شارل الياس شرتوني/أين نحن اليوم؟ … لا سبيل لإي اصلاح مع الاوليغارشيات التي تحاذر أي توجه اصلاحي يطاول عمليات النهب التي ادارتها على مدى ثلاثين عاما

71

أين نحن اليوم؟
شارل الياس شرتوني/30 كانون الأول/2022

لا سبيل لإي اصلاح مع الاوليغارشيات التي تحاذر أي توجه اصلاحي يطاول عمليات النهب التي ادارتها على مدى ثلاثين عاما

لا بد من مراجعة شاملة لأوضاعنا إذا ما أردنا تقييمًا واقعيا للمستقبل القريب بعيدا عن تمنيات غير واقعية وخارج المنال. علمًا اننا لا نزال في دائرة الاقفالات الاوليغارشية المتقاطعة مع النزاعات الاقليمية والدولية، وما ينشأ عنهما من تداخلات وديناميكيات مستجدة تعيد خلط الاوراق في الداخل اللبناني على نحو مستمر. الانتخابات النيابية والتوليفة الحكومية الحاضرة والانتخابات الرئاسية المحتملة، والنزاعات الاقليمية المتأهبة، والاستقطابات الناشئة عن الحرب الاوكرانية، والأزمات الداخلية الناشئة في كل من ايران والصين وروسيا على تنوع تصريفاتها، تسمر الأوضاع الداخلية في لبنان على خطوط تقاطعاتها، وتسهم في تثبيت الاقفالات الاوليغارشية التي تهيمن على الحياة السياسية والعامة بكل مفاصلها. المؤسسات الدستورية لا تعدو كونها غطاءات هشة، وآليات مستخدمة من قبل مراكز القوى القائمة، وكل ما عدا ذلك ذبذبات على سطح المياه الآسنة التي تطفو عليها البلاد. تعمل سياسات النفوذ الشيعية، التي تهيمن على المسار السياسي العام في البلد، على تعطيل أية ديناميكية سياسية تخرج عن نطاقاتها المتأرجحة، وتكسير الثوابت الميثاقية والديموقراطية والليبرالية، وأخذ البلاد بإتجاه النزاع الاهلي المفتوح، والاقتصاد الموازي الذي تحكمه الجريمة المنظمة على تنوع مضاميرها، وتوظيف السياسة الانقلابية الايرانية على الصعيد الاقليمي من أجل تغيير قواعد الاجتماع السياسي والجغرافية السياسية والمدنية، على قاعدة سياسة قضم تدرجية، يفصح عنها عامة الشيعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

الانتخابات الرئاسية
تتموضع على خط الالتباسات التي خرجتها الانتخابات النيابية، وارادة السيطرة الشيعية كما تعبر عنها مقولة “الرئاسة التي تحمي المقاومة”، وتطبيع الفراغات الدستورية تمكينا لمتابعة سياسة القضم، والاستثناءات السيادية التي تتمترس وراءها الفاشيات الشيعية، وإن امكن الإتيان برئيس-مستخدم لتغطية سياسة وضع اليد التدرجية على البلاد، كمنطلق لسياسة انقلابية على الصعيد الاقليمي. يحيلنا هذه الواقع الى أمرين: إما التسليم بسياسة القضم والإتيان برئيس صوري، او المواجهة باتجاهين: إنتخاب رئيس معتدل يساهم في تفكيك الالغام الانقلابية، ويعيد الاعتبار للموجبات السيادية، ويحكم عمليات الاصلاح الهيكلية، ويكسر واقع العزلة والعداوات الاقليمية والدولية التي تفرضها الفاشيات الشيعية، ويدير مشاغل الاصلاح السياسي، لجهة السيادة الدولتية، وفصل الحوكمة والسياسات العامة عن سياسات النفوذ، من خلال أولوية الاعتبارات المهنية، واتيكيات العمل العام، وتوزع عمل الحوكمة بين الحكم الفدرالي والحكم المحلي، حؤولا دون سياسات السيطرة الفئوية، وزبائنية العمل العام، وسياسات القضم ومأسسة الريوع.ان اي تسليم بسياسة المقايضات الاوليغارشية ،كما يجري الآن، هو تسليم بالسياسة الانقلابية للفاشيات الشيعية يستوجب مواجهة من خلال تدويل الازمة اللبنانية، والتبصر بالخيارات الاستراتيجية والسياسية البديلة.

