إيلـي فــواز: أنف بوتين وعيون إسرائيل وفكر عون/نديم قطيش: رمانات أحمد الأسير وترسانة علي خامنئي/علي الحسيني: هم الفاسدون

485

هم «الفاسدون»
علي الحسيني/المستقبل/18 أيلول/15
عود على بدء. استعاد «حزب الله» بالأمس، هجومه المبرمج والمنسق ضد تيار «المستقبل» متهماً إياه «بالفساد ووقوفه وراء التردي الذي اصاب بنية الدولة ومؤسساتها وذلك من خلال سياساته وادارته للسلطة«، وذلك دائماً بحسب ما تتحفنا به كتلة «الوفاء للمقاومة» من اسبوع الى آخر، والتي يبدو أنها قررت فتح حرب سياسية إعلامية تمهيداً ربما لاحداث إنقلاب واسع يتخطّى عار السابع من أيار. إنه تخبّط فعلي يُعاني منه «حزب الله» خلال الفترة الحالية نتيجة حالة اللا توازن التي يمر بها على الصعيدين العسكري والسياسي. ففي الداخل السوري ما زال الحزب يُستنزف بشكل يومي وهو ما تؤكده الوقائع الميدانية بشكل متلاحق، وفي السياسة يجد نفسه عالقاً بين فكّي كماشة، بين خصوم سياسيين أصبحوا بحاجة إلى مساعدة مؤسسات إستطلاع لإحصاء عدد المخالفات التي يرتكبها على الدوام، وبين جمهور لم يعد يشتم من رائحة البنادق سوى صفقات النفايات والمحاصصة ورائحة «الكابتاغون الوطني المُدعّم».
بشتّى الوسائل يحاول الحزب أن يخلع عنه رداء الفساد وان يُلبسه إلى خصومه ليظهر بعدها أمام اللبنانيين عموما وجمهوره خصوصاً نظيف الكف والمدافع الأبرز عن حقوقهم والمواجه الأشرس لعمليات الاختلاس والتعدي على مؤسسات الدولة. لكن من يغوص في تاريخ الحزب القريب قبل البعيد، يتأكد له حجم الإرتكابات التي تغرق بها جماعاته من تجارة المخدرات وسرقة السيارات واحتلال المرافئ والمرافق العامة وتحويل إدارات ومؤسسات الدولة إلى أشبه بمؤسسات خاصة تعمل لحسابه وتحت امرته ووصايته. قضية نوح زعيتر وما رافقها من حملة بيانات مضادة بينه وبين «حزب الله»، أظهرت بشكل كبير حجم الفساد الذي يغرق فيه، فشخصية تاجر المخدرات الذي تحوّل إلى «مقاوم» على الحدود اللبنانية – السورية وإلى عنوان لتحرير «الزبداني» و»القلمون» كشفت جزءاً بسيطاً من الجهات التي تمد الحزب بالمال مقابل السكوت عن تجارتها وتشبيحها وخطفها المواطنين لقاء فديات مالية، ما يكشف عن وجه الشبه بين ما يقوم به الحزب اليوم، وبين ما كان يقوم به «الثوار» في ايرلندا خلال حربهم مع الجيش حيث كان الدعم بالمال والسلاح يأتيهم عن طريق تُجار المخدرات مقابل تسهيل أنشطتهم داخل ايرلندا وعند الحدود. يعجز «حزب الله» عن إيجاد حلول لمآزقه، فلا يجد غير «وسط» العاصمة وكتلة «المستقبل» هدفاً للتصويب عليه. لم يعد يوجد مواطن واحد في لبنان يعلم ماذا يُريد الحزب من خلال تركيز هجومه بإتجاه واحد وهو الذي لم يعد يرى حرجاً في خرق أمن وأمان المواطنين بعدما امتهن طريق الإنقلابات وزرع الموت والرعب بين الناس. وهنا يسأل المواطن نفسه، جهة لا تنفك عن الاعلان في بياناتها وعلى منابرها، بأنها هي التي أسّست لمرحلة جديدة من العز والعنفوان وبأنها شرّفت لبنان والعروبة، كيف لها أن تدّعي كل هذه الأمور بينما هي غارقة في الوحول والفساد وفي حماية تجار المخدرات في مواقعها «المُقاومة» الأمامية؟. من داخل السلطة يتهم «حزب الله» السلطة والدولة