أحمد عدنان: كوكب تمام سلام/د.مصطفى علوش: عبيد الأخ الأكبر/حـازم الأميـن: حزب الله الأفقي

212

كوكب تمام سلام
أحمد عدنان/العرب/11 آذار/16

مقابلة رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام على قناة العربية أكثر من مؤسفة، صحيح أنه قال كلاما جميلا عن دول الخليج، وطالب ما يسمى بحزب الله بالتوقف عن الإساءات اللفظية والعملية للدول الخليجية والعربية، لكن هذا الكلام مقبول من صحافي مثلي لا من رئيس حكومة مثله. في مقالات سابقة، تحدثنا بالتفصيل عن جرائم الحزب الإلهي داخل لبنان وخارجه، وهي جرائم يعرفها أقل متابعي الشأن اللبناني قدرا ومعرفة، لكننا فوجئنا بأن تمام بك يعيش في كوكب آخر، فرئيس الحكومة اللبنانية يدين ويستنكر ويشجب جرائم الحزب الإلهي خارج الأراضي اللبنانية، أما داخلها، فحزب ولاية الفقيه، من وجهة نظر رئيس الحكومة، مكون أساسي.
فليتفضل الرئيس سلام بالإجابة على الأسئلة التالية:
من قام في 7 مايو 2008 باحتلال بيروت وترويع الجبل؟ من قام بمحاولة اغتيال النائب بطرس حرب؟ من يؤوي قتلة الشاب زياد قبلان والطفل زياد غندور؟ من تتهمه المحكمة الدولية باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه من شهداء ثورة الأرز؟ من اختطف المواطن اللبناني جوزيف صادر؟ من قتل نقيب الجيش سامر حنا؟ من هجر أهالي الطفيل؟ من أسس ما يسمى بسرايا المقاومة لإذلال أهل السنة؟ ومن ينسف الدولة بتعطيل انتخابات الرئاسة وشل حكومة تمام سلام يا تمام بك؟ الإجابة باختصار وبوضوح هي: حزب الله “المكون الأساسي”. في مؤتمر وزراء الداخلية العرب بتونس، تحفظ وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق عن تصنيف ما يسمى بحزب الله كمنظمة إرهابية، وقد فسر المشنوق ذلك بأنه لم يخرج عن الإجماع العربي لأن العراق تحفظ عن البيان كله، كما وافق على كل محتويات البيان متحفظا على كلمة واحدة حرصا على الحكومة الماجدة، وكأن الوزير المشنوق قال، من دون أن يقصد، إن هذه الحكومة هي حائط صد يمنع استهداف الحزب الإلهي. رئيس الحكومة يقول إن الحزب الإلهي لعب دورا في مقاومة إسرائيل ومازال يؤدي هذا الدور رغم تدخلاته الخارجية، ومن حسن الحظ أن أمين عام ما يسمى بحزب الله، السيد حسن نصرالله، أصدر ردا استباقيا على سلام، فقد اتهم السعودية بإرسال السيارات المفخخة إلى الضاحية، وقال إن هجومه على المملكة أشرف من محاربة إسرائيل، وهو يعتبر محاربة السعودية “الجهاد الحقيقي”. وفي نفس يوم المقابلة “السلامية”، بثت وكالات الأنباء خبرا عن مقتل قيادي لحزب الله في اليمن، فهل أصبحت مقاومة إسرائيل متمثلة في التطفل على اليمن واستهداف المملكة والشعب السوري يا دولة الرئيس؟
مقابلة تمام سلام عكست المأساة اللبنانية، ميليشيا إرهابية تتمثل في البرلمان وفي الحكومة بدلا من أن تودع السجن، ميليشيا مارقة تختطف قرار الدولة بدلا من احترامها، وتتضاعف الأزمة بسبب تصرفات بعض القوى اللبنانية، تريد من الآخرين أن يحاربوا نيابة عنها، وكأن الحزب الإلهي لا يشكل خطرا على لبنان الدولة والمجتمع، والأسوأ هي تلك السياسات التي ستهدي لبنان لإيران كليا بذريعة صون الحكومة أو الرهان على عودة الحزب الإلهي إلى رشده.استقالة تمام سلام أصبحت حاجة وطنية ضرورية وملحة، فهذه الاستقالة ستنزع مظهرا من مظاهر شرعية الحزب الإلهي، وستجبر القوى السياسية على انتخاب رئيس للجمهورية، وستمتص النقمة الإقليمية على لبنان، وبغض النظر عن التطورات اللبنانية الأخيرة، فإن حكومة عاجزة عن حل أزمة النفايات لن تنجح في إنجاز أي شيء آخر، وتأخير الاستقالة سيغير مسمى الحكومة من حكومة تمام سلام إلى حكومة حزب الله.