الأزمة المالية وتداعياتها
من الخطأ اعتبار الأزمة المالية أزمة تقنية بحتة، في حين أنها مرتبطة منذ نشأتها بخيارات استراتيجية وسياسية ومصالح فئوية متقاطعة تجمع الاوليغارشيات السياسية والمالية على قاعدة مقايضات مرحلية: التسليم بالاستثناءات السيادية لجهة إقرار السياسات الخارجية والدفاعية والمالية، وكأنها تقع ضمن نطاقات خارجة عن سيادة الدولة، تقررها المصالح الفئوية وتفرضها من خلال تخريجات قانونية تصدر عن مجلس نيابي صوري وتابع. ان الاستنكاف عن إيجاد حل للأزمة المالية المتمادية، ليس بالأمر العارض، بل تعبير غير موارب عن تآلف بين أركان الاوليغارشيات الحاكمة حول تشريع عمليات النهب، من خلال عدم إقرار خطة الاصلاح المالي وانفاذها على خط التقاطع بين الاستقرار السياسي الداخلي، والاصلاحات المالية البنيوية، وسياسات المساعدة الشرطية التي صاغها صندوق النقد الدولي والدول المانحة. كل الاداء الحكومي مقتصر على تشريع الاسواق المالية السوداء التي تديرها مكاتب الصيرفة المحكومة من قبل المافيات الشيعية وشركائها العابري الطوائف، وتغطية عملية الهيركات التي تجريها البنوك على الودائع (٣٠ مليار دولار في العام 2022)،وتمديد أزمة الطاقة من خلال عدم اقرار خطة اصلاح لانتاج الكهرباء، وابقاء المواطنين فريسة لمافيات اصحاب المولدات (مليار و٨٠٠ مليون دولار كلفة استيراد المازوت،٩٢٠،٠٠٠،٠٠٠ دولار طاقة شمسية/٢٠٢٢، في حين ان نصف هذه الكلفة كفيل بحل هذه الأزمة)، والتمنع الارادي عن اجراء الاصلاحات الادارية والمالية والقضائية لجهة، تصفية زبائنية وريوع القطاع العام (٣٠٠،٠٠٠ موظف، ١٠٠/٧٠ منهم لا يعمل)، وإصلاح الثقافة المهنية في الادارات العامة، والعمل القضائي لجهة استقلاليته ونزاهة العمل المهني فيه. أما السياسات الاصلاحية المتمحورة حول التحقيق الجنائي المالي، ومقاضاة سارقي الودائع والأموال العامة، واعادة هيكلة النظام المصرفي بما فيه دور البنك المركزي، وإعادة الاموال الى أصحابها، واعادة ربط السياسات المالية بالاستراتيجيات الانمائية، فمتروكة الى أجل غير مسمى ومحصورة بالدوائر الاوليغارشية.

خلاصة القول، لا سبيل لإي اصلاح مع هذه الاوليغارشيات التي تحاذر أي توجه اصلاحي يطاول عمليات النهب التي ادارتها على مدى ثلاثين عاما، ويسائل مصادرتها للسياسات المالية والاقتصادية؛ ومع هيمنة الفاشيات الشيعية على القرار السياسي في البلاد، لسبب بسيط هو اندراجه ضمن سياسة انقلابية مفتوحة على أزمات اقليمية ودولية متمادية، وسياسات الجريمة المنظمة التي تديرها محليا ودوليا وإقليميًا.نحن أمام واقع ثقيل يذهب باتجاهين: تسوية وفاقية فعلية متعددة الابعاد، أو مواجهة مفتوحة على قاعدة الخيارات البديلة على تنوع مندرجاتها.