بالفساد. هي إزدواجية المعايير وطريقة التعاطي التي يبرع الحزب فيها. يبكي على اليمن وشعبه، لكنه في المقاتل يُمعن بقتل الشعب السوري ويشرده من أرضه ويحتلها. يدعو الى السيادة وحماية الحدود اللبنانية، بينما يمنع هو عملية انتخاب رئيس ويرسل مقاتليه ومدرعاته وصواريخه الى عمق الاراضي السورية. يدعو الى محاربة الفساد وهو الحائز على أعلى المراتب في مذكرات التوقيف والبحث والتحري بحق عناصره في لبنان والمحافل الدولية وآخرها شبكة تهريب الأسلحة في الكويت والتي يُحاول لملمتها بشتّى الطرق بعد الأذى الذي كاد أن يلحق بفئات لبنانية تعيش وتعتاش في عدد من دول الخليج. من فساد «الكابتاغون» إلى فساد نوح زعيتر، يصر «حزب الله» على احداث الضجيج من حوله للتغطية على ارتكاباته وارتكابات حلفائه، خصوصاً ان أصوات الرفض للواقع المهين الذي تعيشه بيئته أمنياً واجتماعياً ومعيشياً، أصبح يُسمع انينها بين الحين والآخر بعدما كانت تخشى التعبير عن ألمها بصوت عالٍ كي لا تُتهم بالعمالة ضد «المقاومة» وأمنها.

رمانات أحمد الأسير وترسانة علي خامنئي
نديم قطيش/الشرق الأوسط/18 أيلول/15
لم تحظَ ظاهرة لبنانية بالنفخ الإعلامي وعبر التسريبات الأمنية المدروسة بعناية، كما حظيت ظاهرة الشيخ السني اللبناني أحمد الأسير. بدأت ظاهرة الأسير من رحم الأزمة السورية والأهوال التي تعرضت لها مدينة حمص عام 2012، وركز بالتوازي على سلاح «حزب الله» ودعم إيران لنظام بشار الأسد، وانتهى مطاردًا بعد اشتباك آثم مع الجيش اللبناني إلى حين اعتقاله قبل أسابيع. خلال هذا الزمن صنع الأسير ظاهرة، بدت في الإعلام كبيرة الحجم وعظيمة الشأن. نُسجت حوله روايات تبدأ بوصفه «المنتَج الأحدث» للمحور الخليجي في الصراع من إيران، ولا تنتهي عن حدود الأوهام حول ارتباطه بحركة إسلامية ساعية لتحويل لبنان إلى إمارة. بدا الرجل من طينة الرجالات الذين يغيرون التاريخ والجغرافيا والسياسة، وليس مجرد إفراز للتوازن المهين القائم في لبنان الذي يعتبر أن «إنسان» «حزب الله» أعلى كعبًا، في كل شيء، من أي «إنسان» لبناني آخر. غير أن ما سربته صحيفة «النهار» اللبنانية من مواد التحقيقات الأولية مع الأسير حول أحداث عبرا، جنوب لبنان، واشتباكه الأخير هناك مع الجيش الذي أنهى وجوده عمليًا، تظهر حجم النفاق الذي اعترى تغطية هذه الظاهرة وحجم الأوهام التي أحيطت بها، عمدًا في كثير من الأحيان، لا سيما ما يتصل بعديده وعدته ومصادر رعايته وتمويله وعلاقاته بالمحاور المتصارعة في الإقليم.
يقول الأسير في اعترافاته المنشورة في «النهار»: «قررت إنشاء مجموعات مسلحة أطلقت عليها اسم (كتائب المقاومة الحرة). وبغية البدء بإنشاء هذه المجموعات المسلحة، فتحت باب التبرع المالي لشراء السلاح!!» تمويل عبر التبرعات لمثل مشروع إقامة الإمارة الإسلامية بدعم قطري سعودي تركي!!
أما حجم الكثير والعدة فيفضح هزاله الاعتراف التالي:
«عُيّن اثنان عن مخزن السلاح الذي كان تحت مكتبي في المسجد نفسه. ووصل الكثير إلى نحو 300 منتسب (…) واستطعنا الحصول قبل معركة عبرا على 250 بندقية كلاشنيكوف و7 قذائف آر بي جي ورشاشي ماغ ودوشكا ومدفع بـ10 وكميات كبيرة من الذخائر والرمانات اليدوية».
