وجع الناس يجتذب الآلاف وينذر السياسيين الفاسدين/الياس حرفوش: محاسبة جماعة «بدنا نحاسب

382

محاسبة جماعة «بدنا نحاسب»
الياس حرفوش/الحياة/30 آب/15
منذ الانقسام العمودي الحاد في لبنان، بين تكتّلَي 8 و14 آذار، وهما التاريخان المتصلان باغتيال الرئيس رفيق الحريري وبتظاهرة «شكر» السوريين على «وجودهم» المديد، لم تعرف شوارع العاصمة اللبنانية تظاهرات من أي فريق آخر، باستثناء ما شهدته في الأسابيع الأخيرة، من قبل جماعات عرّفت نفسها بشعارات عفوية، من تلك التي يتداولها اللبنانيون، همساً أو علناً، حيثما التقوا، من نوع «بدنا نحاسب»، أو «طلعت ريحتكم». تظاهرات عفوية إذاً، تريد أن تقدم نفسها إلى اللبنانيين على أنها لا ترتبط بزعيم أو بحزب. كل ما تسعى إليه هو إنقاذ البلد من الفساد والفاسدين، الذين يعتبرهم من سمعناهم يتحدثون باسم هذه الجماعات، موجودين في كل الأحزاب والطوائف. ولأنها تظاهرات عفوية، وبالتالي غير مسيّسة، كما تشاء أن تصف نفسها، فإنها مؤهلة للالتفاف الشعبي حولها، من قبل مواطنين، أصابهم اليأس مرة بعد مرة من أي أمل بإصلاح أي شيء، حتى صار شعارهم في وصف وضع لبنان هو المثل الشعبي المعروف «فالج لا تعالج». لكن هذه التظاهرات والتحركات عرضة كذلك للالتفاف الطائفي والحزبي عليها، نتيجة كون شعاراتها قابلة للاستقطاب الشعبي العابر للأحزاب والطوائف. فقد أخذنا نسمع مثلاً قادة حزبيين يصرّحون أن شعارات جماعة «بدنا نحاسب» هي شعاراتهم، وأنهم يعتبرون بالتالي أن من حقهم تجيير التظاهرات لحسابهم. فقد بلغت وقاحة السياسيين في لبنان حداً، في حديثهم الفصيح عن العفّة، لا يصحّ فيه سوى ما قاله ذات يوم الكاتب اللبناني سعيد تقي الدين… غير أن هذه ليست قشرة الموز الوحيدة في طريق هؤلاء الشبان المندفعين بحماس وعن حق لإصلاح بلدهم. خذ مثلاً الانقسام الطائفي العميق وما أدى إليه من تقوقع كل طائفة حول نفسها وحول زعيمها، الذي تعتبره خشبة الخلاص، فيما ترى أن سبب مصائبها كلها يأتي من الطائفة المقابلة. كيف السبيل إلى مشروع وطني واحد في ظل انقسام كهذا، ومن يضمن أن لا تقع تظاهرات هؤلاء الشبان ضحية هذا الفرز الطائفي، وهم أبناء الحرب وبناتها، وضحية ما أدت إليه من تعميق الشروخ في المجتمع اللبناني، بدءاً من البيت وصولاً الى المدرسة والجامعة ومركز العمل، وكل ما يتصل بالحياة اليومية للمواطن. من هنا قلق المشككين في ما ستنتهي إليه التحركات الشعبية، وأملهم بنجاحها في الوقت ذاته. لقد بلغ جدار الفساد في لبنان حداً من الارتفاع يفوق جبال النفايات المرتفعة في الشوارع. إنه فساد منتشر في كل مكان، بدءاً من معظم صغار الموظفين وصولاً الى أعلى المتنفذين والسياسيين، وهو ما يجعل شعار الحرب على الفساد مجرد شعار فارغ إذا لم يبدأ الإصلاح من حيث يجب أن يبدأ، أي من تحمّل كل لبناني مسؤوليته الوطنية أولاً قبل إلقاء هذه المسؤولية على الآخرين.وفوق هذا وذاك، هناك الصعوبات في وجه التحقيق العملي للشعارات التي يرفعها هؤلاء الإصلاحيون الشباب. فعندما تبدأ المطالب من ضرورة استقالة الحكومة وحلّ المجلس النيابي، في ظل الفراغ الدستوري القائم في البلد نتيجة إقفال الطريق في وجه انتخاب رئيس جديد للبلاد، فإنها سوف تنتهي بالضرورة إلى حالة شلل كاملة للمؤسسات، لن يتمكن أن يحلّ مكانها في الظرف الحاضر سوى الفريق الأقوى على الساحة، تنظيماً وتسلّحاً وهيمنة على القرار الأمني والسياسي. وكلنا نعلم من هو هذا الفريق، المسؤول عن تعطيل العملية الدستورية وإيصال البلد إلى المأزق الحالي.

