اميل خوري: هل بات اكتمال النصاب وتحقيق الميثاقية يحتاج إلى النوعية وليس العددية فقط/الياس الديري: لبنان عريان فاستروه/روزانا بومنصف: الرهان يكبر على انتخابات رئاسية تتخطى العناد الإيراني والموافقة السعودية

243

هل بات اكتمال النصاب وتحقيق “الميثاقية” يحتاج إلى “النوعية” وليس “العددية” فقط؟
اميل خوري/النهار/20 تشرين الثاني 2015
يغرق القادة في لبنان من حين الى آخر في جدل عقيم حول كل شيء لأن لكل منهم تفسيره لمواد في الدستور وتفسيره لـ”الميثاقية” بحيث صحَّ فيهم الحديث النبوي: “إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ومنعهم العمل”… جدل في الحوار حول مواصفات رئيس الجمهورية مع أن الدستور حدد هذه المواصفات بوضوح. جدل حول آلية انتخاب الرئيس مع ان الدستور وضع آلية لهذا الأمر لا لبس فيها. جدل حول متى تكون الحكومة “ميثاقية” ومتى لا تكون، ومتى تكون جلسات مجلس الوزراء “ميثاقية” ومتى لا تكون، ومتى تكون جلسات مجلس النواب “ميثاقية” ومتى لا تكون، وهل تتحقق “الميثاقية” بحضور العدد المطلوب من النواب أم بحضور النوعية منهم، وان لا قيمة للعدد من دون النوعية… وهكذا صار تصنيف الوزراء أو الممثلين لهذا الحزب و”التيار” أو لهذا المذهب أو ذاك في الحكومة لا يكفي لتحقيق التوازن الطائفي فيها كما نص الدستور، بل صار مطلوباً تحقيق الأوزان فيها. فإذا تألفت الحكومة من أقطاب أو من الصف الاول فينبغي أن يتمثل كل مذهب بأقطابه ومن الصف الأول، واذا لم تتألف من أقطاب بل من الصف الثاني أو الثالث فينبغي أن يكون كل أعضائها من تصنيف واحد وصنف واحد لكي تكون “الميثاقية” محترمة. وقد امتد هذا التصنيف الى النواب فصار عدد النواب المطلوب حضورهم من الأقطاب أيضاً ليكتمل النصاب، وذلك احتراماً لمعنى “الميثاقية” وروحها. وهكذا صار مطلوباً تشكيل حكومات من أوزان واحدة ولا يكفي تحقيق التوازن الطائفي فيها، وصار اكتمال نصاب جلسات مجلس النواب ليس بحضور العدد المطلوب، أي النصف زائد واحد أو حضور الثلثين بحسب طبيعة المواضيع المطروحة، إنما بحضور مكون مسيحي مهم أو مكون مسلم مهم، ومن دون هذا الحضور يفقد العدد وزنه، وتصبح النوعية أهم من العددية. وهذا معناه وجود نواب “بسمنة” ونواب “بزيت”، نواب أولاد جارية ونواب أولاد ست، ولم يعد للكمية قيمة بل للنوعية التي بها فقط تتحقق “الميثاقية” مع أن الدستور لا يميز بين وزير وآخر ولا بين نائب وآخر، بل قال إن كل نائب يمثل الأمة جمعاء، وإلا كان على الذين يميزون بين نائب وآخر من حيث التمثيل أن يسألوا عن صوت من فاز به سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، هل بصوت نائب قطب أم بصوت نائب عادي أو ملحق… ان هذا التمييز بين الوزراء والنواب وهذا التصنيف جعلا الرئيس حسين الحسيني يقول: “إن المعيار الوحيد الذي يتوقف عليه انعقاد الجلسة التشريعية أو عدمه يكمن في النصاب القانوني فقط، فإذا اكتمل النصاب تلتئم الجلسة وتقر القوانين بالأكثرية المطلوبة تبعاً لطبيعة القانون، وإذا لم يكتمل النصاب يتعذر التشريع. أما القول بان غياب بعض المكونات المسيحية أو الاسلامية عن الجلسة التشريعية يضرب ميثاقيتها ويمنع بالتالي انعقادها فهو قول مرفوض لأن مجلس النواب محكوم بالقواعد الدستورية المتصلة بالنصاب وبالأكثرية، وليس بحضور أو غياب هذا المكون أو ذاك، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بمشاريع ملحة ولا يجوز تأخيرها”.ويستغرب الحسيني مقاربة مسألة “الميثاقية” بالمقلوب، معتبراً أن الاستهداف الحقيقي لجوهرها إنما يكمن بالدرجة الأولى في وضع قوانين الانتخابات النيابية بطريقة لا تحقق صحة التمثيل وعدالته. ويعني الرئيس الحسيني بذلك أن القاعدة النسبية، اذا ما اعتمدت، هي التي تحدد حجم كل نائب ولا تميز بين نائب وآخر، كما تميز بين من يفوز بأصوات رئيس اللائحة فيكون تابعاً له، ومن يفوز بأصواته ومن دون منّة أحد عليه. وإذا كان الجدل الجديد تأميناً للميثاقية يدور حول تصنيف الوزراء بين قطب وعادي، وتصنيف النواب بين قطب وعادي أيضاً، وان لا قيمة للعدد إنما للنوعية، فقد سبق ذلك جدل آخر بين “الديموقراطية العددية” و”الديموقراطية التوافقية” بحيث بات متعذراً تشكيل أي حكومة إن لم تكن تجمع كل القوى السياسية الأساسية في البلاد مع تناقضاتها وخلافاتها وخصوماتها السياسية والحزبية والشخصية كي تسمى عندئذ حكومة “وحدة وطنية” وإن كاذبة… فبات على الرئيس المكلف توصلاً منه الى تشكيل هذه الحكومة أن يمضي وقتاً طويلاً يتجاوز أحياناً السنة التي تضيع من عمر العهد، عدا ما يلحق ذلك من ضرر بمصالح الوطن والمواطن، ما يجعل صوابية العودة الى “الديموقراطية العددية” التي تحكم بموجبها الأكثرية والأقلية تعارض، الى أن تصبح الأكثرية أقلية والأقلية أكثرية في انتخابات حرّة ونزيهة تجرى على أساس قانون عادل ومتوازن يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله.

