرضه أكثر الجيوش الذين وطأوا أرضه فساداً وقتلا ورعبا، جيش يقوده نظام لم يرع حرمة الجيرة، انتهك السيادة وزرع الموت في كل بيت تماماً كما يفعل اليوم بشعبه، لكن الخروج أو الإندحار هذا، كان ثمنه كبيراً، ثمن بحجم وطن اشتم الحرية بعدما روت دماء الرئيس رفيق الحريري ترابه.

من الرابع عشر من شباط 2005 الى السادس والعشرين من نيسان العام نفسه. تاريخ لن ينساه اللبنانيون وسيظل يتردد داخل كل لبناني حرّ، فمن خلال هذا التاريخ عبر الاحرار الى يومهم المشهود. في التاريخ الاول اغتالت يد الحقد والإجرام أحد أهم وأكبر العظام الذين مروّا بتاريخ البلد، وفي الثاني خرج نظام الوصاية السوري من ارض الأرز مذلولاً مُنكّس الرايات يجرّ وراءه أذيال الخيبة، وهو الذي كان فرض في العام 1991 على لبنان معاهدة اطلق عليها معاهدة «الاخوة والتعاون والتنسيق» نصت على ان لا يكون لبنان مصدر قلق لسوريا، لكن هذه الاخيرة تحوّلت بفعل النظام الذي يرأسها الى مصدر قتل للبنان وفتك بأبنائه، فجاء الخروج على شاكلته وليُغادر معه آخر عنصر من نظام الغدر والخيانة.

«فرع الامن والاستطلاع في القوات العربية السورية العاملة في لبنان». تحت هذا العنوان حكم ال الأسد لبنان بالتعاون مع بعض اللبنانيين الذين باعوا انفسهم له وما زالو يوالونه حتّى اليوم على الرغم من الاجرام الذي يُمارسه بحق شعبه. تحت هذا العنوان قُتل الاف اللبنانيين والمئات منهم ما زالوا مجهولي المصير. من عنجر الى البوريفاج كان النهج واحدا وكان طريق الموت واحداً، لكن المُفارقة أن هؤلاء الذين تسيّدوا طريق الذل والقتل هذا لفترة طويلة، عادوا وقُتلوا بأبشع الطرق على يد أسيادهم، والمفارقة أن حاكم «البوريفاج» رُستم غزالة، نُحر بتاريخ 26 نيسان 2015.

ويجوز القول انه في الذكرى الحادية عشرة لاقفال الحدود اللبنانية السورية وراء آخر جندي سوري يُغادر لبنان، ثمة أمور ما زالت مُتشابهة خصوصاً أن الوصاية ما زالت على حالها بعدما انتقلت من حزب «البعث» إلى «حزب الله» وما زال نظام الأسد يُمارس هواية القتل نفسها، أمّا نقطة إدارة الملفات فقد انتقلت هي الاخرى من عنجر والبوريفاج الى مقر السفارة السورية في الحازمية والتي تُدير عمليات خطف مواطنين سوريين وتوزيع الادوار على حلفاء تحوّل بعضهم الى داعم اساسي يُسانده في عمليات القتل والذبح والتشريد التي يُمارسها بحق شعبه من دون تمييز والتي يُمكن اختصارها بعملية إبادة جماعية.

انسحاب النظام السوري في العام 2005 كان بداية طريق لاستعادة الوطن الصغير استقلاله وسيادته وعنفوانه. امور كثيرة تغيّرت منذ الإنسحاب ولغاية اليوم. مراحل حملت الى اللبنانيين الأفراح تماما كما حملت اليهم الأحزان، فالإنجازات التي تحققت كثيرة رغم انها كلّفت سقوط العشرات من قادة طريق الحرية والسيادة والاستقلال. بين 2005 و2016، عمل النظام السوري كلّ ما يُمكن فعله من أجل أن لا يكون هناك أيّ ارتباط بين خروجه من لبنان والوضع الداخلي في سوريا وهو الذي لا يكف عن إلهاء اللبنانيين بالداخل اللبناني عن طريق التفجيرات التي تستهدفهم بهدف إثارة النعرات المذهبية والطائفية.

من مقولة أن التاريخ يُعيد نفسه يُمكن الدخول الى ما يجري في سوريا اليوم. القصة نفسها، فالضحية هو الشعب مجدداً، فلا فرق ان كان لبنانيا او سوريا، والجلاّد نفسه، وبين التاريخين يبدو أن بشار الأسد لا يُريد أن يُقر أو يعترف، أن الرجل الذي تآمر على قتله ونفذ به حكم الإغتيال والذي كانت دماؤه السبب الأبرز في ما وصل اليه اليوم، لم يكن بحجم دولة بل كان بحجم دول وأن طريقة الإغتيال أيقظت ضمائر العالم فيما ظل ضميره هو نائماً وغائباً عن السمع لا تهزه دماء الأطفال ولا تُحركه مشاهد الجثث والأشلاء التي تنشرها طائراته داخل المدارس والجامعات وعند ابواب الأفران.

في الذكرى الحادية عشرة للإندحار الكبير، جزء كبير من اللبنانيين لن يعتبروا أن دماء الرئيس الحريري ورفاقه وصولا الى الشهيد الوزير محمد شطح، ثمنها خروج النظام السوري من لبنان، فالثمن حتماً سيكون أكبر وليس على حد ما قاله أحد قادة هذا النظام ذات يوم «يكفي أن ننسحب من لبنان كي نعتبر أننا دفعنا ثمنها»، فاليوم هناك من يستعيد الذكرى الأليمة التي رافقت سنوات احتلاله للبنان وينتظر ويتمنى ان يُعاد المشهد نفسه الإنسحاب نفسه، لكن هذه المرة من سوريا.