الـيـاس الزغـبـي: أقدام وسواعد/محمد مشموشي: عن الحزب وأتباعه المصابين بداء النصر/علي حماده: روسيا انسحبت لم تنسحب

186

أقدام وسواعد
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/20 آذار/16

ليس هناك أمر ضروري وضاغط ومُلحّ ومصيري أمام المسيحيّين في لبنان، أكثر من ضبط رؤيتهم وأدائهم ولغتهم وأسلوب عيشهم المشترك مع الطوائف والأحزاب اللبنانيّة الأُخرى، تحت العنوان الذي يكاد يُصبح “خشبيّاً”: الشراكة. ففي غمرة التحوّلات الكبرى حول لبنان، ولاحقاً فيه، وتحديد مصائر دول وشعوب وخرائط، لا يحقّ لمسيحيّي لبنان أن يعودوا إلى حالة الكهف، واللغة البيولوجيّة المعتمدة على الرفس بالأقدام ورفع السواعد والقبضات وإطلاق العنان لصراخ الحناجر الغاضبة. فبين الأقدام والسواعد والحناجر، هناك مسافة للعقل والتبصّر والحكمة، على قاعدة “الرأي قبل شجاعة الشجعان”، وحسن الإدارة والتصرّف، وسلاح الحجّة والمنطق والموقف. ولا يحقّق المسيحيّون شيئاً لأنفسهم ووطنهم، طالما أنّهم في زمن “وحدتهم” لم يرتقوا إلى مرتبة العقل بل انحدروا إلى مستوى الأقدام. وللتذكير، فإنّهم لم يلجأوا إلى لغة النكء الطائفي السافر والتحريض المذهبي والرفس العرقي والعنصري، في أصعب مراحل عزلهم وحصارهم وإبادتهم خلال الحروب السابقة. بل جمعوا شجاعتهم في الدفاع إلى الترفّع في الخطاب، والتسامح عند المقدرة. هكذا فعل القوّاتيّون والكتائبيّون والوطنيّون الأحرار والتنظيمات المسيحيّة الأخرى، منذ بداية الحروب إلى نهايتها، تحت خطاب قويّ وعاقل في آن، احترفه قادتهم المتنوّرون آنذاك، ولم يسقطوا في الابتذال والتهييج والتهريج، كما يفعل بعضهم الآن. لذلك، وفي ظلال “التفاهم”، أو “التحالف”، أو “وحدة” المسيحيّين، حول ورقتَي “النيّات” و”معراب”، وجَبَت المصارحة في الشكل والأساس. في لغة هذا “التحالف”، يظهر التناقض الكامل بين إصرار قيادة “القوّات” على تراثها في أخلاقيّة الخطاب للدفاع عن المسيحيّين، وهي الأعرق والأصدق في هذا المضمار، وبين انحدار شريكها “العوني” إلى الاستهلاك الطائفي المبتذل، سواء في الطرح السياسي الاستفزازي لمفهوم الشراكة و”الحقوق المسيحيّة”، أو في التسويق الإعلامي والترويج الدعائي لـ”سيف النصارى”! والدليل الساطع على هذه المشكلة، أنّ “القوّات” لا تلجأ إلى أسلوب التجريح والتشهير والحضّ الطائفي مع أشرس وألدّ خصومها “حزب الله”، في حين يعتمد “العونيّون”، من قيادتهم إلى قاعدتهم، أسلوب التحريض الفئوي المذهبي، سواء مع “حليف حليفهم” نبيه برّي، أو مع “حليف حليفهم” الآخر سعد الحريري. وليس خافياً، أنّ الاستغلال الطائفي ينفع مرحليّاً في تعويم شعبيّة طائفيّة، ولكنّ حبله قصير ومصيره عسير، ويرتدّ سريعاً على صاحبه، ومن خلاله على الطائفة التي يزايدون في رفع رايتها. فهل يمكن أن تقوم “القوّات” بمحاولة لترشيد لغة شريكها، رحمةً بالمسيحيّين، أَم تتركه لشرنقته؟ لقد فعلت ونجحت جزئيّاً في لجم لسانه الأنتي – عربي إنقاذاً لماء وجهه، ومصالح شريحة من المسيحيّين في الخليج. أمّا في الأساس، فلم يتغيّر شيء في التزامات الشريك العوني، لا في ارتباطه بسلاح “حزب الله” وتسليمه بحروبه الخارجيّة، ولا في انتمائه إلى “جبهة الممانعة والمقاومة”، ولا في جوهر “السياسة الخارجيّة المستقلّة” التي يمارسها لمصلحة هذه “الجبهة”. بل، لقد ذهب بعيداً في تصنيف نفسه “أصيلاً” في 14 آذار، كجدّ ووالد وحفيد! وتصنيف جميع الباقين “تيوانيّين”، بمن فيهم الشريك الجديد. كلّ هذا الأداء الطارئ والدخيل على المسيحيّين، في الأسلوب والمضمون، يتطلّب منهم جميعاً، روحيّين وسياسيّين وحيويّات مدنيّة، وفي طليعتهم “القوّات اللبنانيّة”، الإسراع إلى إنقاذ الفئة المتهوّرة من أسلوبها وخطابها والتزاماتها القاتلة. فلا يحصّل المسيحيّون حقوقهم بتوتّرهم واصطدامهم بالجميع، ولا يحقّقون التوازن ويستعيدون الرسالة والدور بالمشاكسة والمعاكسة الفارغتين، ولا يكسبون احترام الآخرين ومحبّتهم برفع العقيرة الطائفيّة إلى أعلى حدّ، بحيث لا يعود النزول ممكناً إلاّ بسلالم الاطفائيّات، وعلى ركام الحرائق. إنّ “وحدة” المسيحيّين تكون حقيقيّة إذا قامت على أساس مصالحتهم، لا على خلفيّة مصلحة أحدهم، وعلى قاعدة: رشّحني أُصالحك! أو على تحالفات انتخابيّة بلديّة وما فوق. فبين المصالحة والمصلحة حرف واحد. إنّه ألِف المسيحيّين وياؤهم. ولغة الحياة عندهم. وعليهم التحرّر سريعاً من لغة الحناجر والسواعد… والاقتراع بالأقدام! على المسيحيين التحرر من لغة السواعد والأقدام

عن الحزب وأتباعه.. المصابين بداء «النصر«!
محمد مشموشي/المستقبل/20 آذار/16
تتدخل القوات المسلحة الروسية في الحرب السورية، ثم تنسحب أو ينسحب القسم الأكبر منها، لكن أحداً من المتدخلين الآخرين («حزب الله»، في ما يعنينا لبنانياً) لا يرى حاجة لإعادة النظر في تورطه الذي ترفضه غالبية الشعب اللبناني، فضلاً عن الشعب السوري. لماذا؟، لأن الحزب لم يتدخل في سوريا دفاعاً عن النظام فيها فقط، كما اعترف بعد لأي، ولا التزاماً بما يسميه «جبهة المقاومة والممانعة» بقيادة معلمه وولي أمره الإيراني، ولا كذلك حماية لظهره بوصفه «حزب مقاومة» من أجل لبنان، إنما إضافة الى ذلك كله، وربما حتى قبله، لأنه ذهب أساساً للقتال في سوريا فيما عيونه على الداخل اللبناني.