 

 

لبنان عريان… فاستروه
الياس الديري/النهار/20 تشرين الثاني 2015
من الأوّل، لا من الآخر. فليتقدّم مسؤولٌ، مرجعٌ، متزعّمٌ، قائدُ حزبٍ، قائدُ جماعة، قائدُ تيّار، قائدُ ميليشيا، إلى آخره… وليصارح الناس بالحقائق والوقائع والأسباب التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهوريّة بعد انتظار دخل السنة الثانية. وليتفضّل ويقول للبنانيّين الواقفين على صوصٍ ونقطة، كما الذين ينامون بين حقائب السفر وفي جيوبهم جوازات مجهَّزة بما تيسّر من التأشيرات، ليتفضّل ويتكرّم ويطلعهم على سرّ حبس الاستحقاق الرئاسي طوال هذه المدّة، وأين، وكيف، وإلى متى؟ صحيح أنّ الناس غرقوا أشهراً في بحر الزبالة، ثم في بحيرات “تشريع الضرورة”، لكنهم لا يزالون في حيص بيص بالنسبة إلى الفراغ الرئاسي، وتعطيل المؤسّسات، وإلغاء الدولة، ومحو دور الدستور، والقفز فوق الأعراف والمواثيق. كل ما يُحكى عن “حلول مرحليّة” وتسويات موقّتة، وما يطرح “عفويّاً” في بعض الأحاديث المتلفزة و”الملغومة” هو مخالف للدستور، وللنصوص، وللمواثيق، وللأعراف والتقاليد، ولا يجوز التمادي في عرضه وطوله. لم يَعُد من الجائز أو المقبول ذرّ الرماد في الأعين، وإن يكن الرأي العام لا يزال عند الشيخ الرفيق سعيد تقي الدين هو ذلك “البغل” الذي لا يُعتمَد عليه، ولا توكَل إليه قضيّة، أو مهمّة. فلماذا لا يجرؤ أحدكم ويبقّ “بحصة” التعطيل الشامل الذي يلفّ كل لبنان، ويعطّل مصالح كل اللبنانيّين، ويعرّض الصيغة والتركيبة والميثاق والنظام للتجارب الصعبة؟ “خلّونا كما كنا”، وعلى أساس اتفاق الطائف، ودستوره، والميثاق الذي نَجَمَ عنه. وليتخلَّ بعض “المغامرين” عن ألاعيب ذرّ الرماد في الأعين، والدعوات لفلح البحر وانتظار الحصاد… كل هذا الغزل والتحييك لا يصنع رداءً لعارٍ أو عريان. لبنان كما تعلمون وتشاهدون عرياناً بلا رئيس جمهوريّة. وهذا عارٌ على الجميع. موسم الشتاء وصل، ووصل معه موسم آخر كضيف خطير يُدعى “داعش”. وهذا “الداعش” لم يعد على الأبواب، بل داخل الأحياء والعمارات والبيوت والزواريب. والعودة إلى طرح قشور الموز في درب هذا الاقتراح، أو على طريق ذلك الحلّ، لا تصرف الناس عن المطالبة الملحّة واليوميّة: بدّنا رئيس جمهوريّة، بدّنا دولة، بدّنا الدستور، بدّنا القانون، بدّنا لبنان الذي ولدنا فيه ونشأنا وشبنا، ولا شيء سواه. قد أكون مُنتُ هنا على بعض الناس الذين لا في العير ولا في النفير، إلا أنني واثق من أن الأكثرية مع ما أقوله في هذه الأرجومة. وقبل أن يخرج الغاضبون، زرافات لا وحدانا، إلى الساحات والشوارع صارخين: بدنا خبز بدنا طحين، بدنا ناكل جوعانين.

