طارق الحميد: المغسل هو عماد مغنية الخليج/عبد الرحمن الراشد: دلالات القبض على المغسل/سلمان الدوسري: بعد المغسل.. أين الثلاثة الآخرون؟!

425

المغسل هو عماد مغنية الخليج
طارق الحميد/الشرق الأوسط/30 آب/15
ألقت السلطات السعودية القبض على الإرهابي المطلوب أحمد المغسل، المخطط لتفجيرات الخبر عام 1996، وذلك إثر وصوله إلى مطار بيروت، حيث سلمته السلطات اللبنانية فورا للسعوديين، وهو الخبر الذي انفردت به صحيفة «الشرق الأوسط»، ويمكن القول بأنه خبر العام. فما هي أهمية المغسل؟ ولماذا جنّ جنون الإعلام الإيراني، وتحديدا حزب الله؟ الإجابة بسيطة، فالإرهابي المغسل هو عماد مغنية الخليج. المغسل هو مغنية من ناحية الخطورة، وطول فترة التخفي والهروب من السلطات السعودية، وهو العقل المدبر لتفجيرات الخبر التي تتهم إيران بالوقوف خلفها، وعلى أعلى المستويات. وإلقاء القبض على المغسل كشف، وسيكشف، عن حقائق كثيرة ومهمة، كما أنه يدحض تحليلات فارغة لا معنى لها، وتروج من قبل الإعلام الإيراني، وتحديدا بعد الاتفاق النووي، مثل أن الاتفاق النووي سيتدحرج ككرة الثلج على السعوديين، بينما ها هي السعودية توجه ضربة أمنية قاسية، ومحرجة لإيران. ومن الحقائق المهمة التي كشفها اعتقال المغسل، أو عماد مغنية الخليج، تأكيد إقامته بطهران التي يغادرها بوثائق إيرانية، وأسماء مختلفة، حيث كان المغسل يتنقل لسنوات طويلة بين إيران وسوريا، مثله مثل بعض شركائه الإرهابيين الآخرين. ومن أبرز هؤلاء جعفر الشويخات، الذي قيل يومها إنه انتحر بسجون حافظ الأسد. والشويخات هو من قام بشراء الصهريج الذي استخدم لتنفيذ تفجير الخبر، وسلمه للمغسل، ثم غادر (الشويخات) للقاهرة ومنها إلى دمشق. وبحسب مصدر مطلع فقد تتبعته السلطات السعودية حينها إلى أن رصد بالقرب من حي السيدة زينب بدمشق، وطُلب من حافظ الأسد وقتها تسليمه، وكاد يستجيب، لكنه تردد عندما عرف أن الشويخات متورط في عملية الخبر، وتسليمه للسعودية سيضر بحليفته إيران. وحينها روج نظام الأسد الأب أن الشويخات قد انتحر لكن دون تسليم جثته، حيث تم الاكتفاء بوداع زوجته له دون أن ترى منه إلا وجهه، أما جسمه فقد كان محاطًا بالقطن! وهناك أيضًا الإرهابي مصطفى القصاب، الذي كان بسوريا، وتسلمته السعودية بضغط سياسي مهول حينها، بينما بقي المغسل حرًا طليقًا بإيران، مثله مثل سيف العدل وسليمان أبو الغيث وغيرهما من ضيوف طهران المهمين لشعار «الموت لأميركا»، إلا أن مثابرة مكافحي الإرهاب السعوديين وتعقبهم الحثيث للمغسل قادا لالتقاطه من بيروت، وهو ما أفقد الموالين لإيران صوابهم. وهذا طبيعي، فما فعلته السعودية بقصة المغسل يظهر الفرق بين الدولة المكافحة للإرهاب، والدولة الراعية له. السعودية كانت ترصد المغسل بصبر وثبات، ولم تغفل لحظة، بينما كانت إيران تؤويه وتحميه. والسعودية لم تجعلها قضية رأي عام، ولم تلجأ للدعاية الممجوجة على غرار ما يصور به قاسم سليماني، وغيره، بل تصرفت كدولة. ولذا، وهذا المهم والأهم، فإن المغسل، أو عماد مغنية الخليج، لم يُصفَّ مثل الإرهابي مغنية، بل التقطه السعوديون، وجلبوه للعدالة، وهذا هو الفرق بين محاربة الإرهاب، وبين صنعه والترويج له كشأن إيران.