عبيد الأخ الأكبر
د.مصطفى علوش/ المستقبل10 آذار/16
«إننا مجرد قطرة ماء في محيط كل ما تفعله هو الزحف على الأرض ونرفض الاعتراف بأننا مجرد رماد في مهب الريح» (كنساس)
رائعة «جورج أورويل» عنوانها «ألف وتسعمئة وأربع وثمانون»، رواية نشرت سنة على خلفية انتشار الفكر الشمولي بكافة أشكاله، ومنه التجربة الشيوعية التي حظيت بقبول وشعبية واسعة في تلك الأيام خاصة عند الشباب حول العالم. في الوقت ذاته فقد كان أورويل، الإشتراكي الإنساني، يرى بأن النموذج الرأسمالي ليس بعيدا عن النمط الشمولي ولكن من خلال سيطرة الشركات الكبرى. اعتبر أورويل أن العالم سيتحول خلال بضعة عقود إلى مجموعة من القوى الكبرى يقود كل منها «أخ أكبر» يدير جميع رعاياه ويتحكم بهم ويسير حياتهم، وواجبهم هو السعي إلى نيل رضاه والخوف منه واحترامه لأنه يراقبهم في كل لحظة من حياتهم. هذا الحدث توقعه الكاتب بعد تدني قيمة الإنسان الفرد لدرجة تحول فيها إلى رقم في لائحة الأخ الأكبر الذي يتصرف مع البشر بالجملة حسب رؤياه «لخدمة المصلحة العامة». يعني ببساطة ذوبان الفرد في الجموع وذوبان الجموع في إرادة الأخ الأكبر الذي بيده موت أو حياة الناس، وفي بعض الأحيان مصيرهم ما بعد الموت!. الغريب في البشر بشكل عام هو قدرتهم على تكرار التجارب الكارثية في كل مرة يستتبعون أنفسهم وأبناءهم وأرزاقهم لإرادة أخ أكبر جديد، يسحرهم بكلام يجتره عن النصر والتضحية ونيل الشهادة في معارك العزة والكرامة، فتتراكم الجثث في الساحات وتحت الركام وينحر مستقبل الآلاف والملايين على مذبح إرادة الأخ الاكبر، راعي الجميع وقائدهم. في أحد الأفلام الأميركية المستوحاة من كتاب أورويل، نشرت إدارة أخ أكبر ما في دولة إفتراضية، شاشات عملاقة في كل أنحاء البلاد، وصادرت كل وسائل الترفيه والفنون والآداب، وصار مصير من يمارسها الموت المؤكد على أساس قوانين سنها القائد الملهم للأمة.
سلوى البشر الوحيدة أصبحت محصورةً في تسجيلات لخطب الأخ الأكبر يبثها تلفزيونه وهو قابع في مكان لا يعرفه البشر العاديون، حفاظاً على قدسيته وسرية تنقلاته من «أعداء الأمة«…
حكاية مألوفة ولا شك، فنحن اليوم نعيش تحت سلطة أخ أكبر يدعونه البعض «سماحة السيد»، بيده قرار الحرب والموت وقطع الأرزاق وقطع الأعناق وتخريب العلاقات وشتم الأصدقاء وتصدير الشهداء إلى كافة أرجاء المعمورة من الأرجنتين إلى البوسنة إلى بورغاس والقاهرة وسوريا والعراق والبحرين والكويت واليمن، ورغم كونه هو نفسه أخا أكبر، لكنه يفتخر بكونه تابعا لأخ أكبر جامع للشرائط مقيم في طهران. مسرحية هزلية ولا شك ، لكنها مفهومة فقط عند ذوي الألباب أصحاب العقول الراجحة، أصحاب التجربة الإنسانية التي جعلتهم يفهمون قيمة الإنسان بالمقارنة مع الخطب الفارغة. ولكن هل يكفي الذكاء والفطنة لتجنب الوقوع في شرك أخ أكبر؟. منذ سنوات، كان لي صديق يساري ماركسي كان قد أطال لحيته تيمنا بلحيتي «كارل ماركس» و»فريديريك أنجلس»، وعلي أن أعترف بأنه كان شديد الفطنة متقد الذكاء وكان معجبا بالرفيق «ستالين». بعيد انتصار الثورة في إيران فاجأني صديقي بتعبيره عن الإعجاب البالغ بالإمام الخميني قائلا «يا عزيزي عندما رأيت مئات آلاف الإيرانيين مجتمعين نهار الجمعة يستمعون بخشوع للإمام لم أتمالك نفسي من البكاء تأثراً». ابتسمت بمرارة وقلت له «في مهرجان في مدينة ميونيخ عشية الحرب العالمية الثانية اجتمع الملايين لسماع خطبة أخ أكبر آخر إسمه الفوهرر، وبكى الكثيرون منهم تأثرا وساروا كالقطيع نحو المذبحة مع أن الشعب الألماني مشهور في العالم بشدة الذكاء… يا عزيزي إن أسوأ حكم على حقائق الأمور هي الجموع المحتشدة» لم يجبني صديقي وانقطع الوصل بيننا مع أنني ما زلت ألحظه منصتاً في الصفوف الأمامية لخطبة الأخ الأكبر المحلي.
(*)عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»