 

 

الرهان يكبر على انتخابات رئاسية تتخطى العناد الإيراني والموافقة السعودية
روزانا بومنصف/النهار/20 تشرين الثاني 2015
التفاؤل الذي عممه موقفان، واحد للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وآخر للرئيس سعد الحريري صدر كرد فعل عليه، يدفع بسياسيين كثر الى الرهان على ان لبنان قد يشهد خروجا من جموده السياسي في اتجاه حصول انتخابات رئاسية قريبا، على رغم ان لا تحرك عمليا في هذا الاتجاه، اقله علناً، فيما يتصرف الجميع على ان هذه المواقف كانت جيدة بمعنى تهدئة الاجواء والتمهيد لمراحل تسوية آتية . جملة عوامل يبني عليها هؤلاء السياسيون رهانهم: إن اللعبة السياسية في لبنان قد تكون خرجت من اطار التجاذب الذي يتوقعه او يفترضه السياسيون اللبنانيون،بين المملكة السعودية وايران، وهم حتى الان كانوا في انتظار تفاهم او اتفاق ولو غير مباشر بين الجانبين من اجل اعادة احياء الاستحقاقات الدستورية اللبنانية . فمع الدخول الروسي العسكري المباشر الى سوريا والذي همش الى حد كبير استمرار الحركة السورية الداخلية في يد ايران والميليشيات التي تدور في فلكها وانتقال المعادلة التي تحكم سوريا الى الاطار الدولي، يعتقد سياسيون ان ما بات على المحك اكبر من القوى الاقليمية وحدها، حتى ان “التشاطر” الداخلي في لبنان لم يعد له اي قيمة تذكر ، الامر الذي يفيد ان لا العناد الايراني يبقى مفيدا ولا الموافقة السعودية تبقى مطلوبة في ظل التطورات الاخيرة، وان انتقال التأثير في سوريا الى لاعبين دوليين يمكن ان يؤثر في اتجاه انهاء استرهان الوضع اللبناني لمصالح معينة او في انتظار ظروف محددة. إن التسليم خارجيا بارجاء الانتخابات الرئاسية الى اجل غير محدد كان مقبولا الى حد ما في ظل وضع مستقر نسبيا ويتحكم فيه الافرقاء الداخليون . في الآونة الاخيرة، وعلى رغم الجلسة التشريعية التي عقدت، وكانت ستعقد حكما من اجل اقرار قوانين مالية وما يتصل بتبييض الاموال، فان المماحكة السياسية التي تعطل مجلس النواب وتعطل مجلس الوزراء بدأت تشكل مخاوف فعلية على فشل النظام في لبنان واحتمال عدم القدرة على صموده تحت وطأة تصرفات السياسيين، بدليل الفشل في حل ازمة اساسية وحيوية كملف النفايات حتى الان. والانطباعات التي خلفها الفشل في الملف الاخير، الذي بات مفتوحا على شلل حكومي مستديم، تشكل وفق السياسيين المعنيين انذارا لمن لا يود ان يرى لبنان ينتهي دولة فاشلة شأن الدول العربية التي تجاوره. وتاليا، فان لبنان لم يعد يحتمل الفراغ، علما ان السياسيين لو اطلوا على الشارع في العاصمة للمسوا مقدار الانعكاسات