الاتفاق النووي مع إيران ثَمَرة تنازلات وبدائله لم تكن جذّابة تساؤلات عن تبديل التسوية المشهدَ السياسيَّ في المنطقة

232

الاتفاق النووي مع إيران ثَمَرة تنازلات وبدائله لم تكن جذّابة تساؤلات عن تبديل التسوية المشهدَ السياسيَّ في المنطقة
موناليزا فريحة/النهار/4 نيسان 2015

القلق المستتر في المنطقة من الاتفاق النووي المبدئي بين طهران ومجموعة 5+1 للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن، الى المانيا، يعكس مخاوف من أن يثير رفع العقوبات تحديداً عن دولة منخرطة بقوة في أكثر من حرب مذهبية في المنطقة، الى زيادة النزاعات المذهبية تفاقماً وتعميق خطوط الصدع بين أطرافها. ولعل “عاصفة الحزم” التي بدأت مع المخاض الاخير لمفاوضات لوزان، محاولة من دول المنطقة للتكيّف مع المشهد السياسي الجديد.

اختلفت الردود الاميركية على الاتفاق الاطار الذي يقيد نشاطات البرنامج النووي الايراني عشر سنين على الاقل ويشمل رفع العقوبات الغربية تدريجا عن إيران، علماً أنه مرهون بالتوصل إلى اتفاق نهائي بحلول 30 حزيران بوفاء الجانبين بوعودهما، على حد تعبير الرئيس الايراني حسن روحاني.

وتكفي مقارنة افتتاحيتي صحيفتي “النيويورك تايمس” و”الواشنطن بوست” لالقاء الضوء على الانقسام الذي يثيره الاتفاق. وكتبت الاولى تحت عنوان “اتفاق نووي واعد مع ايران”، أن الاتفاق الاولي يزيد احتمالات عدم تحول طهران تهديدا نووياً، لافتة الى أنه بفتح حوار بين طهران وأميركا، بدأ المفاوضون تبديد عداء عمره أكثر من 30 سنة، وعلى المدى الطويل، يمكن اتفاقاً بين الجانبين أن يجعل الشرق الاوسط أكثر أمناً ويفتح طريقاً لايران للانضمام الى المجتمع الدولي.

وفي المقابل، كتبت “الواشنطن بوست” تحت عنوان: “الاتفاق الايراني لاوباما لا يحقق اياً من أهدافه”، أن أياً من المنشآت النووية ، بما فيها مركز فوردو المبني تحت الجبال لن يقفل، وأياً من اجهزة الطرد المركزي الـ19 الفاً لن تفكك، وأن مخزون الاورانيوم المخصب “سيخفض” لكنه لن يشحن بالضرورة الى خارج البلاد. وفي تقديراتها أن البنى التحتية النووية الايرانية ستبقى على حالها، وإن تكن ستتوقف عن العمل عشر سنين. وعندما تنتهي المهلة الزمنية الواردة في الاتفاق، تكون ايران على عتبة أن تصير دولة نووية.

وبين الموقفين المتناقضين، ثمة من رأى في الاتفاق أفضل الممكن. وقالت مجلة “الايكونوميست” في موقعها على الانترنت أن البدائل من الاتفاق غير جذابة “إذ ان عملاً عسكريا لتدمير البرنامج الايراني سيكون له تأثير موقت، وأن الغارات الجوية لا تستطيع تدمير الخبرة التي اكتسبتها ايران، وإنما يمكن أن تزيد عزم الملالي على الحصول على السلاح، وتزيد تطرف المسلمين وزيادة الفوضى في منطقة من العالم ملتهبة اصلاً.

من الواضح أن الاتفاق الاطار الذي ارتفع دخانه الابيض في لوزان ليل الخميس، هو ثمرة تنازلات من الجانبين. فقد خفضت ادارة أوباما السقف العالي لاهدافها التي حددها الرئيس الاميركي عام 2012، عندما قال إن الاتفاق الذي سنقبل به “يشمل وقف برنامجهم النووي”، والتزامهم قرارات الامم المتحدة التي تدعو ايران الى وقف التخصيب. وبموجب الاتفاق الاطار سيستمر التخصيب مع خمسة الاف جهاز طرد مركزي لعشر سنين، على أن ترفع كل القيود عنها بعد 15 سنة. وفي المقابل، سيدمر قلب مفاعل آراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة أو سينقل الى خارج الاراضي الايرانية وهو ما يقطع الطريق على ايران لبناء قنبلة بلوتونيوم. كذلك ستخضع ايران لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي ستفتش كل المواقع النووية الايرانية بانتظام. كما يمكن الاتفاق مفتشي الوكالة من دخول مناجم الاورانيوم والاماكن التي تنتج “الكعكة الصفراء” (نوع مركز من الاورانيوم) مدة 25 سنة.

