نبيل بومنصف: الثنائية وشياطين الخوف/علي الأمين: هذه أسباب جعجع في تبرير الخيار الجديد/روزانا بومنصف: الخلل في التوازن السياسي يضرب عميقاً ليوقف الحريري وجعجع انهيار تحالفهما

238

هذه أسباب جعجع في تبرير «الخيار الجديد»
علي الأمين/جنوبية/ 24 يناير، 2016
خلط أوراق سياسية شهده لبنان منذ أن بادر الرئيس سعد الحريري إلى اقتراح حليف حزب الله وصديق الرئيس بشار الأسد سليمان فرنجية لمنصب رئاسة الجمهورية. منذ هذا الإقتراح انقطع التواصل المباشر بين الحريري وحليفه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وفي هذا الصدد يقول جعجع إنّ ذلك لم يؤدِّ إلى وقف التواصل بين “المستقبل” و”القوات” بل استمرت اللقاءات مع قيادات المستقبل، في مقرّ القوات اللبنانية حيناً وفي مكاتب المستقبل حيناً آخر. يوحي سمير جعجع أنّ “هناك شيئاً ما تغيّر” مع الحريري على المستوى الشخصي منذ بادر الحريري إلى ترشيح فرنجية. من هنا يبدأ جعجع في تقديم أسباب تبنيه خيار ترشيح ميشال عون، خلال حفل كبير قبل أسبوع، داخل مقرّ جعجع في معراب، بحضور عون. يعتبر الحكيم أنّه كان دائماً مع نظرية: “الفراغ الرئاسي أفضل من انتخاب رئيس ينتمي إلى 8 آذار. لكن مع كسر هذه المعادلة من قبل الحريري، وجد جعجع نفسه أمام حقيقة أنّ الرئيس بات حكماً من فريق 8 آذار، لذا بين خيار فرنجية أو العماد ميشال عون انحاز جعجع إلى ميشال عون لأسباب عدّة، منها ما هو سياسي بالدرجة الأولى، ومنها ما هو (شخصي بحسب تاريخ العلاقة غير الودودة بين فرنجية وجعجع). لا يعتبر جعجع أنّ الرئيس الحريري، حين اقترح فرنجية، كان يستجيب لمطلب سعودي، بل مبادرة ذاتية وافق عليها السعوديون انطلاقاً من أنّهم يفضلون أن ينجز لبنان عملية انتخاب رئيس للجمهورية. بتقدير جعجع أنّ موافقة الحريري على تبني فرنجية لا تجعله بعيداً عن تبني ميشال عون من قبل “المستقبل”، خصوصاً أّنّ هذه الخطوة تأتي في سياق تبني خيار الأكثرية المسيحية المستندة على خيار العودة إلى الدولة وشروطها. وهذا ما عبّرت عنه النقاط العشر التي كانت قاعدة الاتفاق بين عون وجعجع. اذاً جعجع اتخذ قرار ترشيح عون من دون أن يستشير أحد، بحسب زوّاره. وكل الكلام عن أنّ السعودية مستاءة من جعجع وتعتبر ما حصل هو طعنة في الظهر هو عارٍ من الصحة، يقول في مجالسه. بل يؤكّد وجود ثقة متبادلة بينه وبين القيادة السعودية. فالعلاقة مع السعودية جيدة جدًا، والمملكة “تدعم التوافق المسيحي في لبنان”. وجعجع يؤكّد أنّ التواصل بين “المستقبل” و”القوات” مستمر والاتصالات ليست مقطوعة بل محصورة بين النواب والمستشارين: “وهذا التواصل سيستمر”. أما العلاقة مع التيار الوطني الحر فتبدو مفتوحة على مزيد من التفاهم على ملفات عدّة، بحسب سمير جعجع. إذ يقول إنّها “قد تكون مسيحية في الشكل والمضمون، لكنها تنطلق من استراتيجية هدفها ترسيخ مشروع الدولة باعتباره المشروع الوحيد الذي يمكن أن يجمع اللبنانيين وأن يوفّر لهم أفق الاستمرار وإطاراً لتنظيم التنوع وحمايته، وسبيلاً لترسيخ قواعد المواطنية والمساواة بين الجميع”.
