شارل الياس شرتوني/النزاعات المدمرة ومدلولات الانتخابات النيابية العتيدة

83

النزاعات المدمرة ومدلولات الانتخابات النيابية العتيدة

شارل الياس شرتوني/21 نيسان/2022

لبنان يلعب آخر اوراقه قبل العبور نحو الفوضى أو بإتجاه سياسات السيطرة والسيطرة المضادة، بمتغيراتها وفاعليها الداخليين والاقليميين، وفي ظل ظروف إقليمية ودولية متفجرة.السؤال الذي يطرح بادىء ذي بدء هل أن الانتخابات النيابية المزمعة مدخل فعلي لحل الأزمات المتضافرة (السياسية والمالية والاقتصادية ، والاجتماعية، والتربوية والبيئية)، على قاعدة تسويات تنهي واقع الركود المدمر وتداعياته المتشعبة ؟ الجواب ليس بأكيد لإنه يتوقف على نتائج الانتخابات التي تجري في ظل اختلالات سياسية بينة سببها الفراغ الإرادي والاقفالات التي تلته في الوسط السني، الذي دفع به سعد الحريري ، والذي أفاد منه بشكل أساسي حزب الله، لجهة قضمه التدرجي للتمثيل السني، واستكمال تحالفاته العابرة للطوائف والتيارات السياسية الناشئة، كجزء أساسي من استراتيجية بعيدة المدى، تهدف الى السيطرة التدريجية على البلاد وتحويلها الى منطلق لسياسة نفوذ شيعية يديرها النظام الايراني. هذا يعني ان الانتخابات مفخخة في أساسها لجهة الاختلالات التي سببها انسحاب الحريري الارادي والمشبوه وغير المسؤول والمحاسب من قبل وسطه السياسي، وتحالف ميشال عون وتياره مع حزب الله الذي يسعى الى تعويمه تأمينا لغطائه المتهاوي، ومتابعة سياسة العنكبوت التي تحصن مداخلاته محليا وتحمي سياساته خارجيًا.

من الطبيعي ان تكون الانتخابات منطلق التغيير السياسي لو كنا في أوضاع داخلية وخارجية مستقرة تسمح بالتداول الديموقراطي على قاعدة الموالاة والمعارضة التي تتأتى عنها، ولكننا لسنا ضمن هذه المعادلة. نحن أمام معادلات انقلابية تستعمل الانتخابات النيابية، كما سواها من الأدوات الديموقراطية، منطلقا للانقلاب ليس فقط على معطيات سياسية ظرفية، بل على معادلات الاجتماع السياسي اللبناني التعددية والميثاقية والدستورية كما تظهرها التحالفات السياسية المعلنة مع أدوات النظام السوري التابع حاليا للمحورين الروسي والايراني، والمستتر مع اليسار البولشڤيكي بمتغيريه القديم (الحزب الشيوعي) والحديث (شيعة/ Sect شربل نحاس)، والفاشيات القومية السورية وفلول ديكتاتوريات البعث البائدة، ومجموعة الانتهازيين التي يديرها حزب الله على مستوى الجغرافيا السياسية اللبنانية. ناهيك عن النزعة الانقلابية التي حكمت أداء هذه التنظيمات تاريخيًا والتي تحكم تطلعات المستحدثة بينها (شيعة شربل نحاس).يجتمع هؤلاء على منازعة شرعية الكيان الوطني اللبناني،و قواعد الاجتماع السياسي اللبناني لجهة تعدديته، وميثاقيته، ودستورية مرتكزاته التي استهدفتها التيارات القومية العربية والسورية واليسارية تاريخيا، ليس فقط عبر التعطيل، بل عبر ضرب الاستقرار الأهلي، والنزاعات الاهلية والاقليمية المتداخلة، كما كان الحال مع مملكة فيصل العربية، والوحدة العربية في المرحلة الناصرية الاولى، والتحالف الانقلابي بين المنظمات العسكرية الفلسطينية واليسار الفاشي خلال حرب ١٩٧٥.

يضاف إليها استهداف واقع التعددية الدينية كواقع سوسيولوجي بنيوي، أسس للمشروع الوطني اللبناني، وللتعددية الثقافية والاجتماعية والسياسية وحال دون سياسة التهميش والدونية والتعاقد اللامتكافىء التي دفعت بها الثقافة السياسية الاسلامية الكلاسيكية(نظام أهل الذمة)،وتصريفاتها السياسية المعاصرة التي ألغت التمييز المبدئي بين المدى السلطوي واستقلالية المجتمع المدني المعنوية والمؤسساتية التي تمثلها الانظمة السلطانية العربية، ومستنسخات الديكتاتوريات الشيوعية التي قامت على نفي الانظمة التعددية والدستورية، وفرض حكم الحزب الواحد والتجانس الايديولوجي. الحداثة العربية لم تعرف المرحلة الليبرالية التي قام على أساسها لبنان بنظامه التعددي، والدستوري، والميثاقي والتوافقي، والتداخلي.