دلالات القبض على المغسل
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/29 آب/15
بعد تسعة عشر عاما من الاختفاء وادعاء الموت والنسيان، من كان يظن أن رئيس الخلية الإرهابية التي نفذت تفجير مدينة الخبر سيتم القبض عليه؟ رحلة القبض على أحمد المغسل من مطار بيروت إلى مطار الرياض تختتم واحدًا من أهم وأخطر الملفات الأمنية والسياسية المعقدة، بحكم أن المدبرين في إيران، والضحايا أميركيون، والجريمة ارتكبت على أرض سعودية. قضية تشابكت معها علاقات دول أخرى مثل كندا وسوريا وأخيرا لبنان، نتيجة وجود بعض المتهمين فيها. الانفجار العنيف، في صيف ذلك العام، يقال إنه من شدته سُمع صوته في دولة البحرين. حفر الأرض عشرة أمتار، ودمر واجهة المبنى إلى أقصاها، وخلف تسعة عشر قتيلا وجرح نحو خمسمائة آخرين، من القوات الأميركية. وربما كان له أن يصبح من أسوأ حوادث الإرهاب في العالم من حيث الإصابات لولا أن منفذي العملية وضعوا القنبلة في ماء السيارة الصهريج (الوايت) مما خفف من اتساع نطاق التفجير. والأمر الذي لا يقل خطورة أن تفجير أبراج الخبر كان واحدة من سلسلة عمليات خطط لها الإيرانيون في السعودية سنة 1996، لولا أن أحد رجال الجمارك اشتبه في شاحنة وهي تعبر الحدود من الأردن إلى السعودية، لأنها كانت منخفضة بما يدل على أن في داخلها بضاعة ثقيلة. وعند تفتيشها اكتشفت كميات ضخمة من المتفجرات، مما أسهم في إحباط عمليات مدبرة أخرى. وهؤلاء المنخرطون في العمليات الإرهابية، من سعوديين وغيرهم، مجرد بيادق تستخدمهم إيران لأغراضها السياسية ثم تتخلص منهم بعدها. وقد سبق أن قامت السلطات السورية بالتخلص من مطلوب سعودي آخر في الخلية الإرهابية، وذلك بعد أن كشفت الأجهزة الأمنية السعودية مكانه، بعد شهرين من التفجير. وعندما طلبت من السلطات السورية تسليمه نفت وجوده في البداية، ثم ادعت أنه توفي منتحرًا في السجن بابتلاعه صابونة.. قصة لم يصدقها أحد. لاحقًا قامت السلطات السورية بتسليم مطلوب سعودي ثان كان مختبئًا عندها، ولاحقًا تم تسليم ثالث كان في لبنان. في جرائم الإرهاب لا يمكن إغلاق الملفات بتقادم الزمن، ولا بالمصالحات السياسية، وستتم ملاحقة الفاعلين مهما بعدت بهم المسافات، أو كانوا في حماية أنظمة، لأن الأنظمة التي استغلتهم للقتل ستتاجر بهم في الوقت المناسب لاحقًا. كانت إيران هي من وسّع مفهوم استخدام إرهاب الدولة الحديث، منذ بداية الثمانينات. استخدمته أداة رئيسية في دعم سياستها الخارجية، لابتزاز وتهديد القوى والحكومات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. وما حدث من سلسلة اغتيالات لشخصيات كبيرة في لبنان بعد عام 2005 كان ضمن السياسة الإيرانية السورية، لفرض مشروعها على لبنان والمنطقة. بدأته بخطف مواطنين غربيين في لبنان في الثمانينات، وفي العقد التالي كانت وراء تفجيرات في فرنسا، وأميركا الجنوبية. وعندما نضع تلك الحوادث العديدة، والمتفرقة، في إطار سياسة إيران المعلنة، نتساءل إن كانت قد نجحت في أهدافها. الحقيقة، لم تنجح إيران في تحقيق شيء مهم، حيث لم تستطع تغيير أنظمة، ولا هزها، أو إجبارها على تغيير سياساتها، باستثناء لبنان الذي كان دائما أرضًا رخوة لنشاطاتها، وحليفها النظام السوري. فشل العنف والقوة في تحقيق أي إنجاز كبير لها. وهي بسياستها تلك تسببت في جلب القوات الأميركية والغربية الأخرى إلى مياه الخليج بعد أن كانت تريد إخراجها، مما زاد من حصارها وبؤسها!

بعد المغسل.. أين الثلاثة الآخرون؟!
