حازم الأمين: طار البلد وطارت صحافته/سهى جفّال: الاغتراب اللبناني يصلح ما أفسدته سياسة باسيل/إيلي فـواز: حزب الله والعرب

242

طار البلد وطارت صحافته
حازم الأمين/لبنان الآن/31 آذار/16

ثمّة أمر لم يُناقَش في سياق البحث في انهيار الإعلام اللبناني، وهي الوظيفة التي صعد هذا الإعلام في سياقها، أو قُل نهاية هذه الوظيفة، أي مواكبة التجربة اللبنانية، أو حتى السعي إلى تهشيمها. ولبنان بقي يؤدي مهمة استمر في تأديتها في أحلك الظروف التي مرّ فيها، لكنها الآن انتهت، ويجب أن تُضاف هذه النهاية إلى سلسلة العوامل التي أدت إلى انهيار إعلامه. وتتمثل هذه المهمة في أن لبنان هو لبنان، أي هو نفسه. أما نهاية هذه المهمة فتعني أنه لم يعد نفسه. لبنان بلدٌ ممتدّ إلى خارج حدوده. الشيعي فيه منخرط في القتال الإقليمي، والسنّي جزء من تنظيمات عابرة للحدود مثل “داعش” و”النصرة”. وصحيح أنّ في هذا الكلام تعميماً، وخصوصاً في الحالة السنّية، لكن الوظيفة السياسية للوجود السنّي في لبنان معطّلة ومُستعاض عنها بضجيج دولة الخلافة وإمارات “النصرة”. أما المسيحيون، وهم من غير المنخرطين في الحرب الأهلية الإقليمية، فعاجزون عن عرقلة انفلاش الطوائف الأخرى إلى خارج الحدود، وإلى خارج الوظيفة.
ربما علينا أن نباشر ملاحظتنا أن بلدنا انتهى. العبارة قاسية ومؤذية، لكنها شديدة الواقعية. حزب الله أنهى قصة لبنان، و”داعش” تولّت مهاماً مشابهة، وهي تتمدّد وتؤسّس في رحاب بلدنا السابق لوجود ولاحتمالات. وربما كانت تجربة فريدة، وإنْ كانت قاتلة، أن تشهد جماعة نهاية بلدها الناجمة عن انهيار نظام إقليمي بأكمله. أن ينهار البلد من دون أن تنهار “موجوداته”، أي أن يبقى جنوبه وشماله وشرقه وغربه، وأن تبقى مدنه ونفاياته وبحره وسماؤه، لكن أن ينهار معناه ووظيفته ودوره. في هذه اللحظة أيضاً باشر الإعلام اللبناني رحلة انهياره. فهل يمكن لإعلام أن يبقى بعد أن ينهار قالبه السياسي والإجتماعي؟ في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، كان الإعلامُ إعلامَ هذه الحرب، ولكن الحرب في حينها أبقت على حد أدنى من الوجود ومن البلد. الحرب الآن في الخارج. هي حرب لبنانية في الخارج، وهي إذ تجري خارج الحدود تولّت إلغاء الحدود، ولم تكن وظيفة هذا الإلغاء التوسع، انما الامّحاء والذوبان. إلغاء الحدود كان إلغاء للبنان. ريدة السفير اللبنانية صارت تنشر تحقيقات عن الزبداني بصفتها بلدة لبنانية. انتهى لبنان فلماذا تبقى صحافته؟ وهو، أي لبنان، عندما غادر إلى سوريا للقتال لم يفعل ذلك بسبب فائض قوته، إنما بسبب انهياره وفصامه وطائفيته، وصحافته أيضاً لم تضم الزبداني إلى صفحاتها بسبب رحابة هذه الصفحات، انما فعلت ذلك أيضاً بسبب ضعف الوظيفة الرقابية وانعدامها. نحن في بلد بلا رئيس للجمهورية منذ نحو سنتين، وفي بلد خرج منه حزب هائل ليقاتل في بلد مجاور، وفي بلد يلتحق شبان منه بالقتال في سوريا إلى جانب “داعش” و”النصرة”، وفي بلد تمتد جبال النفايات فيه على مد النظر. فلماذا تبقى صحافته؟ الصحافة كانت جزءاً من الوظيفة الأولى. هل تذكرون الوظيفة الأولى؟ طار البلد وطارت الوظيفة.

