بول ناصيف عكاري/النهار/الثورة…الارتياب…وأكثر

42

الثورة…الارتياب…وأكثر
بول ناصيف عكاري/النهار/04 تشرين الأول/2021

بعد بضع سنوات من حاضرنا، يجتمع أعضاء الحزب الممانع المهزوم مع القلة المتبقية من أزلامه الأوفياء في جلسة مراجعة ذاتية شاملة للدرك السفلي الذي وصلوا إليه. خلاصتها أنّه من “لو كنت أعلم” إلى “لو وقفت إلى جنب أخي في المواطنة والإنسانيّة لما حصل كلّ هذا الخراب”! هذا النقد الذاتي التقليدي الممنهج والمضلل لماضٍ مليء بالخطايا والمحارم والمظالم أصبح نافذة عبور لعذر قبيح للتهرب، وبكل راحة ضمير، من المسؤولية الجرمية والمحاسبة لكلّ من سولته نفسه القيام بهكذا إجرام على مر التاريخ من أجل مصالح لا لبنانيّة وذاتيّة. هكذا تمحى، بشحطة قلم، مقتل الآلاف من الأبرياء وتدمير المنازل والمصانع وإفقار المواطنين وتهجيرهم وفقاً لمقولة شيطانية وقحة “عفا الله عما مضى”… والحبل على الجرار… مهلاً! من هو هذا الإله الذي يرتضي العفو عنكم يا كفرة؟ بالتأكيد الله بريء منكم وإلهكم هو إله هذه الأرض…أنتم أبناء الشيطان.

العدو اللدود والمهاب لأية منظومة مافياويه هو ذاك القاضي الذي “ما بيعرف أمه ولا بيوه” والذي يستطيع إرادياً بنزاهته وعلمه وجرأته من دك المرتكبين من أركان وأزلام المنظومة وغيرهم في السجون. وهذا هو سبب المجابهة الشرسة الحاصلة مع قاضي التحقيق العدلي في جريمة المرفأ التي تعتبر مجزرة إبادة جماعيّة وجريمة موصوفة ضد الإنسانية. فعند كل استدعاء من قبل المحقق لدكمة من أعضاء المافيا تبدأ الأبواق بالتشكيك الممنهج بعد فترة من التريث والتحفظ، من ثمّ تتبع الإدانة والتهجّم المباشر لتنتهي بالمطالبة بتنحيته على خلفية “الارتياب المشروع” بحياديته. وما مشروعيّة هذا الارتياب ألا وهي مناورة لاستهداف العدالة والإفلات من العقاب.

من المعلوم أن المنظومة المافياوية بمعية الحرس الثوري، تتحكم بكامل مفاصل الدولة منذ سنة 2005، وأنّ لا شيء يحصل على الأراضي اللبنانية من دون علمها وبالأخصّ في مرفأ بيروت، كما سائر المرافق العامة، الذي هو تحت سيطرتها المباشرة. عليه، هل يجب على المحقق أن يأتى بمتهمين من الموزامبيق أو من “العملاء الصهاينة” كي تستكين وتطمئن المنظومة على أن لا أحد من أعضائها متورط؟ هل يجب على التحقيق أن يكشف أن وزارة الثقافة هي التي استقدمت النيترات وأنشأت “فرقة أولاد أبو عدس للتلحيم الوطنيّ” وأنّ جميع والموظفين سيعاقبون باستثناء المنضوين في المنظومة واستبدالهم بمواطنين من دول العالم الثالث؟ كلّا يا ممانعين! من تجب محاكمتهم هم الذين اغتصبوا ونهبوا ودمروا الدولة ومرافقها والمسؤولون المباشرون عن كلّ مفصل من عملية تفجير المرفأ وبيروت.

استعمل محامو المافيا مفهوم “الارتياب المشروع” لحماية المنظومة وأزلامها. لقد استماتت هذه المنظومة للحصول على السلطة المطلقة وحصلت عليها! النتيجة؟ الدرك الجهنميّ الذي وصلنا إليه. مَن يحكم يتحمل كامل مسؤولية أعماله وسلوكياته ومَن يفشل يجب أن يدفع ثمن فشله وأخطائه. مَن يفسد ويسرق وينهب الدولة ومؤسساتها يجب أن يعيد كامل الأموال ويعاقب عقاباً شديداً وسريعاً. مَن يقتل يجب أن يُعدم ومَن يستبيح المجتمع والوطن يجب أن يُدكّ تحت سابع أرض. مَن يتعامل مع الخارج على حساب وطنه وضد أبناء شعبه هو عميل إبن عميل ومصيره الموت المحتوم بعد أن يحكم عليه بالخيانة الوطنية. مَن يسط على جنى عمر الناس الشرفاء الكادحين وعلى أموال المتقاعدين والأرامل يجب أن يُسحل بعد أن يعيد ما سرقه إلى آخر فلس. مَن يقمع الحريات يجب أن يوضع في الإنفرادي. ومن ينتهك ويستبيح السيادة والكرامة يجب أن يعلق على ساحة البرج؛ السيادة هي التي تمنح المواطنين الشعور بالأمان والاعتزاز والكرامة والعنفوان. مَن يغتصب القوانين والأمن ويخضع القضاء لمصلحته يجب أن يحاكم ويعاقب بواسطة القضاء نفسه والمؤسسة الأمنية نفسها.

