جهاد الزين/إسرائيل تُصبح جزءاً عضويّاً – وقياديّاً – مقبولاً من المنطقة

278

إسرائيل تُصبح جزءاً عضويّاً – وقياديّاً – مقبولاً من المنطقة
جهاد الزين/النهار/21 أيار 2015

نحن في صدد مشروعين دوليّين يسيران معا “بسرعات مختلفة”: الأول، تكريس دولة فلسطين، يتقدّم ضد الإرادة الإسرائيليّة، والثاني، انسحاب أو سحب إيران من الصراع مع إسرائيل، يتقدّم أيضا ضد إرادة الطبقة السياسيّة الإسرائيليّة! فلسطين اليوم في ما آلت إليه من حيث الديناميكية الفعليّة هي فقط مشروع دولي لا إسلامي ولا عربي ولا “فلسطيني”. هذا المشروع الدولي حظي قبل أيام بدعم ضخم عبر اعتراف الفاتيكان بدولة فلسطين، مما يؤكِّد على أنه مشروع صاعد بقوّة وأن مشهد فلسطين كدولة “مستقلة” في الضفة الغربية وقطاع غزة  بات حقيقيا في العلاقات الدولية مع كل التحفّظ على مضمون كلمة “مستقلة” وهو تحفُّظٌ في عالم اليوم يشمل الكثير من الدول بصورةٍ أو بأخرى. بينما يتقدّم هذا المشروع الدولي حول فلسطين ويفرض نفسه سياسيا على إسرائيل رغم كل ممانعتها بانتظار أن يُكمِل فرض نفسه سياسياً وإداريا وجغرافياً هناك مشروع آخر أقدم يحقِّق في الوقت نفسه نجاحاتٍ من نوع آخر بسبب أقدميّته الزمنية هو مشروع تحويل إسرائيل إلى دولة “طبيعية” في المنطقة بل دولة إقليمية كبيرة في المنطقة. إسرائيل اليوم ومنذ انهيار سوريا وليبيا وقبلهما العراق ناهيك عن اليمن تبدو الآن ليس فقط جزءا “داخليا” في المنطقة ولو غير معترف به كليا بل تكاد التطورات الانهيارية منذ بضع سنوات تجعلها “حاجةً” للمنطقة. هناك تطوّران استراتيجيّان بارزان يجعلان هذه العضوية الحقيقية لإسرائيل ممكنة بل قائمة:

الأول كما أشرنا هو دخول المنطقة في مرحلة انهيار مجموعة دول دفعة واحدة كانت تحمل بقايا فلسطين كمشروع عربي بعد انسحاب مصر القسري، وليس الإرادي، من الصراع العربي الإسرائيلي بعد هزيمتها العسكرية الساحقة الماحقة عام 1967.

الثاني هو الجاري حاليا وهو التحضير لانسحاب إيران من الصراع العربي الإسرائيلي. فخلافا لما يتبجّح به اليمين الإسرائيلي إنه مما لا شك فيه أن أحد الأسباب، وليس فقط النتائج، الرئيسيّة للاتفاق الأميركي الإيراني البادئ هو توفير تغيير استراتيجي في “البيئة السياسيّة” للشرق الأوسط يتمثّل بسحب إيران من الصراع العربي الإسرائيلي، أي إنهاء (تدريجي طبعاً) للدور الذي كلّفَت الثورة الإيرانيّة نفسها به واستخدمته بنجاح كأحد أهم الأسباب لما أصبح اجتراح دورها الإقليمي العام على مساحات عربية كان هذا الدور غائبا عنها بالمعنى الحرفي للكلمة منذ قرون، نترك للمؤرّخين تحديد بداية غيابه ما إذا حصل هذا الغياب منذ الفتح العثماني للعراق ومصر والشام أو منذ استتباب العهد المملوكي قبله (وهو غياب سياسي وليس ثقافيا طبعا مع استمرار التفاعل العميق التعددي مع مصر في الآداب والفنون والثقافة).

انسحب العرب، مجازاً، من الصراع مع إسرائيل بأشكال اضطرارية مختلفة وأكاد أقول “انسحب” الفلسطينيون مأساويا من هذا الصراع مع بلوغ عجزهم عن مواكبته درجة انخراطهم في أولوية حربهم الأهلية على حربهم الوطنية وفي تراخي بنية مقاومتهم السياسية منذ تراجع قيادة حركتهم الوطنية وتحوّلِ الجناح الإسلامي فيها، رغم معاركه مع إسرائيل، إلى قوة غير جامعة وطنيا، رغم التضحيات الفلسطينية الشعبية الهائلة كل يوم في الضفة والقطاع.

إيران إذن تتجه حثيثا، بحكم المنطق العميق بل الأعمق لعودة انخراطها في النظام والسوق الدوليّين مقابل مكاسب أكيدة في محيطها، تتجه للخروج من الصراع العربي الإسرائيلي إن لم تكن خرجت عمليا وتكفي الدلالة الجهوية الرمزية على انتقال أحد أنجح استثماراتها الأيديولوجية والعسكرية وبالتالي السياسية، وهو “حزب الله”، من الجنوب في لبنان إلى الشمال في سوريا كي تكون معبِّرةً عن هذا التحوّل الهائل (وتركيا فعليا خارج هذا الصراع).

نحن إذن في صدد مشروعين دوليّين يسيران معا “بسرعات مختلفة” (وفقا للتعبير الفرنسي): المشروع الأول، تكريس دولة فلسطين، يتقدّم ضد الإرادة الإسرائيليّة، والمشروع الثاني، انسحاب إيران من الصراع معها، يتقدّم أيضا ضد إرادة الطبقة السياسيّة الإسرائيليّة ولا سيما أجنحة اليمين فيها. إنها لمفارقة هائلة في “اللحظة” (وهي زمن وليست لحظة) التاريخية الراهنة في المنطقة: مشروعان كلاهما دولي أي غربي يغيِّران  البيئة السياسية والثقافية والاقتصادية العربية لصالح إسرائيل، وحكومة إسرائيل والجزء الأكبر من المجتمع الإسرائيلي يعارضانهما! لكنْ ما الضير في ذلك إذا كان “المعلِّم” (البوس) الغربي هو الذي أدار ويدير عملية فرض المشروعين. ويبدو أنه سينجح! هذا التغيير البيئي السياسي هل يتحوّل إلى رسم خرائط بديلة لخرائط سايكس بيكو المهتزة حاليا باستثناء الخارطة الإسرائيلية مع كل الشكوك حول تراجع أهمية النفط العربي، الشقيق التوأم لسايكس بيكو؟ هذا موضوع مبكر جدا رغم كل كوابيسه علينا لأننا نحن الأجيال الجديدة من مجتمعات ودول أنشأها سايكس بيكو بات معظمنا حريصاً على سايكس بيكو، باستثناء “الجناح الشيشاني” من الحركة الأصولية الإسلاميّة في العالم العربي.