د. حارث سليمان/سنخدمكم باشفار العيون….لا معايير عند حزب الله، لا على مستوى المؤسسات والسلطات، ولا على مستوى القوانين؛ كلُّ مُحَرّمٍ على غيرهم حلالٌ لهم، كلُّ محظور على من ليس منهم، مُتاحٌ لهم… التهديد لان صفا يحسب نفسه فوق القانون

104

سنخدمكم باشفار العيون
جَهُدَ حزب الله لتصوير استقدام المازوت من ايران كأنه بطولة وانتصار للبنان بفك حصار مزعوم عليه، الوقائع والارقام تثبت هشاشة وركاكة حملة حزب الله وعنترياته الفارغة
د. حارث سليمان/جنوبية/24 أيلول/2021

لا معايير عند حزب الله، لا على مستوى المؤسسات والسلطات، ولا على مستوى القوانين؛ كلُّ مُحَرّمٍ على غيرهم حلالٌ لهم، كلُّ محظور على من ليس منهم، مُتاحٌ لهم… التهديد لان صفا يحسب نفسه فوق القانون، نفط حزب الله دون رسوم، معابر حزب الله لا تخضع للجمارك، سلاح حزب الله يؤمر من طهران لا من لبنان، مالية حزب الله خارج النظام المصرفي اللبناني، علاقاته الخارجية فوق خيارات الحكومة وسياساتها، اجهزة امنه تكون حيث لا تكون اجهزة الدولة، انه الانفصام الكامل بين ادعاء المثالية السياسية وحقيقة بؤس السلوك والممارسة.

*****
‏‎‎جَهُدَ حزب الله لتصوير استقدام المازوت من ايران كأنه بطولة وانتصار للبنان بفك حصار مزعوم عليه، الوقائع والارقام تثبت هشاشة وركاكة حملة حزب الله وعنترياته الفارغة:

لأنَّ حاجة لبنان ٢ مليون طن مازوت سنويا، من دون احتساب استهلاك سورية التي تأخذ حاجتها من المازوت من لبنان عبر التهريب. فباخرة ايران التي وصلت بانياس، حمولتها ٣٢ الف طن، ولا قدرة لايران الا على ارسال باخرة مازوت واحدة وباخرة بنزين واحدة كل شهر، يعني ١٥% من حاجة لبنان. هذا اذا لم تقتطع جماعة الفرقة الرابعة من جيش الاسد حصة لهم كرسم عبور. حتى لو فرضنا ان ايران ارسلت عددا اكبر من البواخر فان القدرة على نقل حمولة الباخرة الواحدة من بانياس الى لبنان، عبر استعمال ٦٠ صهريجا، برحلات مكوكية، يتطلب مدة اسبوعين لنقل حمولة كل باخرة.
وصل المازوت الايراني وسيصل البنزين، و تم رفع الدعم عن المحروقات، اي أصبح الاستيراد غير مقيد بتغطية المصرف المركزي من العملات الاجنبية، ارتفع سعر المحروقات بشكل جنوني مع ذلك ما زالت ارتال الذل امام المحطات، ومازالت تعبئة الوقود تسرق نصف وقت كل لبناني، علام كانت احتفالاتكم وعراضاتكم، الم يكن من الاجدى القليل من الحياء!!! اليس كذلك؟

يعرض حزب الله بيع صفيحة المازوت ب ١٤٠ الف ل ل ومن المعروف انه نتيجة العقوبات الاميركية على ايران، فان ايران تبيع نفطها بحسومات تصل الى ٣٠ % من السعر العالمي اي أنه حين يكون سعر برميل النفط عالميا ٧٠ $ اميركي فان ايران تبيعه لمن يجرؤ على خرق العقوبات الاميركية ب ٥٠ $.

لمعرفة مدى التجارة التي ينخرط بها حزب الله وقيمة الارباح التي يحققها على حساب الدولة اللبنانية، فإنه يحقق وفرا من خلال عدم اخضاع مستورداته لرسم الجمارك وضريبة القيمة المضافة والرسوم البلدية الى نحو ٣٦ الف ل ل في كل صفيحة اضافة الى ٥٢ الف ل ل من فارق سعر النفط الايراني ؛ ٥٢ + ٣٦ + ١٤٠= ٢٢٨ الف ل ل. وبذلك فان المازوت الالاهي هو اغلى من مازوت الدولة ( ١٩٨الف ل ل ) ب ٣٠ الف ل ل.

