روزانا بومنصف: قرار مجلس الأمن حول الحلّ السوري توافق دولي من فوق هل يكفي/بان كي – مون: عهد جديد مليء بالفرص

225

عهد جديد مليء بالفرص
بان كي – مون/الأمين العام للأمم المتحدة/النهار/21 كانون الأول 2015
قبل سبعين سنة، انبعثت الأمم المتحدة من تحت أنقاض الحرب العالمية الثانية. وبعد مرور سبعة عقود على ذلك، اجتمعت الدول في باريس لتتحد في وجه تهديد آخر يطال الحياة كما نعرفها، بسبب الاحترار السريع للكوكب. لقد دشنت الحكومات عهدا جديدا من التعاون العالمي في شأن تغير المناخ، الذي يشكل إحدى أشد القضايا التي واجهتها البشرية تعقيدا، لتعطي بذلك زخما كبيرا للجهود المبذولة للوفاء بمسؤوليتنا بموجب الميثاق عن إنقاذ الأجيال المقبلة. إن اتفاق باريس انتصار للإنسان والبيئة ولتعددية الأطراف. فهو بمثابة وثيقة تأمين صحي للكوكب. وهذه هي المرة الأولى يتعهد كل بلد من بلدان العالم بكبح انبعاثاته، وتعزيز القدرة على التكيف، واتخاذ إجراءات على الصعيدين الدولي والمحلي للتصدي لتغير المناخ. فقد اتفقت البلدان جميعها على أنه بتقليص مخاطر تغير المناخ إلى الحد الأدنى، يصبح السعي إلى خدمة المصلحة العامة أفضل وسيلة لتحقيق المصلحة الوطنية. وأعتقد أنه مثال ينبغي أن نحتذيه في كل مناحي الحياة السياسية. والواقع أن انتصار باريس جاء ليتوّج عاما حافلا بالأحداث. فمن إطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث إلى خطة عمل أديس أبابا في شأن تمويل التنمية، ومن مؤتمر قمة التنمية المستدامة التاريخي في نيويورك إلى مؤتمر المناخ في باريس، كان هذا العام عاما أثبتت فيه الأمم المتحدة أنها قادرة على أن تعطي العالم الأمل وتضمد جروحه. ومنذ توليت مهماتي، سارعت إلى القول إن تغير المناخ هو التحدي الحاسم في عصرنا هذا. ولذلك وضعته في مقدم أولويات فترة ولايتي. وقد تحدثت مع جميع قادة العالم تقريبا في شأن التهديد الذي يشكله تغير المناخ لاقتصاداتنا وأمننا، بل وقدرتنا على البقاء، وزرت جميع القارات والتقيت بالمجتمعات المحلية التي تعيش في خطوط المواجهة مع المناخ، فتأثرت بما شاهدته من معاناة وتحمست لما لمسته من حلول ستجعل عالمنا أكثر أمانا ورخاء. وقد شاركت في كل مؤتمر من المؤتمرات التي عقدتها الأمم المتحدة في شأن المناخ، حيث مكّنت مؤتمرات القمة الثلاثة المعنية بالمناخ، التي دعوت الى عقدها، من حشد الإرادة السياسية وتحفيز الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني على اتخاذ إجراءات مبتكرة. وقد أظهر برنامج عمل باريس، إلى جانب الالتزامات التي أُعلن عنها العام الماضي في مؤتمر القمة المعني بالمناخ، أن الحلول موجودة.
فما كان بالأمس لا يخطر على البال، أصبح اليوم واقعا ملموسا. فها هو القطاع الخاص يستثمر أكثر فأكثر في مستقبل تقل فيه الانبعاثات، وها هي الحلول تصبح متاحة وفي المتناول أكثر فأكثر، بل ويُتوقع أن يظهر المزيد منها مستقبلا، ولا سيما بعد النجاح الذي شهدناه في باريس.
لقد حقق اتفاق باريس الغاية المنشودة منه في جميع النقاط الأساسية التي دعوت إليها. وبذلك تكون الأسواق قد تلقت الإشارة الواضحة التي تحتاج اليها لزيادة الاستثمارات الكفيلة بتحقيق تنمية قوامها خفض الانبعاثات والتكيف مع تغير المناخ. وقد اتفقت جميع البلدان على أن تعمل على حصر ارتفاع درجة حرارة العالم في أقل من درجتين مئويتين، ومن ثم السعي إلى خفضه إلى مستوى 1,5 درجة، بالنظر إلى ما يطرحه ذلك من مخاطر شديدة. ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة الى دول أفريقيا والدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نموا. وفي باريس، اتفقت البلدان على هدف تسعى إلى تحقيقه في الأجل الطويل، يتمثل في وضع حد أقصى لانبعاثات غازات الدفيئة في العالم في أقرب وقت ممكن أثناء النصف الثاني من القرن. وقد قدّم حتى الآن 188 بلدا مساهمته المعتزمة المحددة وطنيا، التي تبين ما هو مستعد للقيام به من أجل الحد من الانبعاثات وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ.