يعتقد جعجع أنّ “الطائف” هو الإتفاق الذي يجمع اللبنانيون عليه رغم الملاحظات التي تبرز حول تطبيقه أو على بعض بنوده، ويعتقد أنّ الجميع متمسك به ولا يريد تعديله منفرداً: “إلاّ إذا تكوّنت إرادة جامعة على بديل، فهذا أمر آخر ولا يبدو أنّ له ايّ مؤشرات جدية”. وجعجع أيضاً متفائل بوصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة، وهو يعتقد، بناء على ما تباحث به هو والعماد ميشال عون، أنّ حزب الله لن يخذل عون بل سيعمل على توفير كل الشروط المتصلة بفريق 8 آذار لتأمين انتخابه، بعدما أمّنت القوات اللبنانية وبعض المستقلين الأصوات المطلوبة، مع تأكيده-أي جعجع- أنّ تيار المستقبل لن يقاطع جلسة انتخاب الرئيس المقبلة. لكن في المقابل يرى مراقبون أنّ ترشيح جعجع لميشال عون شكل ضربة قوية لحلف 8 آذار. فهذا الحلف أمام جملة خيارات كلها صعبة: إما أن يؤيد ميشال عون وبالتالي فسيؤدي ذلك إلى خلق شرخ بين حزب الله وفرنجية، وإما ترك التنافس يأخذ مجراه بين عون وفرنجية ويكون مجلس النواب الحكم في هوية الرئيس بينهما. وهذا ما يرفضه الجنرال عون رفضاً مطلقاً، لأنه يعتقد، ومعه كثيرون، أنّ حزب الله قادر على إلزام كل عناصر 8 آذار، بمن فيهم الرئيس نبيه بري والنائب فرنجية. وبالتالي لن يقبل عون من حزب الله أي أعذار من هذا القبيل. ولأنّ معظم التحليلات تؤدي إلى مكان واحد، ونتيجة واحدة، ألا وهي عدم رغبة حزب الله في إجراء عملية انتخاب رئيس للجمهورية، باعتباره كان ليبادر إلى إعلان موقفه الترحيبي بتأمين جعجع الأصوات التي تؤمن مع اصوات 8 آذار وصول عون للرئاسة… فإنّ الجديد أنّ عون بات مرشّحاً، كما كان دوماً.

الخلل في التوازن السياسي يضرب عميقاً ليوقف الحريري وجعجع انهيار تحالفهما
روزانا بومنصف/النهار/25 كانون الثاني 2016
تناقلت شخصيات سياسية في الايام الاخيرة كلاما يعبر عن الاستياء بل الزلزال الذي ضرب العلاقات بين “تيار المستقبل” وحزب “القوات اللبنانية” والذي وان لم يخرج كله الى العلن فان الحلفاء والخصوم يعرفونه ويعملون في هديه ولا سيما “حزب الله” باعتباره الخصم الاقوى للفريقين. وفيما سرت تكهنات حول موقف الحزب وسط مؤشرات متناقضة، فان الحزب، بحسب معلومات سياسيين مطلعين، ليس محرجا من تحالف معراب فيما المشهد السياسي يصب في مصلحته خصوصا لجهة واقع قوى 14 آذار تحت وطأة الصراع على دعم المرشحين البارزين للحزب الى رئاسة الجمهورية. كما انه على عكس التكهنات، فان الحزب لم ينزعج من نقاط اعلان النوايا التي عددها الدكتور سمير جعجع فيما الكل يدرك ان الدخول في تفاصيل كل منها يفيد بانها مبادئ في حين ان وضعها موضع التنفيذ مختلف، ولا يفتقر الحزب للحجج في هذا الاطار. فالبند المتعلق بحماية الحدود مثلا قد يصطدم بوصول المعدات والاسلحة الضرورية للجيش في اي وقت في حين ان الحزب قد يتذرع بعدم امكانه ترك الحدود سائبة لعبور المتطرفين مثلا. يضاف الى ذلك احتمال الاستفادة من تحالف معراب لفتح قنوات تواصل مع جعجع الذي لم يخف رغبته سابقا في لقاء مع الحزب مع ما يعنيه ذلك من خلط للاوراق وتغيير المشهد الداخلي.