المشكلة ليست هنا بل بالاصرار على شعار ؛ “سنخدمكم باشفار العيون”
من جهة اخرى انبرى النائب حسن فضل الله، في جلسة مجلس النواب، التي عقدت لمناقشة البيان الوزاري، ومنح حكومة ميقاتي الثقة، انبرى لمطالعة قانونية دستورية، عارضا لملفات اعتاد اللبنانيون على سماع التهديد بها، والتي على حد قول النائب اذا اخذت مسارها القضائي فان رؤوسا كبيرة ستدخل السجون، اسطوانة النائب فضل الله، تعود اللبنانيون سماعها حتى اصابهم الملل، لكن النائب فضل الله المكلف من حزبه وامينه العام، بمكافحة الفساد واسئصاله من جذوره، لا يكل ولا يمل من حث القضاء على القيام بواجباته، ومن تشجيع رجال العدالة على الاقدام والشجاعة والجرأة على مواجهة السياسيين سواء كانوا نوابا او وزراء او رؤساء، لأن الفساد لا طائفة له ولا مذهب له ولا حزب له، يمكن ان يحميه… كدنا نصدق… او على الاقل كدنا نقول انه نظريا هذا كلام يمكن ان يكون مقبولا، لكن العبرة في التطبيق والالتزام والتحقيق…

لكن فرحتنا لم تصل الى صلعتنا كما يقول اصحاب السخرية والفكاهة، فقد انبرى من جهة ثانية الحاج وفيق صفا، بعد ذلك بايام قليلة، الى زيارة قصر العدل والجولة على عدد من القضاة، وارسال رسالته التي اصبحت على كل شفة ولسان، الى المحقق العدلي القاضي طارق البيطار يبلغه فيها؛ انه واصله معو منه للمنخار وانه سيستعمل معه القانون حتى النهاية واذا لم تنفع سنقبعك…

المضحك المبكي فيما وصلت اليه احوال دولة لبنان ان التهديد اصبح موثقا، علنيا، ورسميا بموجب مراسلات بين النيابة العامة التمييزية والمحقق العدلي، فيما يسود صمت عميم، كصمت مقبرة معزولة لبقايا مؤسسات دولة بائدة، لا ردود فعل او غضب من اي سلطة او رئيس او وزير، لا استدعاء الى تحقيق، لا مساءلة جنائية من جهاز امني او قضائي، لا استنكار من نقابة المحامين، لا موقف حازم من مجلس القضاء الاعلى، لا بيان استنكار من نادي القضاة، كأن على رؤوس الجميع الطير… فعلا هزلت…

كيف يستوي خطاب فضل الله الذي يتبنى القانون والدستور والاحتكام للقضاء والالتزام بآليات المساءلة، والمطالبة بتطبيق قانون المحاسبة العمومية، وتفعيل رقابة ديوان المحاسبة، مع رسائل القبع والتهديد والوعيد، فهل هذا هو القضاء نفسه، قضاء فضل الله ام قضاء وفيق صفا. لا يقتصر الامر على وجود تصنيفين للقضاء؛ قضاء فضل الله في وجه الخصوم واجب تفعليه وتنشيطه، وقضاء يطال الحلفاء واهل الدار واجب تعطيله وحتى تهديده، بل هناك قضاء ثالث يطال داخل حزب الله ومحيطه المذهبي والذي لا يستند في احكامه الى القانون الوضعي اللبناني بل الى الشرع الاسلامي، يفتي فيه ويفصل في قضاياه ويصدر احكامه، مشايخ ورجال دين يتبعون لولي امر المسلمين في ايران وعقيدته، وهنا لا نتكلم عن المحاكم الشرعية الاسلامية، بل عن امر آخر تماما، ويتم تنفيذ الاحكام والسجن وحتى احكام الاعدام بواسطة اجهزة الحزب وهيكلياته، بعيدا عن الدولة واجهزتها وسلطاتها.

القضاء لا يُهدَّدْ، والقضاء لا يُستَغلْ، والقضاء لا يمكن ان يُدْفعَ لممارسة كيدٍ سياسي على خَصم، أو إدانة منافسٍ على موقع او منصب، أو إبراء لحليف او نصير، والا فقد استحقاقَ إسمِه، وأُفرغ من معناه، فلم يعد قضاءً للعدالة، ولا سيفا لالتزام القانون، ولا ميزانا لتوزيع الحقوق وتحصيلها. فسيادة قانون واحد اوحد، وقضاء واحد وشامل، هو اول مظاهر الدولة واهم اسس قوامها.

لامعايير عند حزب الله، لا على مستوى المؤسسات والسلطات، ولا على مستوى القوانين؛ كلُّ مُحَرّمٍ على غيرهم حلالٌ لهم، كلُّ محظور على من ليس منهم، مُتاحٌ لهم… التهديد لان صفا يحسب نفسه فوق القانون، نفط حزب الله دون رسوم، معابر حزب الله لا تخضع للجمارك، سلاح حزب الله يؤمر من طهران لا من لبنان، مالية حزب الله خارج النظام المصرفي اللبناني، علاقاته الخارجية فوق خيارات الحكومة وسياساتها، اجهزة امنه تكون حيث لا تكون اجهزة الدولة، انه الانفصام الكامل بين ادعاء المثالية السياسية وحقيقة بؤس السلوك والممارسة.