طوني بولس: تحالف دولي لمواجهة نشاط حزب الله بتقويض الأمن والسلم الدوليين/الأمر له تداعيات على انخراط لبنان في المجتمع الدولي وسيأخذه حكماً باتجاه مزيد من العزلة

69

تحالف دولي لمواجهة نشاط “حزب الله” بتقويض الأمن والسلم الدوليين
الأمر له تداعيات على انخراط لبنان في المجتمع الدولي وسيأخذه حكماً باتجاه مزيد من العزلة

التقت 35 حكومة من دول العالم على ضرورة مكافحة الشبكات الإرهابية والمالية لـ “حزب الله

طوني بولس/نديبندت عربية/30 حزيران/2023

للمرة الأولى، تدخل أوروبا بشكل موحد على خط المواجهة المباشرة مع “حزب الله”، وذلك عبر وكالة تطبيق القانون الأوروبية “يوروبول”، التي عُقد في مقرها اجتماع دولي موسع بحث في وضع خطط مشتركة لـ”مكافحة الشبكات الإرهابية والمالية لحزب الله”. علماً أن وكالة تطبيق القانون الأوروبية، التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، شريك مباشر لـ”إنتربول”، ووظيفتها حفظ الأمن في أوروبا عن طريق تقديم الدعم للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مجالات مكافحة الجرائم الدولية الكبيرة والإرهاب. ولم يصدر أي موقف أو تعليق رسمي من الحكومة اللبنانية على بيان الاجتماع الدولي، في وقت تضم الحكومة وزراء تابعين للحزب، كما أن بيانها الوزاري يعطي الشرعية للحزب عبر اعتباره “مقاومة” وتعطيه المشروعية بالتسلح وشراء الأسلحة من دون العودة إلى الحكومة أو أي جهة أمنية في البلاد.

الجناح العسكري
وترى مراجع متخصصة في القانون الدولي، أن دخول “يوروبول”، على خط ملاحقة “حزب الله”، يعني أكبر تطور أوروبي في مواجهة الحزب منذ عام 2013 حين أدرج “الجناح العسكري” للحزب على قائمة الإرهاب الأوروبي، الأمر الذي أعطاه المناورة في التحرك داخل الاتحاد الأوروبي، معتبرة أن تفعيل دور “يوروبول” تجاه نشاطات الحزب يعني قراراً ضمنياً بتجاوز الفصل بين جناحيه العسكري والسياسي، لا سيما أن دولاً أوروبية عديدة سبق أن أدرجت الحزب بشكل فردي على قوائم الإرهاب منها النمسا وألمانيا وبريطانيا. وبرأيها فإن الحشد الدولي الكبير الذي شهده الاجتماع الـ11 للمجموعة الدولية، الذي نظمته وزارتا الخارجية والعدل الأميركيتان، لـ”مجموعة تنسيق إنفاذ القانون”، والذي عُقد في مقر “يوروبول”، يعكس مدى الخطورة التي باتت نشاطات “حزب الله” تجسدها لكثير من الدول العالم، الأمر الذي له تداعيات على انخراط لبنان في المجتمع الدولي، وسيأخذه حكماً باتجاه مزيد من العزلة والابتعاد عن الشراكات الدولية.

شبكاته إرهابية ومالية
وكانت وزارة الخارجية الأميركية، قد أعلنت في بيان، أن أكثر من 35 حكومة من دول العالم التقت على ضرورة مكافحة الشبكات الإرهابية والمالية لـ”حزب الله”، وشاركت في التحالف الدولي الذي أعلنت دول من الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وأميركا الوسطى وأوروبا وأفريقيا والهند والمحيط الهادئ وأميركا الشمالية، إلى جانب الشركة الدولية (الإنتربول)، و”يوروبول” والمعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون. وركز الاجتماع على “مواجهة شبكات حزب الله الإرهابية والمالية والمشتريات العالمية”، كذلك ناقش المشاركون كيفية تطوير “التخطيط الإرهابي العالمي” لـ”حزب الله” والمخططات المالية وشراء الأسلحة منذ الاجتماع العالمي الأخير للمجموعة عام 2022. وبحث أعضاء المجموعة في “الطريقة التي يعمل بها (حزب الله) عبر مناطق مختلفة، وأشكال إنفاذ القانون أو الأدوات المالية التي تعد الأكثر فعالية في مكافحة عمليات الحزب داخل أراضيها”، كما استعرضت المجموعة دراسة “الحالات الأخيرة لأنشطة (حزب الله) الإرهابية وغير المشروعة”، والإجراءات الحكومية للتصدي لهذه الأنشطة، بما في ذلك شبكات تهريب النفط التابعة للحزب، ومؤسسة “القرض الحسن” المرتبطة به، إضافة إلى عدد من المحاكمات الأميركية والدولية الأخيرة لأعضاء في الحركة، وفقاً للخارجية الأميركية.