أي أن عدد المتطوعين لدى الأسير قبل معركة عبرا فاق عدد البنادق! أما «جيشه»، جيش الإمارة المزمعة، فقد نجح في إفراز مجموعتين تضم كل منها خمسة شبان «جميعهم قتلوا في معركة عبرا». وحول مصادر تسليحه التي نسبت إلى دول لا حصر لها قبل توقيف الأسير، وإبان نمو ظاهرته يتضح أنها لا تتجاوز تجار أسلحة صغار ومهربين «في عرسال وجرودها»، وكان ينقل الأسلحة «السوري أحمد زكريا سيف الدين الملقب بـ(السلس) بواسطة (بيك أب) له في داخله مخبأ سري إلى عبرا – مسجد بلال بن رباح». ويضيف الأسير: «الجهة الثانية من منطقة شمال لبنان من خلال الكثير من تجار الأسلحة».
تكاد سماوات تفصل بين وضعية الأسير التي راجت في الإعلام، وتحديدًا المحسوب منه على ما يسمى محور المقاومة، وبين الوقائع التي تكشفت في التحقيق عن الهزال العسكري لهذه الظاهرة، وعن درجة الافتعال والمبالغة عبر ربطها بمنظومات الإرهاب الدولي وبمشاريع الصراع الجيوبوليتيكي في المنطقة!
في مقابل هزال الأسير، الذي جرت صناعته بخبث من قبل محور المقاومة، كأحد رموز الإرهاب وتهديد السلم والأمن المحليين والإقليميين والعالميين، كان حزب المقاومة الأول، «حزب الله»، يتعرض لانكشاف دوره الفعلي والعميق في خلخلة السلم والأمن في المنطقة.
تكفي المقارنة بين «رمانات الأسير» و«ترسانة الولي الفقيه» التي كشفت عنها التحقيقات مع خلية «حزب الله» في الكويت. فما فضحته التحقيقات فيما بات يعرف بـ«خلية الكويت» يشي بأن ما كان يعد له هو انقلاب حقيقي وليس عمليات أمنية، كما تدل نوعية الأسلحة الهجومية المضبوطة وكمياتها.
فبحسب بيان وزارة الداخلية الكويتية في 13 أغسطس (آب) الماضي، يصل مجموع المضبوطات لدى عناصر الخلية إلى «19 طنًا من الذخيرة، فضلاً عن 144 كيلوغرامًا من مادة (تي إن تي)، وقذائف صاروخية وقنابل يدوية وصواعق وأسلحة»، دعك من معلومات كشفها وزير عربي عن وجود عشرة آلاف بزة عسكرية مثيلة لبزات الجيش الكويتي!! عشرة آلاف، لمن فاته التركيز على الرقم ومقارنته برمانات إمارة الأسير الإرهابية!!أما في البحرين، وبعد الإعلان عن اعتقال شبكات تجسس تابعة للحرس الثوري، كشف وزير الخارجية، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، أن حجم المتفجرات المهربة لبلاده عبر زوارق بحرية قادمة من إيران التي ضبطت في يوليو (تموز) الماضي، كانت كافية لـ«إزالة مدينة المنامة من الوجود». وكي لا يغرق هذا المعطى الأمني في ملف الحرب الإعلامية مع إيران وما تفترضه من مبالغات أحيانًا، حرص الوزير البحريني على إشهاد الولايات المتحدة التي شاركت بحريتها في كشف هذه الحلقة من حلقات المؤامرة الأمنية الإيرانية على أمن الخليج! بمقارنة بسيطة، وحسبة حوانيت، يتضح أن الإرهاب ليس الشيخ أحمد الأسير ورماناته اليدوية، وهو إن مثّل شيئًا في الإرهاب، فهو يمثل جانبه الهزيل والكوميدي أحيانًا، بينما الإرهاب الحقيقي يبقى في ترسانة علي خامنئي ومشروعه

أنف بوتين وعيون إسرائيل وفكر عون
إيلـي فــواز/لبنان الآن/18 أيلول/15
أن يحشر فلاديمير بوتين أنفه في سوريا بالشكل العلني الذي أرسل فيه طائراته وسلاحه وجيشه إلى المناطق المتبقّية للرئيس بشار الأسد، فهذا ردّ طبيعي على الفراغ الذي أحدثه إصرار الرئيس الأميركي باراك أوباما على الإنسحاب من المنطقة وتركها رهن صراعاتها المتشعبة. هكذا شرع الروس في تحويل مرفأ طرطوس الذي كان بالكاد يعنى بتزويد السفن الروسية بالنفط إلى قاعدة عسكرية، وعادوا إلى المنطقة التي طردها منهم الأميركيون منذ 70 عاماً، وتوسّعوا عسكرياً لأول مرة خارج الإتحاد السوفياتي السابق بعد انهياره. بوتين يحاول أن يفرض نفسه كمرجع وحيد في ما يتعلق بشؤون المنطقة لا سيما مصير سوريا ورئيسها. وفي هذا الشأن يقول بوتين أنا أقرر. من الطبيعي أن يكون لهذا التدخل تعقيدات ومحاذير ربما بالغ بوتين في التقليل من حجمها، أولها يتعلّق بجذب كل “المجاهدين” من الشيشان وأفغانستان وغيرها من المناطق، إلى سوريا من أجل مواجهة الروس، وتحفيز تلك القوى القيام بعمليات “جهادية” في الداخل الروسي.