وجع الناس» يجتذب الآلاف… وينذر السياسيين الفاسدين
بيروت – «الحياة»/30 آب/15
نجح الحراك الشعبي والشبابي في لبنان، الذي انطلق ضد أزمة النفايات قبل أكثر من أسبوعين وتطور إلى احتجاج ناقم ضد الفساد والطبقة السياسية الحاكمة، في اجتذاب عشرات آلاف المواطنين اللبنانيين الى التظاهرة المركزية التي دعت إليها منظمات وهيئات من المجتمع المدني وانضم إليها ناشطون يساريون وهيئات نقابية، في ساحة الشهداء وسط بيروت عصر أمس، فشكل ذلك إنذاراً مهماً للزعامات والأحزاب السياسية والطائفية اللبنانية وسط الأزمات المتعددة التي يعيشها لبنان وتنعكس تردياً حياتياً وخدماتياً على اللبنانيين. وتميز حراك الأمس بالإقبال الكثيف على رغم عدم اشتراك الأحزاب التي اعتادت إنزال مئات الآلاف الى ساحة الشهداء، وتخطى بحجمه قدرة أحزاب صغيرة شاركت في الحشد، منها الحزب الشيوعي وحركة «التجدد الديموقراطي» و «حزب الخضر» وشلل يسارية أخرى وغيرها، ليعبر المشاركون، وبعضهم ينزل إلى الشارع للمرة الأولى، عن وجع الناس وسخطهم على المسؤولين والمحاصصة الطائفية التي لم تنجح في انتشال اللبنانيين من تراجع الخدمات والرعاية الاجتماعية، وسط الشلل الذي أصاب المؤسسات الدستورية واستمرار الشغور في رئاسة الجمهورية منذ أكثر من سنة و3 أشهر. واستطاعت الهيئات الداعية، أي «طلعت ريحتكم»، «بدنا نحاسب»، «عالشارع» و «فلوا عنا»، ولجنة أهالي المخطوفين والمفقودين وغيرها، ضبط المشاركين وتجنب المواجهات التي سبق أن حصلت الأسبوع الماضي مع القوى الأمنية، فتشكلت مجموعات تنظيمية من 500 شاب رافقت التظاهرة التي انطلقت من أمام وزارة الداخلية، للاحتجاج على القمع الذي تعرض له متظاهرو أيام السبت والأحد والإثنين الماضية وعلى استمرار توقيف 7 أشخاص في أعمال الشغب التي سبق أن حصلت في وسط بيروت. وحالت هذه المجموعات دون دخول عناصر مشاغبة ساهمت في افتعال الصدامات مع القوى الأمنية في الأيام الماضية. وانضمت التظاهرة الى التجمع الرئيسي في ساحة الشهداء.
ورفع المتظاهرون لافتات طالبت باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق وبمحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق. واختلط الشباب مع مشاركين من كبار السن وبعض الفنانين. وبلغ صدى الاحتجاج جاليات لبنانية في الخارج، مثل لندن وواشنطن وبروكسيل وكندا، حيث نفذت مجموعات لبنانية وقفات تضامنية مع ناشطي بيروت.
وتقدم المتظاهرين عناصر قوى الأمن الداخلي من دون أن يحملوا أسلحة، وسلكت طريق سبيرز- برج المر- باب إدريس- شارع ويغان من أمام مبنى البلدية وصولاً إلى ساحة الشهداء.