تداعيات محتملة
إذا سلمنا جدلاً بأن الفريقين خرجا من المفاوضات الماراتونية متساويين من حيث المكاسب والتنازلات النووية، فهل تأتي هذه التسويات على حساب الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط حيث تخوض طهران حرباً بالواسطة في سوريا والعراق واليمن وتدعم “حزب الله” في لبنان وحركة المقاومة الاسلامية “حماس” في غزة” على حساب الحكومتين المركزيتين؟

مع أن الفريقين الاساسيين في الاتفاق النووي، وهما طهران وواشنطن، حرصا دوماً على القول إن المفاوضات لم تشمل النشاطات الاخرى للجمهورية الاسلامية، تشعر دول عربية بأن واشنطن تجاهلت كثيراً من تجاوزات طهران في المنطقة لتسهيل التوصل الى اتفاق. وثمة من يخشى أن تكون الديبلوماسية النووية الاميركية جزءاً من مخطط أكبر لتحويل ايران شريكاً استراتيجياً لواشنطن في ادارة الشرق الاوسط. ومثل هذا السيناريو يمثل كابوساً لكثير من دول المنطقة.

وأقر آرون ديفيد ميلر المفاوض السابق الذي مثل إدارتي الجمهوريين والديموقراطيين في محادثات السلام للشرق الأوسط، بأن “سلوك إيران في سوريا والعراق واليمن – كل هذه الأماكن – سيظل يجعل الوضع في الشرق الأوسط أصعب على أوباما… ولكن قد تبرز هنا قوة جذب كافية للانتقال إلى المرحلة التالية من المفاوضات”.

وفي انتظار تلك المفاوضات، ليس مستبعداً تعمق الاستقطاب المذهبي في المنطقة الممتدة من المتوسط الى بحر العرب. وتخشى السعودية خصوصاً أن يتيح اتفاق يرفع عن إيران الضغط الدولي – بما فيه العقوبات – مجالا أرحب لها لتسليح وكلائها وتمويلهم.

ولا يستبعد خبراء أن تلجأ الى زيادة تدخلها في المنطقة في الاشهر المقبلة ربما لتوجيه رسالة الى المحافظين بأن جلسات مفاوضيها مع “الشيطان الاكبر” لن تجعلها ترضخ له في المنطقة.

من جهة أخرى، بدأت دول الخليج خطوات استباقية تظهر تغيراً كبيراً في استراتيجياتها التي كانت تعتمد على واشنطن. ففي ليبيا، قصفت مصر والامارات مراراً مواقع لمتشددين من دون العودة الى واشنطن.

الى ذلك، يخشى أن تطلق الهواجس من الاتفاق النووي، سباقاً للتسلح النووي في الشرق الاوسط، بعدما لمحت السعودية أكثر من مرة الى أنها ستسعى الى امتلاك أسلحة ذرية اذا فعلت طهران ذلك. فوقت يتراجع الاعتماد على الطاقة النووية في كل مكان من العالم نظراً الى خطورتها، يشهد القطاع ازدهاراً مطرداً في المنطقة.

ويقول عبد العزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث ومقره جدة وجنيف: “اذا امتلكت ايران قنبلة نووية فإن السعودية سيكون عليها أن تفكر بجدية شديدة في موازنة ذلك. السعودية لن تقف مكتوفة”.

والى السعودية، تضم لائحة الدول الساعية الى امتلاك الطاقة النووية، مصر والامارات وتركيا والاردن.

باختصار، ثمة مؤشرات كثيرة لتحسب دول المنطقة لمواجهة ايران أكثر عدائية بعد الاتفاق. ومع أن الرياض لا تزال تنظر الى واشنطن باعتبارها حليفة وثيقة، فهي لم تعد تعتقد أن في وسعها الاعتماد عليها للدفاع عنها وعن حلفائها في مواجهة ما تعتبره سياسة توسعية إيرانية في الدول العربية. ولا يبدو حتى الآن أن اتصال أوباما بالعاهل السعودي قد بدد الهواجس. وليس معروفاً ما اذا كانت القمة التي ينوي استضافتها لزعماء دول مجلس التعاون الخليجي في قمة في منتجع كمب ديفيد في الربيع المقبل كافية لتحقيق ذلك.