ولهذا التدخل الروسي وجه آخر يتعلّق مباشرة بأمن إسرائيل وحربها الخفّية – العلنية مع إيران منذ العام 2006، على خلفية منعها من نقل الصواريخ إلى كل من حماس وحزب الله. والسؤال كيف سيؤثّر نشر بوتين لطائراته ومضاداته الأرضية على عمل إسرائيل في الرصد والمراقبة لعمليات تهريب الأسلحة إلى الداخل اللبناني والتصدّي لها كما فعلت في أكثر من مناسبة كان آخرها عملية القنيطرة التي ذهب ضحيتها قيادات عسكرية إيرانية ولبنانية. كيف ستتصرف إسرائيل تجاه هذا الأمر الروسي المستجد؟ كيف ستكون ردة فعلها إذا ما واجهت طائراتها المضادات الروسية؟ وكيف ستتصرف إذا ما رصدت شحنة اسلحة ايرانية متوجهة الى لبنان؟ إلى أي مدى يريد بوتين ملء الفراغ الأميركي؟ وهل لديه الإمكانات التي تؤهله لملء هذا الفراغ؟ ثم ماذا إذا ما تغيّرت السياسة الخارجية الأميركية بعد انتهاء ولاية أوباما؟ والسؤال إلى أي مدى يستطيع الرئيس الأميركي ترك حليفه الرئيسي في المنطقة وحيداً إذا ما قرر مواجهة الروس؟
أزمة اللاجئين المتعاظمة والتي تطال أكثر من بلد وإن كانت الازمة السورية أكبرها وأخطرها، تمكين المنظمات الإرهابية في أماكن تواجدها، إطالة أمد الفراغ الأمني في المنطقة، نشوء نزاعات جانبية جديدة لا تقل خطورة عن تلك التي نشهدها، تواجد الروس لحماية نظام الأسد المتداعي، كلها عناصر تشير إلى أن الأزمات ستطول. طبعاً لا أحد يملك أجوبة إنّما مجرد تكهنات تسعى إلى استشراف آفاق المرحلة الصعبة التي تلجها المنطقة، ولكن يبدو أن حرباً إسرائيلية على حزب الله قد تكون آتية إذا ما قام الأخير باستعمال الغطاء الروسي في نقل السلاح للداخل اللبناني. وفي ظل هذا الغليان، قامت بنات الجنرال ميشال عون بإنشاء جمعية لنشر “فكره”. لا شيء طبعاً يساوي حب البنات لأبيهم، ولكنه يصبح مثيراً للسخرية إذا ما بلغ حدّ المغالاة. فتفكّك الدولة اللبنانية وشللها وإمكانية دخول لبنان أتون حرب مذهبية قذرة والإلتحاق بفوضى سوريا، تعود تحديداً إلى عقم فكري تميّز به الجنرال على مدار حياته السياسية، إنْ كان في الصراع مع القوات اللبنانية، أو في الصراع مع الجيش السوري التي انتهت بهربه، أو اليوم في صراعه المفتوح مع الحريرية السياسية، ومن خلال وقوفه في خندق الممانعة بمواجهة الاكثرية السنية العربية. فبين أنف بوتين وعيون إسرائيل قد لا يبقى لبنان، ولا سوريا، ولا “تياراً وطنياً حراً” يتسلّق عليه الباسيل ووصوليته لإتمام تلك المهمة المستحيلة من قبل بنات الجنرال.