تهديد السلم الدولي
وفي السياق، أوضح أستاذ القانون الدولي في جامعة باريس محيي الدين الشحيمي، أن “مجموعة تنسيق إنفاذ القانون عادة تجتمع بشكل دوري بين الدول الأوروبية، لكن انعقاده بشكل موسع هذه المرة بمشاركة دولية واسعة من خارج الاتحاد الأوروبي وحضور 35 دولة من أنحاء العالم إضافة إلى وجود مسؤولين ووكالات استخباراتية أميركية ووزارتي الخارجية والخزانة، كذلك مشاركة خبراء في مكافحة الجرائم المالية الدولية ووحدة مكافحة المخدرات، يؤكد أن قضية (حزب الله) ونشاطاته باتت تحت المجهر الدولي وأن ملف الحزب بات على مسافة قريبة من الانتقال إلى مجلس الأمن الدولي تحت عنوان تهديد الأمن والسلم الدولي”.

وبرأيه يهدف هذا الاجتماع ومن مكان انعقاده إلى التفعيل التنفيذي للبنية التحتية القانونية الأوروبية منها والدولية لمواجهة ومكافحة النشاطات اللاقانونية، التي يشتبه القيام بها وممارستها بتخطيط وتنفيذ من “حزب الله”، والعمل على كشف بنيتها التحتية وكسر سلاسل إمدادها وتوريدها وكل شبكاتها الأفقية والعامودية، إضافة إلى “السعي للكشف عن الخريطة التطبيقية التي ينتهجها الحزب في تجنيده لعملائه وبنائه الخلايا العملانية، والتي تدور بفلكه في الاتحاد الأوروبي والمجموعة الدولية”. وأكد أن الاجتماع الدولي في مركز تطبيق وتفعيل القانون، أتى للبحث في إمكانية القيام بتشريعات قانونية، و”إنتاج مواد قانونية محدودة الثغرات لكي تعطينا إنتاجية قانونية مركزة بنتيجة أفضل، تساعد في ضبط أفضل للخلايا والنشاطات والجرائم المنظمة وتبييض الأموال والقرض الحسن، وتهريب المخدرات والكبتاغون”، إضافة إلى المسار الخفي لخريطة تهريب النفط التابعة للحزب من إيران إلى فنزويلا.

وأشار إلى أنه من “النتائج المتوخاة من هذا الاجتماع العمل على شراكة مشتركة ورفع مستوى الأولوية لهذه المكافحة والعمل على تقليم عناصرها بدءاً من الموارد البشرية كالأشخاص والوسطاء المعاقبين، والموارد التقنية والمادية، التي لن تفلح نتيجتها إلا من خلال التعاون والشراكة، كاشفاً عن اجتماع سيعقد بشكل موسع لاستكمال المراحل التطبيقية المرتقبة”.

الحرب على “المقاومة”
في المقابل، يعود المستشار في العلاقات الدبلوماسية والدولية قاسم حدرج، إلى إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته للصين، أنه “بإمكان فرنسا وأوروبا أن يجسدا قطباً ثالثاً في العالم بدلاً من الالتحاق بالسياسة الأميركية”، ليشير إلى أن هذا الكلام “النوعي” هو اعتراف أن أوروبا لم تعد تملك سياسة ذاتية بل تحولت مع كافة مؤسساتها إلى أدوات بيد الخارجية الأميركية، معتبراً أن “الاجتماع الأخير الذي عقد في مقر (يوروبول) في لاهاي كان بدعوة من وزارتي الخارجية والعدل الأميركيتين وتحت عنوان مواجهة شبكات (حزب الله) الإرهابية والمالية والمشتريات العالمية مما يؤكد أن أميركا التي فشلت على مدار عقود من المواجهة مع الحزب في تحقيق أي نتيجة تذكر تحاول اليوم التعويض عبر استخدام المنصة الأوروبية”.

وبرأيه تسعى أميركا لتحقيق أهدافها عبر توسيع المجال الحيوي لعقوباتها لتضييق الخناق أكثر على “حزب الله” بعد أن تطورت قدراته لدرجة أنه بات يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، إضافة لكون “سياسة الخنق والحصار المالي الذي مارسته على لبنان لم يأت بنتيجة فعالة بل أضر بأدواتها ولأن الخبراء يعزون سبب فشل العقوبات على الحزب إلى الأموال التي تتدفق من أبناء بيئته المنتشرين في الدول الأوروبية والأفريقية وأميركا الجنوبية ولهذا السبب فقد حشدت واشنطن 35 دولة من هذه الدول وجمعتهم تحت منصة (يوروبول) كي تعطي لعقوباتها طابعاً دولياً”.

ويشدد حدرج أن واشنطن تختبئ تحت شعارات مواجهة “شبكات حزب الله الإرهابية والمالية” لتعطي شرعية وحشداً دولياً في حربها ضده، مستغرباً تحييد “المنظمات الإرهابية الفعلية، التي نفذت عشرات العمليات في عواصم أوروبية وتلك التي نقلت عشرات آلاف المقاتلين إلى العراق وسوريا مرت عبر مطارات أوروبية وتلقت تمويلاً بمليارات الدولارات عبر المصارف الأوروبية ولم تعقد أميركا اجتماعاً دولياً لأجلها بينما تخصصه اليوم لحزب ليس في تاريخه أي عمل عسكري خارج دائرة الصراع الذي يمسه بشكل مباشر. من هنا يمكننا أن ندرك أن ما توعدت به باربرا ليف من مستقبل قاتم للبنان إن هي لم تسيطر على سياساته بشكل كامل قد أصبح قيد التنفيذ”.