ما تخشاه مصادر عدة معنية ان ما آل اليه المشهد السياسي مع توجه كل من اركان قوى 14 آذار الى التسابق والصراع على دعم ترشيح ركن من اركان 8 آذار هو ان يكرس ذلك واقع حصول خلل في التوازن السياسي الذي كان قائما ومستقرا حتى الان في البلد وان يكون كلا من الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع يساهمان كل من جهته في تعميقه. فمع ان هناك اسبابا داخلية عدة يمكن الاستنجاد بها في هذا السياق، فانه لا يمكن اهمال او تجاهل العوامل الاقليمية بحيث تكون التطورات المتمثلة في تدخل عسكري روسي اعاد اعطاء الزخم للرئيس السوري ومدد له سنتين اضافيتين مضمونتين في السلطة قد شدت ازر ” حزب الله”. وينسحب ذلك على واقع اكتساب ايران زخما اضافيا لها في المنطقة بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ ورفع العقوبات عنها. فاذا كانت المؤشرات التي تمت قراءتها حتى الان دفعت الى تنازلات كبيرة جدا من الفريق الاخر فما بالك بانتظار المزيد من الوقت وسلوك بعض هذه التطورات طريقها الى الترجمة الفعلية. اذ عندئذ سيمكن تحصيل تنازلات اكبر سبق ان لوح بها نواب الحزب لدى تسرب الاعلان عن دعم ترشيح النائب سليمان فرنجيه وتتصل بموقع رئاسة الحكومة الذي يجزم المطلعون انفسهم انه بات ابرز اهداف او طموحات الحزب بعدما بات موقع رئاسة الجمهورية في جيبه من خلال ايصال احد اركان قوى 8 آذار المسيحيين خصوصا ان صلاحيات هذا الموقع لم تعد بالقوة المهددة او القائدة. وثمة من يؤكد في هذا الاطار ان الحزب لن يقبل اطلاقا ان يعود الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة حتى لو كانت وردت من ضمن الشروط او من ضمن عناصر تحالف معراب او من ضمن النقاش المفتوح مع اي من العماد ميشال عون او النائب سليمان فرنجيه بغض النظر عن واقع قدرتهما على فرض ذلك او المساومة عليه من ضمن شروط تطاول صلاحيات رئيس الحكومة. اذ ان هذه الوعود لن تستقيم في ظل وجود افرقاء آخرين لم يكونوا طرفا في كل النقاشات التي حصلت اقله ظاهريا ومن حيث المبدأ كما هي الحال مع الحزب. وثمة ما يتسرب عن لقاءات لمرشحين محتملين لرئاسة الحكومة قريبين من الحزب يناقشون مع عون احتمال ان يكونوا من ضمن التركيبة السياسية المقبلة.
ما يحتاج اليه فريق 14 آذار هو العمل فورا وسريعا على وقف الانهيارات التي قد تبدو متدحرجة والاتجاه تاليا الى الحد من الخسائر ووقف انزلاق الامور بين “المستقبل” و”القوات” نحو مرحلة لا يمكن العودة عنها اذ يزيد الكلام والمواقف المنتقدة من الجهتين الشرخ بحيث لن يعود ممكنا رأبه بسهولة، علما ان الوضع لم يعد سهلا بين الجانبين حتى الان. لا تتعلق المسألة بمصالح الجهتين المعنيتين فحسب وهما الاقدر على معرفة ذلك بل بمصلحة التوازن السياسي في البلد من جهة الذي بات مختلا بقوة، وليس اطلاق ميشال سماحة سوى نموذج على هذا الخلل والذي وعلى رغم كل المحاولات سيكون صعبا تنفيذ مضمون الخطوات الاعتراضية على اطلاق هذا الاخير. كما يضر هذا الخلل بمصلحة رأي عام بات مفجوعا بتفرق هذه القوى وصراعها على ايصال مرشحين من الفريق الخصم اياً يكن الدعم الذي يحظى به كل منهما ضمن جمهوره المباشر او المبررات التي يسوقونها امام هذا الجمهور. لذلك يصح جدا ضرورة ابتعاد النواب والسياسيين من الطرفين عن التعليق حول الموضوع الرئاسي وتهدئة التجاذب في هذا الاطار. وقد يكون نشاط وسطاء من خارج الوسط السياسي مفيدا ومحبذا اكثر بين الطرفين راهنا في هذه المرحلة لاعتبارات متعددة لا مجال للدخول فيها لان امكان التصالح بعد ان تكون وقعت الواقعة وبات هناك امرا واقعا جديدا سيكون صعبا جدا إن لم يكن مستحيلا في ظل الصراع على السلطة القائم في البلد على صعيد الفريقين الاساسيين في البلد او من ضمن هذين الفريقين بالذات ايضا.