والحال أن حروب «حزب الله» المتعددة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، في لبنان من جهة أولى، وفي البحرين واليمن والسعودية والإمارات والكويت وباقي بلدان الخليج من جهة ثانية، تكفي للتدليل على هذه الحقيقة… وإلا لماذا، على سبيل المثال لا الحصر، يمنع الحزب انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان منذ عامين تقريباً، كما يعطل عمل الحكومة ومجلس النواب ومؤسسات الدولة، لحساب ما بات معروفاً في الداخل والخارج على السواء باسم «دويلة» الحزب؟. وليس مبالغاً به، أنه يحمل معنى خاصاً في هذا المجال حرص الحزب في مناسبات سياسية معينة، وأجهزة إعلامه بمناسبة ومن دون مناسبة، على القول إن الحزب بات «قوة إقليمية» يعتدّ بها ويحسب حسابها، ليس من قبل دول المنطقة وحدها إنما على صعيد دول العالم أيضاً. لكن لم يعد خافياً في الوقت نفسه، أن حروب الحزب هذه كلها تصطدم بالجدار، كما تشهد إخفاقات وتراجعات على أكثر من مستوى، فضلاً عن الحصار الذي يزداد ضيقاً من حول الحزب وأعماله هنا وهناك في العالم عموماً وفي العالم العربي بشكل خاص. في لبنان، أولاً، بات القاصي والداني يعرفان الآن أن حرب الحزب من أجل مرشحه للرئاسة أصبحت من نوع الحرب الدونكيشوتية التي لا أمل فيها، ولا حتى شبهة أمل، لأسباب يدركها الحزب ولا ينكرها مرشحه العماد ميشال عون. ومع أن «أسلحة» هذه الحرب طيلة العامين السابقين، من تعطيل كل من الحكومة ومجلس النواب، لم تفد في شيء إلا أنها أدت الى جمود قاتل في البلاد، سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً، فلم يغيّر الحزب موقفه قيد أنملة…لا في ما يتعلق باسم المرشح ولا في ما يتعلق بالتزام نص الدستور وروحه (فضلاً عن وثيقة الوفاق الوطني) لجهة تأمين نصاب جلسات المجلس النيابي والقبول بانتخاب من ينال الأكثرية من أصوات النواب. وإذا كان لدى الحزب وأتباعه ما يختبئون خلفه، بدعوى عدم وجود نص يُلزم النواب بحضور جلسات المجلس النيابي بما فيها المكرسة لانتخاب الرئيس، فلم يعد موضع شك رفض فئات واسعة من الرأي العام وحتى «قرفها« من هذه الذريعة، بينما اقتصاد البلاد والمستوى المعيشي للسكان وصل الى ما هو عليه من تدهور. كذلك هي الحال بالنسبة لدور الحزب في سوريا، إذ لم تأتِ القوات الروسية اليها إلا بعد أن تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن قتاله وزميلاته الميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية (جنباً الى جنب مع الحرس الثوري الإيراني) لم يفشل فقط في دعم النظام السوري ومساعدته على الصمود، بل لم يتمكن حتى من الحيلولة دون بلوغه هاوية السقوط الحتمي في خلال أيام. وعملياً، لم يكن ترحيب الحزب المبالغ فيه بما سماه إعلامه يومها «عاصفة السوخوي»، إلا اعترافاً منه بهذا الفشل، وإن كان عمد الى وضعه، تارة في سياق الجبهة الواسعة لمقاومة الولايات المتحدة، وتارة أخرى تحت عنوان التحالف الاستراتيجي بين روسيا وسوريا وإيران ومجموعة دول البريكس. أما على المستوى العربي، وبخاصة في منطقة الخليج، فلا حاجة للقول إن الحصار الذي تم فرضه على الحزب (وكل من يموله أو يؤيده) بعد افتضاح دوره وشبكاته التخريبية في بلدان المنطقة، لم يعد جائزاً تجاهله أو التقليل من شأنه بالرغم من المكابرة المصطنعة التي حاول الرد بها على إجراءات هذه البلدان بحقه، وأهمها من دون ريب وضعه وكل من يدعمه أو يبرر أعماله على لائحة الإرهاب.
هي حروب متعددة ومتنوعة، يخوضها الحزب وولي أمره الإيراني في أكثر من موقع ومكان، لكن مع إخفاقات وخسائر على الجبهات كلها في الوقت ذاته. مع ذلك، فالحزب وأتباعه والمستفيدون منه الموعودون بالنصر في النهاية (طالما خاطبهم أمينه العام بقوله «وعدتكم بالنصر دائماً، وأعدكم به مجدداً«)، لا يردون على ما يحدث الآن إلا بالبروباغندا التي اعتادوا عليها في السابق. فلم تنسحب القوات الروسية، يرددون في أجهزة إعلامهم.. وإذاً، فلا يزال باب النصر مفتوحا أمامهم. عدد قليل من المقاتلات عاد الى قواعده، لكن «القيصر» كما يسمونه أكد أنها ستعود الى سوريا في خلال ساعات فقط إذا كانت هناك حاجة لذلك. وأكثر، إن «القيصر» الصغير (بشار الأسد) بات اليوم في وضع أقوى مما كان عليه في أي وقت سابق. لا يريد الحزب، ولا أتباعه والمستفيدون منه طبعاً، الاعتراف بالواقع أن في سوريا أو في لبنان أو في أي مكان آخر. قد يُقال هذا شأنهم، لكن ماذا عن لبنان الدولة (من دون رئيس ومجلس نواب ومجلس وزراء) ولبنان الشعب الذي يتدنى مستوى عيشه الى ما دون الفقر، ولبنان العربي الذي يكاد يصبح أشبه بالمصاب بالجذام… حتى لا نتحدث عن أشياء أخرى؟.