الاغتراب اللبناني يصلح ما أفسدته سياسة باسيل‏
سهى جفّال/جنوبية/31 مارس، 2016
على الرغم من الهدوء النسبي، لا توحي المؤشرات والوقائع أن أزمة لبنان مع الدول الخليجية المستجدة تسلك طريقها نحو الحل طالما أن كل محاولات لبنان الرسمي لتطويق الأزمة وتداركها لم تكن بحجم الغضب السعودي . وأمام هذا الواقع تحرّك المغتربون اللبنانيون رسميا لتدارك الأزمة وحماية مصالحهم في وقت تخلفت الحكومة والوزارة المعنية عن وظائفهما. لا تزال قضية الأزمة اللبنانية السعودية – الخليجية تتفاعل يوما بعد يوما، وتمثل جديدها بقرار لافت وحازم من قبل “مجلس العمل والاستثمار اللبناني” في السعودية بمقاطعة “مؤتمر طاقات إغترابية” الذي دعت إليه وزارة الخارجية في أيار المقبل. وجاء هذ القرار في اطار الردّ على مواقف وزير الخارجية جبران باسيل خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب المتنكّرة للتضامن العربي، برفضها إدانة طهران بعد حرق المقار الدبلوماسية السعودية في إيران، فضلا عن تجاهل اللبنانيين المنتشرين في دول الخليج.. في وقت، لم تراعِ وزارة الخارجية بمواقفها مصالح المغتربين اللبنانيين. بل على العكس، جاهرت بهذه المواقف ولم تعمل على تخفيف من وطأة الأزمة التي خلفتها سيما وانها تسببت باجراءات عقابية كادت أن تطال مصالح اللبناني المغترب. هذا التجاهل دفع مجلس العمل والاستثمار اللبناني في السعودية أمس بالإعلان عن قرر مقاطعة مؤتمر «طاقات اغترابية»، احتجاجاً على موقف الوزارة. إذ دعا المجلس إلى إنشاء «خلية أزمة» لتصحيح مواقف الوزارة تجاه السعودية. وجه المجلس خطاباً إلى وزارة الخارجية اللبنانية، أبدى فيه استنكاره وإدانته المتجددة لمواقف الوزارة، ووزيرها جبران باسيل. رئيس “مجلس العمل والاستثمار اللبناني” محمد شاهين صرح لموقع “جنوبية” منتقدا الخارجية اللبنانية بالقول ان” هذه الوزارة معنية بالمغتربين والوزير من واجبه أن يراعي ظروف ومصلحة المغترب اللبناني ورعاية ظروفه”. وتابع “نريد أن نفهم هل نحن من ضمن مصالح وزارة باسيل او اننا لسنا من ضمن مسؤولياته؟” أضاف شاهين أن “مواقف باسيل المتطرفة تؤثر علينا كمغتربين وهو أثبت عدم جدارته بتولي هذه الوزارة”. واستدرك قائلا “باسيل لم يسيئ لنا فقط بل أساء إلى لبنان فنحن يوما من الأيام سوف نعود إلى وطننا لكن على أن يكون عامر”. كما أشار شاهين “لبنان دفع ثمن العروبة غاليا، في المقابل باسيل يعزل لبنان عن جواره العربي. وفيما لا يكف عن المتاجرة بقانون استعادة الجنسية للمتحدرين من اصل لبناني يتجاهل قضيتنا ومصالحنا نحن المغتربين”.وعن مقاطعة مؤتمر الخارجية قال إن “القرار اتخذ لأن الظروف المحيطة فيه غير سانحة وتم الاتفاق على المقاطعة من قبل المغتربين اللبنانين في الخليج وقد أخطر المجلس وزارة الخارجية ببيان رسمي بالقرار”.
الإمارات ترحل اللبنانيين
كما أضاف إلى أن “موقف باسيل لا يمثلنا ولكن نحن علينا أن نقوم بواجبنا تجاه المملكة ولبنان والمغتربين البعيد عن المصالح الخاصة”. واوضح شاهين أنه “قرار شخصي ولم يدفعنا أحد لاتخاذه”. وخلص ” نتفاءل بانتهاء الازمة عندما تتخذ الحكومة اللبنانية موقف ايجابي بالمبادرة إلى إنشاء خلية أزمة، لرأب الصدع الحاصل بتصحيح وتصويب مواقف وزارة الخارجية والمغتربين تجاه المملكة العربية السعودية تداركاً لتداعيات الأزمة والعمل على الحد من أضرارها، وإعادة لبنان إلى محيطه العربي». يأتي هذا الموقف استكمالاً لسلسلة المواقف والتحركات التي يقوم بها المجلس، إثر الأزمة المستجدة في العلاقات بين دول الخليج العربي الناجمة عن المواقف الأخيرة لوزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية في المؤتمرات العربية والدولية، والمتمثلة بسياسة «النأي بالنفس» عن الإجماع العربي والإسلامي والدولي بإدانة الاعتداءات التي تعرضت له السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران.