أما المغالطة الثانية فهي وصف الاجتماع السياسي اللبناني بالتمييزي لإنه قائم على إملاءات ايديولوجية ذات مصدر ديني، في حين ان النظام الدستوري اللبناني المعتمد منذ ١٩٢٦ هو علماني، لجهة حياد الدولة تجاه المعتقدات الدينية وكفالة الحريات الاعتقادية والتعددية الدينية. الدولة في لبنان لا معتقد لها خلافا لسائر دول المنطقة، لا هي مسيحية ولا اسلامية ولا ملحدة، هي من ناحية الهندسة الدستورية جمهورية اجرائية (Procedural Republic) قائمة على خيارات دستورية جامعة للبنانييين على تنوع توجهاتهم وانتماءاتهم (التعددية القيمية، المساواة امام القانون، العدالة الاجتماعية، الحريات العامة والخاصة، الحقوق الفردية والجماعية …) .إن استهداف القيم الناظمة للاجتماع السياسي اللبناني وشرعية الكيان الوطني ثابتة نزاعية لدى كل التيارات العروبية واليسارية والاسلاموية ، تستعاد اليوم من قبل الخطاب السياسي الشيعي الخميني المهيمن، ومن قبل اليسار البولشڤي المتمثل بشيعة شربل نحاس، اذ ان كليهما يطرح نفسه بديلا متكاملا ،سواء من خلال العصمة الدينية وحاكمية الولي الفقيه المطلقة في الداخل الشيعي، والارهاب والتحالفات الانتهازية(حزب الله) على المستوى اللبناني ،أم من خلال التموضع السياسي كبديل كلي ووحيد خارجًا عن أي منطق ديموقراطي وليبرالي، وما يفترضه من ائتلافات وتسويات ملازمة للمجتمعات التعددية والليبرالية (شيعة شربل نحاس التي تعكس نزعة التسلط عند شخص يعاني من عقد عظامية تستوي مع الايتوس التوتاليتاري الذي لازمه والذي يشكل في حاله بدلا عن ضائع /Objet perdu، أزمة الهويات المتنافرة والمرارة التي ترافقها).

المغالطة الثالثة مرادفة التعددية المجتمعية المؤسسة مع نظام المحاصصات الذي نشأ مع نظام الطائف الاوليغارشي في تكوينه، والتابع عضويا لسياسة النفوذ المتوالية علينا منذ بداياته (أزمنة ال س س،ومرحلة الاحتلال السوري ، ومرحلة النفوذ الايراني، وتداعيات الصراعات السنية-الشيعية على تعدد محاورها السعودية والايرانية والتركية والخليجية …).نظام المحاصصات هو تعبير عن سقوط مفهوم دولة القانون لحساب بنية سلطوية هجينة أفرغت الكيان الدولتي من كل سماته القانونية والسيادية، لحساب سياسات النفوذ وتصريفاتها على خط التقاطع بين الداخل والخارج، وحولته الى كيان صوري يستخدم كاحدى روافع سياسات السيطرة المتأهبة.

ألمغالطة الرابعة تقوم على فصل النهب المنهجي لموارد الدولة من خلال سياسة الديون البغيضة (Odious Debts) عن الواقع الاوليغارشي الذي حكم البلاد وقضى باقتسامها بين أقطاب الاوليغارشيات السياسية-المالية (الحريري، بري ، جنبلاط، ميقاتي، صفدي، اركان حزب الله وأجهزته، ومواليهم في الأوساط المسيحية، عون، باسيل، الفرزلي، ومن سبقهم المر، الهراوي، لحود، سليمان ، والمافيات الشيعية المتوزعة بين أمل وحزب الله وبتحكيم سوري وايراني وسعودي ذات وتائر متعددة …).نظام الطائف أنهى لبنان الدولة والكيان، ولا خلاص خارجا عن تسوية سياسية شاملة تبدأ بحل الأزمات المالية القاتلة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة والبنك الدولي والاوروپي، من أجل إعادة الاموال المنهوبة، واجراء التحقيق المالي الجنائي، واعادة هيكلة النظام المصرفي والمصرف المركزي لجهة اعادة تكوين الملاءة المالية، وتحديد الدور المعياري والرقابي الخاص به،واطلاق خطة التعافي على خط التواصل بين تثبيت الاستقرار المالي على قواعد انتاجية متكاملة (زراعية، صناعية، خدماتية) تنتظم على أساس تطبيقات الاقتصاد المعرفي والرقمي العابرة للقطاعات، وانهاء واقع الاقتصاد الريعي الذي تركز مع الطائف، واعادة ربط بلبنان بديناميكية الاقتصاد المتعدد الركائز التي بناها على عقود من خلال الاستثمارات والذخر الاجتماعي الذي كونه على مدى مائة عام في المجالات الصناعية والزراعية والاستشفائية، والتربوية، والخدماتية والمصرفية، خلافا لادعاءات اليسار البالفة حول الطابع الريعي الصرف للاقتصاد اللبناني (الحزب الشيوعي وشيعة شربل نحاس).

ان الشكوك التي ابديتها لن تتبدد ما لم يستعد لبنان استقراره وتوازناته البنيوية، لجهة حيثياته السيادية على تعدد أوجهها، ومفاهيم دولة القانون، والخروج عن سياسة المحاور المدمرة عبر تبني وضعية الحياد، وحل مشاكله الاقليمية لجهة ترسيم الحدود البحرية والبرية من خلال العمل الدپلوماسي وتطبيق القرارات الدولية، وفصل المسارات النزاعية…،. هل نحن امام منعطف أساسي في حياتنا الوطنية مع هذا الاستحقاق النيابي القادم في ظل الاختلالات التمثيلية القائمة والمشاريع الانقلابية المتواترة، أنا أشك وأدعو الى مواجهة انتخابية تحول دون تحول هذا الاستحقاق الى رافعة للمشاريع الانقلابية وادغاما للاقفالات الاوليغارشية.