حزب الله الأفقي
حـازم الأميـن/لبنان الآن/10 آذار/16
لكي تدرك كم أن حزب الله سلطة في لبنان عليك أن تشاهد نشرات الأخبار على القنوات التلفزيونية اللبنانية، وأن تُدقق في لغة الخبر المُصاغ في غرف التحرير في هذه القنوات عندما يتعلق الخبر بحزب الله. دعك من تلفزيون المستقبل وأخباره، ذاك أن المواجهة المذهبية المفتوحة بين السنّة والشيعة في المنطقة تؤمّن للمستقبل غطاءً في المواجهة الإعلامية، علماً أن هذا الغطاء لم يُسعفه حين احتل الحزب مبنى المحطة في منطقة السبيرز وأحرق مبناها الآخر في الروشة. عليك أن تراقب أخبار الـ”أل بي سي” والـ”نيو تي في” وأيضاً الـ”أم تي في”. ستدرك حتماً أن خبر حزب الله في نشرات أخبار هذه المحطات محكوم باعتبارات تحريرية لا يخضع لها خبر أي عن الجماعات والأحزاب اللبنانية الأخرى. “أل بي سي” مثلاً حسمت خيارها في المواجهة الأخيرة بين حزب الله والسعودية إلى جانب الحزب، وهي إذ فعلت ذلك في نشرة أخبارها، ضمّنت البرامج الكوميدية السياسية (دمى قراطية مثلاً) فقرات تكشف على نحو فادح كم أن حساب الحزب أثقل على لغة القناة وطوّعها، وكم أن الاقتراب النقدي منه ينطوي على بعد اعتذاري وتبريري. “نيو تي في” بدورها ليست بعيدة عن موقع “أل بي سي” من خبر حزب الله. الخبر عنه حَذِرُ اللغة، والانتقاد يأتي دائماً مصحوباً بانتقاد موازٍ لخصوم الحزب، وغالباً ما تشحن لغة انتقاد خصوم الحزب بمستويات أعلى من الشدة، بحيث “يسامحنا الحزب على فعلتنا، ذاك أننا انتقدناه في سياق شتم خصومه”. لكن ليست نشرات الأخبار الكاشف الوحيد لحقيقة أن حزب الله، ولا أحد غيره، هو السلطة في لبنان. السياسيون حين تلتقيهم، سواء كانوا من حلفاء الحزب أم من خصومه، يشيرون إليه بصفته السلطة التي ترسل إشارات تتحول أفعالاً، وبصفته من تنتظم حوله علاقاتهم الزبائنية التي لطالما نسجوها حول السلطة الفعلية. الموظفون في القطاع العام التقطوا مؤشر السلطة هذا، اذ يبدو أن الحزب قرر أن يتمدد أفقياً بعد أن كانت سلطته عامودية، وها هو اليوم شريك أكبر في التعيينات وفي وظائف الفئة الأولى، ناهيك عن أنه شريك في المرفأ والمطار والمعابر الحدودية. والحال أن الحزب ليس شريكاً بصفته قوة أهلية على ما هي حال نبيه بري أو وليد جنبلاط أو سعد الحريري، إنما شريك بصفته الأمنية والعسكرية، ولهذا يصعب تناول شراكته بالانتقاد. فهو في المرفأ لتأمين حاجات “المقاومة”، وهو في المطار لمنع أي “اختراق”، وعلى الحدود لصد “التكفيريين”، وهذه كلها ليست مهاماً أهلية يُمكن الإشارة إليها في تقرير إخباري أو تحقيق صحافي، وهي اذا ما اشتركت بمهمة أهلية من نوع تهريب السلع عبر المطار أو المرفأ أو الحدود، فهذا ما لا يمكن أن يكون صحيحاً، فهل يصح فساد في مقاومة؟