بالمقابل، وبالمنطق بنفسه، نحن اللبنانيون الشرفاء لا بدّ من أن نلتجئ إلى “المؤكد المشروع” من أجل محاكمة وإدانة ومحاسبة هذه المنظومة المافياوية المحمية من المجتمع الدوليّ وبالأخص الغربيّ. الديموقراطيات الغربية والديكتاتوريات الشرقية تحنّ دوماً إلى دولة المافيا…

“المؤكد المشروع” هو المفهوم القانونيّ الذي يسمح للشعب اللبنانيّ، الذي هو مصدر السلطات، أن “يقبع” جميع المرتكبين والحرامية والقتلة والخونة وما إلى ذلك بحقه منذ عام 1988 ولغايته، من خلال القوانين النافذة ولا سيما قانون “من أين لك هذا” والقوانين المتعلقة بالخيانة الوطنية. بالإضافة، إنه يؤكد بالحجة الدامغة، على التصرفات والسلوكيات والأفعال الجرمية للمسؤولين والموظفين في إدارة الدولة ومرافقها. كما يدل بصورة واضحة على الأفعال التي تثير الريبة والشك في تأييد مصالح أطراف خارجية على حساب باقي الاطراف اللبنانية وعلى حساب الوطن.هذا المفهوم يجب أن يؤكد على محاسبة ومعاقبة كلّ من سوّلته نفسه التطاول على الشعب اللبناني البرّاء من هذه المافيا ومنظومتها.
لقد آن الأوان أن تبدأ معركة استعادة السيادة والحرية وإعادة بناء الدولة العادلة والآمنة من خلال ثورة قضائية شاملة وفعّالة تبدأ بانتفاضة قضائية، بما يعني تسلم زمام الأمور القضائية، من قبل نادي القضاة والقضاة الشرفاء والقضاة المغمورين، مدعومة من المحامين الشرفاء مع ضغط فعّال من قبل مجموعات الثورة الوطنيين وبمؤازرة الشعب اللبناني. بما أن “الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية”، لذلك وبإسم الشعب اللبنانيّ، نطلب:
•من القضاة المنتفضين، من خلال محاكمهم، البدء بتفريغ الجوارير وإحياء الدعاوى النائمة والمحفوظة دون وجه حق والشروع في المحاكمات بفعّالية وتأنّي لجلب جميع المرتكبين أكانوا من المنظومة المافياوية وأزلامها أو من خارجها إلى قوس العدالة.
•المباشرة الفورية في محاكمة الخونة والعملاء والمرتزقة، ويتكون الادعاء من محامي الثورة الشرفاء.
•من المجلس الدستوري، إذ يرتئي من دون ضغوط، إلغاء اتفاق الدوحة ومفاعيله وكذلك اتفاق “مار ميخائيل” المشؤوم وما شابه من اتفاقات كونها تتنافى مع مبادئ الدستور اللبنانيّ، إذ “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، والتأكيد على تفعيل الدستور ودستورية إعلان بعبدا وتطبيق القرارات الدولية.
•الضغط على المدعي العام المالي للإفراج عن الملفات العالقة أمامه والبدء الفوري في المحاكمات المالية من أجل استرداد أموال المودعين وتبيان أموال الدعم المسروقة والمهدورة مع التشدد في عقاب المرتكبين.
•التشدد في إصدار الأحكام المتعلقة في تجارة الممنوعات كافة من مخدرات وتهريب السلاح وتبييض الأموال وما إلى ذلك.
•السماح للمدعية غادة عون استكمال كافة تحقيقاقتها من دون استثناءات.
•إلغاء المحكمة العسكرية وحصرها فقط في الأمور العسكرية البحتة.
•إنتفاضة الهيئات الرقابية والقيام بما يتوجب عليها عمله بفعّالية وسرعة لمواكبة الانتفاضة القضائية.