“الثنائية” وشياطين الخوف!
نبيل بومنصف/النهار/25 كانون الثاني 2016
يبدو الفريق العوني اكثر تحفظا من حليفه القواتي في اسقاط رمزيات ” تاريخية ” على تفاهم معراب من مثل التماهي مع ذكرى اسقاط الاتفاق الثلاثي او استحضار دعم الدكتور جعجع لـ”حكومة الاستقلال” التي رأسها الجنرال عون. لن نتسرع في ادعاء أيهما اكثر حكمة في توظيف الرمزيات او التقشف فيها لأننا لا نزال في بداية تفاعل “كيميائي” بكل المعايير للحمى المسيحية الناشئة عن هذا التطور، وقد نرى الكثير من اللامتوقع متى استقامت الصورة الإجمالية لهذا التفاعل سواء في ما يتصل بمصالحة “فوق العادة” بين العونيين والقواتيين او بترشيح احد الزعماء الاكثر اثارة للجدل. ما يعنينا اكثر هي تجربة فريدة جدا تتصل بعبور مسيحي شاق من حالة التعددية السياسية الى احتمال حلول ثنائية عملاقة تستعيد ظاهرة القاطرة التي تختصر معظم الزخم السياسي والحزبي لدى المسيحيين. اغلب الظن ان هذا الاحتمال الذي يخيف كثيرين لخشيتهم من “تشييع” الثنائية المسيحية، بمعنى احتكار التمثيل والمصالح والسياسة كما لدى الثنائية الشيعية وليس بالمعنى الديني طبعا، هو اصعب بكثير مما يتراءى ببساطة لمن يبشر به من دون ان يفقه تماما عمق الخصائص المسيحية التي يستحيل معها تقريبا نجاح الاستئثار المطلق بالتمثيل والقرار. قد لا تنطبق التجربة الراهنة على التجارب السابقة التي مرت على المسيحيين بحلوها ومرها. كما يفترض الإعتراف لركني تفاهم معراب الجنرال عون والدكتور جعجع انهما يمعنان في مد اليد في كل الاتجاهات ولا يفرضان تفاهمهما ممرا الزاميا للعلاقات المستجدة مع الآخرين. ومع ذلك سيتعين على فريقي التفاهم ان يواجها بصبر، بما يفوق “النوايا العشر” اياها، محاذير إيقاظ شياطين المخاوف لدى الآخرين، وهواجس التجارب العتيقة القتالية منها والسلمية في أزمنة الحروب او في ازمنة السلم، ومحاذرة الوقوع في حقل الوهم الذي يزعم بسهولة اختصار العبور من واقع الى واقع مناقض من دون أثمان قد يغدو بعضها شديد الخطورة على التفاهم وكذلك على الجماعات المسيحية. لقد خلق تفاهم معراب واقعا جديدا بات معه القادة المسلمون اللبنانيون انفسهم يحاذرون اتخاذ اي موقف قد يشتم منه ايحاء سلبيا ضد الخطوة المتعلقة بالمصالحة المسيحية. ولكن النوم على حرير هذا الزمن الذي لا يزال في بداياته والظن بانه يتيح المضي بتجربة ثنائية مطلقة “القوة” سيغدو امرا آخرا محفوفا بشتى انواع المغامرات. ولا ضير هنا من التذكير ببديهيات اثبت عبرها المسيحيون، رغم أخطاء كوارثية ارتكبتها قواهم، بأنهم استعصوا على “منظومات” ثلاثية او ثنائية الا لحقبات خاطفة سرعان ما كانت تتبدل بأشكال دراماتيكية، ولعل ابرز الشهود على ذلك هما رمزا تفاهم معراب.