السلبية الباهظة الكلفة التي باتت تترتب على الناس نتيجة اداء سياسي لا يتصف بالمسؤولية. في اي حال، فان هذه المخاوف اتبعت اخيرا باضطراب الوضع الامني، ليس من خلال تفجيرين امنيين فحسب، بل من خلال كشف سلسلة شبكات ارهابية تضع لبنان في عين العاصفة وربما تهدد الوضع فيه على نحو خطير، وفقا لما تتحضر له الدول الغربية مع روسيا في اطار تحالف دولي شامل على “تنظيم الدولة الاسلامية” في سوريا . وكانت لافتة عودة بعض السفراء الى ابلاغ المسؤولين اللبنانيين بوجوب الدفع نحو حصول انتخابات رئاسية قريبا ، في الوقت الذي تراجع فيه اصرارهم في هذا الاتجاه قبل بضعة اشهر. اضف الى ذلك ما يعتقد انه عملية سياسية يتم العمل على انجاح انطلاقتها في سوريا في الاتصالات بين الدول المعنية على نحو لا تعبر عنه بما يكفي المواقف العلنية في جنيف ثم في انطاليا . فاذا كان ثمة حل سينطلق في سوريا من حيث المبدأ، فكيف يمكن ان يؤثر على لبنان؟ وكيف على هذا الاخير ان يستعد لذلك؟
يعتقد بعض السياسيين ان العمليات الارهابية قد تكون محفزا يمكن الاستفادة منه ايجابا لتفعيل الحياة السياسية في لبنان، بدءا من انتخابات رئاسية يروج سياسيون كثر عن انطباعات في شأن حصولها قبل نهاية السنة الجارية، على رغم ان خمسة اسابيع تفصل فقط عن نهاية السنة . فهذه العمليات الارهابية لم تستهدف باريس وحدها، بل هي كانت اعتداء على الحضارة الغربية تحديدا، بحيث ان انتخابات الرئاسة المسيحية في لبنان يمكن ان توجه رسالة قوية بهذا المعنى في هذا التوقيت من أجل الرد على هذا الاعتداء.
ويعتبر السياسيون المعنيون ان بعض الملامح التي بدأت ترمى في بعض الاوساط عن اسماء معينة محتملة للرئاسة ليست من دون اساس، على رغم ان لا تبني رسميا لها من اي من الافرقاء، فيما يشكل تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري مهلة شهرين للاتفاق على قانون الانتخاب، وفقا لهؤلاء السياسيين، مهلة لانجاز الانتخابات الرئاسية قبل الانتهاء من درس قانون الانتخاب العتيد. ويذهب البعض من هؤلاء الى سيناريو للانتخابات تحت عنوان احترام الديموقراطية والتزامها من خلال تأمين النصاب لجلسة الانتخاب، لكن من دون اجماع في انتخاب الرئيس العتيد متى كان هذا الرئيس، وفق ما يرشح في الاوساط السياسية، من فريق معين وليس وسطيا او توافقيا بالمعنى الذي يطالب به كثر، خصوصا اذا كان ذلك يلبي موقفا مسيحيا للقوى المؤثرة لجهة ان يكون الرئيس قويا ومن بين الشخصيات الاربع التي اجتمعت في بكركي، وهو ما يرتب اثمانا لمصلحة قوى 14 آذار في رئاسة الحكومة وفي قانون الانتخاب على الارجح .