وفي الوقت الراهن، فإن هذه الغايات الوطنية قد دفعت، إلى حد بعيد، بمنحنى الانبعاثات في اتجاه تنازلي. لكن إذا نظرنا إلى الحصيلة الجماعية، فما زال أمامنا ارتفاع في درجة الحرارة يصل إلى 3 درجات مئوية، وهو مستوى خطير إلى حد غير مقبول. ولذلك تعهدت البلدان في باريس بعرض خططها الوطنية المتعلقة بالمناخ كل خمس سنوات، اعتبارا من عام 2018، وهو ما سيمكّنها من رفع مستوى طموحها تماشيا مع ما يطالب به العلماء. ويكفل اتفاق باريس أيضا تقديم دعم كاف ومتوازن للبلدان النامية، ولا سيما أشدها فقرا وهشاشة، في ما تبذله من جهود للتكيف مع تغير المناخ وتخفيف حدة آثاره. وسيساعد على زيادة الجهود المبذولة عالميا للتصدي للخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ وتقليصها إلى أدنى حد ممكن. وقد اتفقت الحكومات على قواعد ملزمة ومحكمة وشفافة لكفالة وفاء جميع البلدان بما تعهدت به. فالبلدان المتقدمة وافقت على تولي القيادة في تعبئة الأموال وزيادة الدعم التكنولوجي وبناء القدرات. أما البلدان النامية، فقد أخذت على عاتقها مسؤوليات متزايدة للتصدي لتغير المناخ، وفق ما تسمح به قدراتها. ولا يفوتني، وأنا أشيد بهذا الإنجاز التاريخي، أن أقرّ بالدور الريادي والرؤية الثاقبة لقطاع الأعمال والمجتمع المدني. فقد سلّطا الضوء على الرهانات والحلول في آن واحد. ولذلك فإنني أحييهما على ما أظهراه، على نحو باهر، من روح المواطنة إزاء قضية المناخ. والآن وقد أُبرم اتفاق باريس، علينا أن نوجه تفكيرنا على الفور صوب التنفيذ. وبالتصدي لتغير المناخ، فإننا ننهض بخطة التنمية المستدامة لعام 2030. فاتفاق باريس ستكون له آثار إيجابية على جميع أهداف التنمية المستدامة. فنحن في صدد دخول عهد جديد مليء بالفرص.
ومع شروع الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني في تنفيذ هذا المشروع الضخم المتمثل في التصدي لتغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ستمدّ الأمم المتحدة يد العون إلى الدول الأعضاء والمجتمع ككل في جميع المراحل. وكخطوة أولى في مسيرة تنفيذ اتفاق باريس، سأدعو إلى عقد حفل توقيع رفيع المستوى يعقد في نيويورك في 22 نيسان من العام المقبل، على نحو ما يقتضيه الاتفاق والاتفاقية. وسأدعو قادة العالم إلى أن يهبّوا للمساعدة في الحفاظ على هذا الزخم وزيادته، ذلك أنه بالعمل معا نستطيع تحقيق هدفنا المشترك لنضع حدا للفقر، ونعزّز السلام، ونكفل للجميع حياة كريمة مليئة بالفرص.

قرار مجلس الأمن حول الحلّ السوري توافق دولي “من فوق” … هل يكفي؟
روزانا بومنصف/النهار/21 كانون الأول 2015
حين تتحدث الادارة الاميركية ورئيسها باراك أوباما تحديدا عن توقعاته القوية بغرق روسيا في الوحول السورية على اثر تدخل موسكو عسكريا على نحو مباشر من اجل منع انهيار بشار الاسد، وتتحدث تقارير عدة عن عدم استطاعة روسيا احراز اي تقدم في حربها المزعومة على تنظيم الدولة الاسلامية منذ ايلول الماضي، لا يتوقع كثر في المنطقة ان تذهب الولايات المتحدة الى منطق روسيا في شأن سوريا بل العكس ان تجذب اميركا روسيا الى منطقها. لذلك حين اعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري على اثر لقائه يوم الثلثاء في 15 من الشهر الجاري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “ان الولايات المتحدة وشركائها لا يسعون الى تغيير النظام وان مغادرة الاسد حالما تبدأ محادثات السلام ليست موقفا مبدئيا” فان ذلك كان محبطا مقدار ما كان تتويجا لموقف اميركي بدا متزعزعا حول الاسد على رغم استمرار ترداد الرئيس الاميركي على نحو رتيب وغير فاعل او مؤثر بوجوب تنحي الاخير. لكن هذا الموقف لكيري لم يكن مفاجئا فعلا بالنسبة الى متابعي الخط البياني للموقف الاميركي من الحرب السورية اذ كان ثمة رهان دوما على ان روسيا ستسعى الى محاولة التوصل الى اتفاق مع الولايات المتحدة حول سوريا قبل انتهاء ولاية اوباما، كما فعلت ايران تماما، للاعتقاد الراسخ بان الامور ستكون اسهل مع اوباما غير المهتم بالمنطقة والمنسحب منها، منه مع اي ادارة جديدة حتى لو كانت ستحل مكانه ادارة ديموقراطية برئاسة هيلاري كلينتون. هذان العاملان اي حاجة روسيا الى اتفاق سياسي في سوريا يقيها المضي في حرب استنزاف والحاجة الى الاتفاق مع ادارة اوباما ابقيا الامال مرتفعة بامتلاك هذه الاخيرة اوراقا قوية من اجل الضغط لحل سياسي مختلف يحدد مهلة زمنية لبقاء الاسد مثلا. السذاجة التي تتحكم بشعوب المنطقة تستند الى الاعتقاد بان تولي الولايات المتحدة او تبني الدول الكبرى قضاياهم يساهم في ايصال حقوقهم كما يرونها او يسعون هم الى تحقيقها بانفسهم في حين ان هذه الدول تعمل على قاعدة مصالحها ليس الا.