ورفع المتظاهرون الأعلام اللبنانية دون غيرها، واللافتات التي تضمّنت مطالبهم وانتقاداتهم للطبقة السياسية من دون استثناء. وأظهرت اللافتات المرفوعة غياب الوجود الحزبي، وتناولت القضايا الاجتماعية والمعيشية والانتخابات النيابية ومحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق واستقالة وزير البيئة محمد المشنوق. وانضمت إلى التجمع في ساحة رياض الصلح مجموعات من جميع المناطق اللبنانية، من عكار إلى أقصى الجنوب مروراً بكسروان وجبيل والمتن والشوف وعاليه وكذلك من البقاع وبعلبك- الهرمل.
ولعل شعار «بدنا نحاسب» كان الأبرز بين الشعارات المرفوعة، وكذلك شعار «حلّوا عنا» و «كلكن يعني كلكن»، إضافة إلى: «الشرعية للشعب»، «قصر زعيمك كلو نظيف لأنو زبالتو عندك»، «ع التّغيير»، «ريحتكم وصّلت إلى كندا»، «الشعب يريد النسبية»، «هذه الحكومة زبالة»، «Game Over»، «بدنا نتزوّج»، «سير ألكس فرغسون رئيساً»، «بدنا نحاسب على نهب المال العام»، «ما تكون خروف»، «طفح الكيل» (عكار)، «14 و8 عملوا البلد دكانة»… ورفع مشاركون صورة لزعماء ضمّت ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري ووليد جنبلاط ومحمد رعد وسمير جعجع طالبين منهم الرحيل، وهتف مشاركون: «ثورة شعبية يا شعبي».
وعند التقاء التظاهرة بالمحتشدين الذين غطوا جزءاً كبيراً من ساحة الشهداء، توجّه عدد كبير منهم وبشكل مفاجئ إلى ساحة رياض الصلح هاتفين «ثورة ثورة»، وكذلك هتفوا ضد «128 مندساً في البرلمان»، ووقفوا قبالة الشريط الشائك الذي يفصل الساحة عن السراي الحكومية ولم يكن وراءه عناصر قوى الأمن ومكافحة الشغب، الذين ابتعدوا نحو المدخل الرسمي للسراي. وفي ساحة الشهداء، تلت احدى الناشطات مطالب المتظاهرين، وتمثلت بشكل أساسي بـ: حل بيئي مستدام وصحي لأزمة النفايات، استعادة أموال البلديات من الصندوق البلدي المستقل، استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، محاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق، محاكمة مطلقي النار على المتظاهرين، إجراء انتخابات نيابية شرعية لتغيير الطبقة الحاكمة وتحقيق دولة مدنية. وقال الناشط أسعد ذبيان: «نحن نختار متى المواجهة، ونحن هنا ليس لأننا ضعفاء، بل لأننا منضبطون وإذا كانواغير قادرين على ضبط جماعات تدخل بيننا فنحن قادرون على أن نضبط أنفسنا.
وعلمت «الحياة» أن أحزاباً عدة أعطت تعليمات لمحازبيها بعدم المشاركة في تجمع أمس، لا سيما «حزب الله»، الذي طالب مناصريه بعدم الانضمام إلى التظاهرة. وأمهل المتظاهرون الحكومة 72 ساعة لتلبية مطالبهم، تحت طائلة التصعيد اعتباراً من مساء بعد غد الثلثاء مساء حاولت مجموعة الاقتراب من الشريط الشائك قرب السراي.
وعلى الصعيد السياسي، يُنتظر أن يعلن رئيس البرلمان نبيه بري اليوم مبادرته بدعوة القيادات السياسية إلى طاولة حوار في خطابه لمناسبة الذكرى الـ37 لاختفاء الإمام موسى الصدر.
وقالت مصادر مطلعة على اتصالات تبريد التأزم السياسي الذي يعطل الحكومة، بفعل الخلاف على آلية قراراتها وعلى التعيينات الأمنية، إن المسعى الذي قام به رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط بإيفاده الوزير وائل أبو فاعور إلى العماد ميشال عون، انتهى إلى إحالة الأخير أبو فاعور إلى الرئيس الجديد لـ «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. وكان أبو فاعور اقترح ترقية بعض الضباط الذين لهم وظائف محددة كأحد الاقتراحات لمعالجة أزمة التعيينات الأمنية.