سلمان الدوسري/الشرق الأوسط/29 آب/15
لم تمنع 19 عامًا قضاها مهندس تفجيرات الخبر أحمد المغسل، متخفيًا ومتنكرًا ومتنقلاً بهويات مزورة، من وقوعه في يد العدالة أخيرًا. اصطاده صقور الأمن السعودي بعملية استخبارية معقدة، حتى لو ظن واهمًا أن السنين نالت من عزيمتهم وأضعفت قواهم. ليست مفاجأة أن المغسل كان يقيم بإيران، كما أنه لم يكن مفاجئا أنه يتنقل بهويات إيرانية مزورة، المفاجأة الحقيقية لو أن السيناريو كان فعلاً مختلفًا، ولم يكن لطهران يد في هذا التفجير الإرهابي، وإيواء منفذيه طوال عقدين مضيا. الآن وبعد الضجة التي أعقبت الكشف عن والقبض على المغسل، يبقى ثلاثة من المطلوبين المتهمين في العملية، من أصل 14 مطلوبًا، الذين سيكون الدور القادم عليهم الآن.. أين يقيمون؟ وما هي الجهة التي تدير تحركاتهم وتخفي هوياتهم وتستبدلها بهويات مزورة؟
وبعيدًا عن التنجيم والتحليلات والتكهنات، وكما كان المغسل يقيم في إيران، الدولة المتهمة بالوقوف خلف هذا العمل الإرهابي، فإن الطبيعي أن يكون المطلوبون الثلاثة مقيمين أيضًا فيها، وإن لم يكونوا كذلك، فإن الأوامر بالتأكيد صدرت لهم من اليوم الذي قبض فيه على المغسل بالعودة فورًا، فلا توجد دولة في العالم قادرة على تحدي الولايات المتحدة والعالم وإيواء مطلوبين للعدالة أو إرهابيين سوى دولة واحدة فقط، كما فعلتها سابقًا مع أعضاء تنظيم القاعدة، وهو أمر مثبت بالأدلة والبراهين، ولا يمكن تخيل أن المطلوبين الثلاثة: علي الحوري وإبراهيم اليعقوب وعبد الكريم الناصر، والأعضاء في ما يسمى «حزب الله الحجاز» المدعوم من إيران، استطاعوا التمويه على أجهزة الإنتربول الدولية وسلطات الأمن في دول العالم، باعتبارهم مطلوبين دوليين، من دون وجود دولة تحتضنهم وتغطيهم قانونيًا، وتمكنهم من التخفي عبر كل هذه السنين. وبعيدًا عن نظرية «فتش عن الدافع» المشهورة، التي يستخدمها المحققون الجنائيون، والتي تناسب إيران في تفجير الخبر، كما غيرها من أعمال إرهابية تثبت مسؤوليتها بالصوت والصورة والقرائن والدلائل، فإن النظام الإيراني انتقل من إدارة العمليات الإرهابية في الخفاء، إلى القيام بها فوق الطاولة وأمام الملأ، وشرعنتها بشكل لم يسبق له مثيل، وهو يرى أنه سيستمر في ذلك طالما لا توجد جهة في العالم تستطيع إيقافه، أو حتى احتواءه (هل قلت احتواء؟!) بل أحيانا تتم مكافأته، كما تم في الاتفاق النووي، الذي يستعد الكونغرس للتصويت عليه الشهر المقبل. أليس قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني، وللغرابة، مصنفًا أميركيًا على قائمة الإرهاب، واستمر يمارس عملياته سابقًا في السر ودون الكشف عنها، ثم ها هو أصبح يتحرك ويمارس قيادته لتنظيمه الإرهابي بشكل علني، أحيانًا ميدانيًا مع ميليشيات طائفية وإرهابية كتنظيم الحشد الشعبي، وأحيانًا وكأنه سفير أو دبلوماسي، كما فعل في اجتماع الهيئة السياسية للتحالف الوطني الشيعي الحاكم في العراق، وتدخله للدفاع عن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وكأنه المندوب السامي، فهل نتوقع من النظام الإيراني أن يغير من سياسته العدائية والمزعزعة للأمن والاستقرار، بينما القانون الدولي يغض النظر عن أفعاله الإرهابية الواضحة للعيان، ويطبق نفس القانون بحذافيره وبصيغة مشددة على دول أخرى.
أحمد المغسل لم يقدْ فقط الشاحنة التي فُجرت وقتلت 19 شخصًا، وأصابت 372 آخرين. المغسل قاد من أغمضت عيونهم ليفتحوها قليلاً، وينظروا من هي الدولة التي تخطط وتتآمر وتفجر وتقتل وتؤوي إرهابيين، ومع ذلك هي في مأمن من أي محاسبة أو عقاب. هذه السياسة الانتقائية كانت تحظى بها إسرائيل وحدها سابقًا، لكن شيئًا فشيئًا بدأت إيران تشرب من نفس زجاجة العسل الإسرائيلية.