روسيا انسحبت لم تنسحب
علي حماده/النهار/19 آذار 2016
بعد بضعة أيام على إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب غالبية قواته من سوريا واقتراب انتهاء عملية الانسحاب المعلنة، يمكن القول إن روسيا لم تنفذ انسحاباً بالحجم الذي أوحته في الأيام الأولى. اقتصر الأمر على سحب جزئي للطائرات الحربية العاملة في سوريا، مع البقاء في جهوزية شبه كاملة لمواصلة أعمال القصف في سوريا على النحو الذي كان في السابق. ماذا يعني هذا التطور؟ منطقياً ان روسيا نفذت انسحابا دعائيا أكثر منه انسحابا حقيقيا على الأرض، مما يفترض أحد أمرين: إما أن موسكو في حاجة إلى إرسال رسالة نحو الداخل مفادها ألّا تورط في الأزمة السورية إلى ما لانهاية، ولا سيما في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، وانهيار سعر صرف الروبل الروسي في مقابل الدولار الأميركي، وفي ظل الضغط الكبير الذي تعانيه مالية الحكومة المركزية، أو أن روسيا تبحث عن ثمن سياسي فوري لتدخلها عبر طاولة مفاوضات جنيف، بعدما تبين في الملموس انها وإن تكن قادرة على تعديل موازين القوى ميدانياً، فإنها عاجزة عن قلبها في شكل حاسم في كل مكان وحدها من دون التورط على الأرض بوحدات عسكرية. وفي السياق تدرك روسيا انها في حال تجاوزها تفاهمات معينة مع واشنطن تتناول حدود التدخل في سوريا، يمكن ان تجد نفسها وحيدة في مواجهة حظيت حتى اليوم بتواطؤ أميركي واضح المعالم.
انسحبت روسيا ولم تنسحب. هذا هو الوصف الأصح حتى الآن للتطور الميداني. فالجهد منصبّ حالياً على تفعيل مفاوضات جنيف مع “تدجين” مواقف بشار الأسد ومنعه من العزف منفردا من خارج الرعاية الروسية، وخصوصا ان بشار مدفوعا بموقف إيراني يميل الى نسف المفاوضات، أو أقله عرقلة الوصول الى نتائج تتعلق بالاتفاق على روزنامة المرحلة الانتقالية التي باتت بندا ثابتا في كل عملية تفاوضية حول سوريا. وليس سرا ان فلاديمير بوتين اختلف في المدة الأخيرة مع بشار الأسد على مسألتي الانتخابات التشريعية، وبت مصير رئاسة بشار للدولة. ومن هذا المنطلق يفترض ان الانسحاب الجزئي للقوات الروسية من سوريا يشكل رسالة إلى بشار مفادها ان النظام ليس مساويا لروسيا عندما يتعلق الأمر ببت مصير سوريا مع الأميركيين. ثمة نَفَس “تأديبي” لبشار في خطوة بوتين، من دون أن يصل الأمر الى تغيير كبير في الموقف. فروسيا تدرك أولا ان سوريا تغيرت، ولذلك رمت بورقة “الفيدرالية ” في سوق المداولات، وتهتم أكثر من بشار نفسه بمصير الجيش النظامي، والبنية العسكرية التي سترث تركيبة نظام آل الأسد لأن سوريا لن تُحكم في المستقبل كما حكمها كل من حافظ الأسد، وابنه. انتهى ذلك الزمن. وأي حل دائم في سوريا لا يمكن روسيا صنعه من دون الأميركيين. وهم في حاجة إلى اتفاق قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما خوفا من “مجهول” أميركي قد ينتقل الى سياسة تدخلية أقوى في سوريا. هكذا يمكن استخلاص ان موسكو التي لم تنسحب إلا جزئيا من سوريا تستعجل مفاوضات مثمرة في جنيف، نظرا الى محاذير التورط الشامل، وقرب رحيل أوباما.