تقول مصادر مراقبة ان كيري فعل على الارجح ما تطلبه الاتيان بروسيا الى قرار دولي حول سوريا حمل الرقم 2254 وحظي باجماع مجلس الامن وتضمن اطارا مبدئيا للحل السياسي يبقي على الاسد على الاقل الى ما بعد رحيل ادارة اوباما ومعها كيري في مقابل بقاء بوتين الى جانب الاسد ومعه ايران ايضا.اذ اصبح هناك توافق دولي شرعي في مجلس الامن على اطار الحل كان مفقودا حتى الان. وليس واضحا تماما اذا كان يسجل لكيري انجاز في هذا الاطار على اساس انه ارسى قواعد الحل السوري قبل نهاية ادارة اوباما ام لا. من وجهة نظر ديبلوماسية صرفة يمكن ان يعد القرار خطوة اولى جيدة بعد خمس سنوات على الحرب السورية بحيث يتعين البدء على توافق يكرس في مجلس الامن من مكان ما. من وجهة نظر سياسية السؤال الاساسي هو: هل يمكن ان يجد هذا القرار طريقه الى التنفيذ؟ من الصعب رؤية ذلك خصوصا ان الطريق التي حددها القرار طويلة في الاصل لكنها في الواقع ستكون اطول بكثير بحيث لن تنفذ اجندة المواعيد كما حددها القرار. فالاسئلة الصعبة ليست في اتفاق مبدئي على اطار معروف للحل والذي يقارب في بعض عناوينه الوصفات المعهودة لاخراج دول من حال حرب اهلية على رغم صعوبة تنفيذ او تحقيق هذا المسار بل هي في ما هو ابعد كيف يمكن اقناع او طمأنة السوريين الى وضع اطار للحل يفاوض عليه رأس النظام السوري ويشارك في وضعه وهو المسؤول عما آلت اليه حال السوريين من دمار وبؤس وهو لم يعلن مرة انه اخطأ في مقاربته للازمة في بلاده او اعتذر من السوريين. قد تأتي روسيا بحليفها الى طاولة المفاوضات لكن الادارات والحكم في الدول الديموقراطية يتغير في هذا الوقت ويقل اهتمام هذه الدول بمسار المفاوضات وما اذا يحتم بقاء بشار الاسد ام لا. حصل هذا مع الاسد نفسه حين قاطعته فرنسا بسبب اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما لبثت فرنسا ان لحقت بمصالحها ما ان انتهى عهد الرئيس جاك شيراك فعاد من بوابة العيد الوطني الفرنسي على جادة الشانزليزيه. ومن غير المستبعد ان يكون هذا ما تسعى اليه ايران وروسيا لجهة ابقاء الاسد وسط سؤال كبير اذا كان السوريون يمكن ان يقبلوا ان يستمر حكم العلويين في سوريا بعد كل ما حصل وما اذا كانت روسيا تستطيع تحمل حماية حيدر العبادي اخر في سوريا مع بقاء مناطق كثيرة خارج نطاق السلطة في دولة فاشلة يتصارع اهلها وطوائفها على النفوذ فيها الى جانب دول المنطقة والخارج ايضا كما هي حال العراق الذي يرجح ان تنتهي سوريا الى ما انتهى اليه في احسن الاحوال في ظل قرار دولي لا يحسم مصير الاسد ووجود دول تعمل على بقائه وعدم وجود افق لهزيمة داعش. وتاليا هل التوافق الاميركي الروسي على الحل يضمن توافقا ايرانيا سعوديا او ايرانيا عربيا تركيا على الحل في سوريا ام انه اتفاق من فوق اي من الدول الكبرى لا يمكن ان يسري على دول المنطقة المتناقضة المصالح في سوريا ؟