حزب الله والعرب
إيلـي فــواز/لبنان الآن/31 آذار/16
إكتشف العرب باكراً تدخّل حزب الله ومن ورائه الحرس الثوري الإيراني وتغلله في بلادهم. لكنّهم تجنّبوا توجيه انتقاد علني لتجاوزاته وتدخلاته في الشؤون العربية الداخلية لغاية العام 2000، بحجّة صراعه مع إسرائيل الذي كان يحتل في وجدان الشعوب العربية منزلةً “مقدّسة”. أربعة محطات مفصلية جعلت العرب يراجعون مواقفهم من حزب الله. عد العام 2000 سنة قرار إسرائيل الانسحاب من الجنوب فقَد حزب الله حجّة وجوده المعلنة، أي تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، ورفض تسليم سلاحه للدولة اللبنانية تحت حجج دفاعية كحماية لبنان من إسرائيل أو هجومية كتحرير القدس حفاظاً على الاستثمار الهائل الذي دفعته إيران غداة نشأته. م بعد الاجتياح الأميركي للعراق وخلع صدام حسين اكتشف العرب أن إيران التي تحررت من قيودها بدأت باستكمال سيطرتها على العراق من خلال الفصائل الموالية لها لتبني “هلالاً شيعياً” كان الملك الأردني عبد الله أول المحذّرين من خطورته. ولم يغب عن العرب الدور الذي لعبه حزب الله في العراق، إنْ في مواجهة القوات الأميركية أم في الحرب غير المعلنة على المناطق ذات الأكثرية السنّية. بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري أصبح تململ الدول العربية من حزب الله وانتقاداتهم له أكثر علنية. وأخيراً وأهم تلك المحطات دخول حزب الله في الحرب السورية دفاعاً عن نظام بشار الأسد. عندها بدت الصحافة أكثر جرأة في الكتابة عن حزب الله ودوره الأقليمي الذي اكتشف الرأي العام أبعاده، وفي الحديث عن أنشطته كاعتقال خلية لحزب الله في الإمارات تتنقل بجوزات لبنانية صادرة عن سلطاتها المختصة بأسماء مزورة، ومؤخراً خلية العبدلي في الكويت التابعة لحزب الله والتي قامت بتخزين وحيازة السلاح في مزرعة بمنطقة العبدلي حيث قالت وزارة الداخلية الكويتية إن كمية الأسلحة أتت من العراق. وبين هذا وذاك من الاكتشافات تم في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت اعتقال أحمد المغسل، رأس حزب الله في الحجاز، الذي كان قادماَ من إيران حيث مكان إقامته. هذا من دون التطرق الى المعلومات التي لدى اجهزة الاستخبارات العربية حول تورط الحزب في أكثر من مهمة تهدف الى ضرب مصالح الخليج، وم يكن الفيديو المسرّب لتدريب بعض الحوثيين كيفية القيام بعملية إرهابية من قبل أحد أعضاء حزب الله سوى دليل صغير على مدى ضلوع الحزب إلى جانب ايران في الاعمال الحربية ضد دول الخليج.
لماذا انتظر العرب كل تلك المدّة لاتخاذ هكذا موقف بالرغم من وجود أدلة دامغة على إرادة إيران بواسطة حزب الله تعريض الأمن الداخلي والخارجي لدول الخليج واقتصادها الوطني للخطر؟ لسبب الأول كان تخلّي الرئيس الأميركي باراك أوباما عن دعم حلفائه في مواجهة طهران، بل توقيع اتفاق معها يتيح لها التخلص من العقوبات الاقتصادية الخانقة من دون أن يتنازل نظامها أو يتراجع عن أهدافه التوسعية في المنطقة والعدائية تجاه العرب، ما شكّل خطراً وجوديًا لبعض الأنظمة. تراجع أوباما عن دعم حلفائه كان له التأثير الكبير في قرار الأنظمة الخليجية المواجهة في أكثر من منطقة. هذا التحول في ثوابت السياسة الأميركية يدفع المنطقة الى مزيد من المواجهات الخطيرة على خلفية مذهبية. السبب الثاني طبعاً كان إدراك حكام العرب مدى خطورة حزب الله وتأثيره على الصراعات في المنطقة، فكان يجب التصدي لأعماله العدائية تجاه دول الخليج حيث انه كان بدأ تنفيذ أوامر إيرانية سعت لضرب أنظمتها. حينها اقتنع الحكام العرب أن القضية لا تحلّ بالمفاوضات، ولا حتى بدفع فديات للإرهابيين. إنّما بالمواجهة الشاملة وفي كل الصعد، لا سيما الاقتصادية، حيث ان العقوبات الخليجية المفروضة على الحزب تساعد في تقليص موارده الني تمول حروبه في المنطقة. الب الثالث هو المنحى الخطير الذي اتخذته المواجهة الإيرانية الخليجية من تهديد استراتيجي للأمن القومي للخليج. وهذا تماماً ما حاولت إيران تطبيقه مع الحوثيين في اليمن، عبر إدخال صواريخ قد تطال العمق السعودي. إن هذا القرار العربي الجريء، الذي لا يعكس توجه دول الخليج عادة في الأزمات، تحدّث عنه بعض زعماء الغرب بسلبية، ووصفوه بالمتهور وأنه لن يفيد في حل الصراعات، لكنّ الأصح أن وقوف دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية بوجه العدوان الإيراني ليس من شأنه فقط إجبار ايران إلجلوس الى طاولة المفاوضات وحسب، بل بشروط عربية تتعلق بحماية امن دولها الاستراتيجية. لماذا انتظر العرب كل تلك المدّة لاتخاذ هكذا موقف من حزب الله؟