لبوس الجردي/المارونية المنكوبة

114

المارونية المنكوبة
لبوس الجردي/29 تشرين الأول/2022

تاريخ عريق زخر بأدمغة مارونية خُلِع عليها لَقَبُ “عالِمٌ كماروني”. يا تُرى أين هو اليوم؟
خاضوا كلَّ خِضّمّ مخروا كل عباب صالوا في كل شوط وجالوا في كل مضمار، فكانت لهم الكأس المعلى إذ فازوا بشق القصبة. في كل كون كان العلماء الموارنة روادا على كل مستوى. قادوا العقل المشرقي في أكثر من زمن. تمكنوا بعد جهاد شاق ونضال طويل أن يستقلوا بوطن خاص باسمهم. لاحقهم اضطهاد واستشهاد منذ بدايات وجودهم، وصمدوا لم يثنهم طاغٍ ولا ليَّن عريكتهم سفَّاح ولا فتَّت عزيمتهم باغِ ولا جزّار. والدليل استمرارية بقائهم في هذا اللبنان العنيد كأرزهم والسنديان. مثل كل الشعوب تدرَّجوا في الثقافة والعلم والحضارة والتقدم والتطور والانفتاح. وهذا ما ميّزهم عن سواهم من الكيانات حولهم. كانوا قدوة ومثالا في كل الميادين. كيفما طلبتهم تراهم السباقين في المعرفة والاستنباط والشجاعة والنبوغ. روَّاد فكر وقوَّاد شعب. وقياسا على ماضي المارونية التي باقتضاب ذكرنا تجلياتها، نلفيهم اليوم في ضياع وهزيمة وإفلاس. إن الرجال المردة الذين يليقون بالقيادة والريادة استقالوا، وبقي الصعاليك يقفزون على الساحات يتنابذون بسبب اختلاف المنابت والمشارب. رغم أنهم من أدواح عريقة وأرومات أصيلة غير أنهم ليسوا للقيادة ومردُّ ذلك لغياب الكاريسما والهيبة وجذب الحضور. والمؤسف على المَيلين: دنيا ودين، يكاد جهل التاريخ والإرث والهوية والانتماء يكون فقيدا عند المتبارين والمتبارزين. وبصراحة يرسبون في حال خضعوا لفحص لأنهم لا يعرفون شيئا، وأسمح لنفسي أن أقول عنهم أغبياء. لا يجيدون القراءة السليمة ولا يتقنون فنّ مخاطبة الناس وحتى مخارج الحروف والألفاظ مغلوطة. يتنطَّحون مدَّعين بالأهلية وهم ضعفاء صغار يسقطون فيما لو امتُحِنوا. ومجتمعهم متفاوت المستويات لذلك يتعذر عليهم وهم بعد يفتقرون الى الخبرات. والكارثة إنهم يتهافتون للإمساك بزمام القيادة وهم عاجزون هزيلون لا يوحون بالجرأة والثقة. والأفجع أن الكنيسة في غيبوبة وغرابة الأمر يتأرجح المصير بين القاصرين والصوالجة.
والتدني والفسق والفساد ضارب أطنابه والحبل للسفاهة والإسفاف والرفضية منفلت على غاربه.
من يلتفت الى الوضع الراهن ويقيسه بالأمس يتحسر وعليهم تصفّق أكف الأسى. يا للنكبة الدهياء.
لا في الحرب عرف الموارنة بقياداتهم يطلعون منتصرين ولا في السياسة ولا في المستوى العلمي ولا حتى في الوطنية والمبادي الشريفة. عرَّتهم الظروف من كراماتهم وشهاماتهم وفصلتهم عن تعلقهم بأرض الجدود فظهروا فقراء متقهقرين لا يلوون إلا على الخيبات. تقاتلوا بشراسة فخسروا وباعوا امتيازاتهم وبايديهم أتمُّوا الدمار الذاتي المخجل المخزي.
قوة لا تقهر شرذموها بين بعضهم وقسمّوها فانفرط عقد القوة وباعوا آلتهم العسكرية فاصبحوا عُزَّلا لا يجالسهم الأقوياء، فراحوا يستجدون الرضى وينحازون كلٌّ إلى شريحة تائهين مشتَّتين مكسورين متعثِّرين. والقيادة الدينية لا تقل تعاسة عن القيادة المدنية سواء بسواء. مارونية منكوبة بامتياز نعرفها من تراشق كلامي نابي وتحدٍّ بذيء واصطفاف أجنبيٍّ غريب عن عاداتهم الكريمة وتقاليدهم الشريفة وعنفوانهم الأثيل . لم يبقَ لهم إلا قديسين السماء يشفعون فيهم وينظرون إلى أحوالهم الزرية المُكربة.