فارس خشان/الادّعاء بحصار لبنان أخطر من التّبرؤ من المسؤوليّة وأخبث

55

الادّعاء بحصار لبنان أخطر من التّبرؤ من المسؤوليّة وأخبث
فارس خشان/النهار العربي/08 تموز/2021

يحتاج ما أقدم عليه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب في “لقاء السفراء” الى تحليل معمّق، لأنّه يستحيل على شخص يتمتع بالحد الأدنى من الحنكة، أن يدعو أبرز ممثلي دول العالم في لبنان الى لقاء، ليوجه إليهم فيه، وفي خطاب منقول مباشرة على الهواء، تهمة تجويع اللبنانيين وتهديم وطنهم.
لماذا فعل دياب ما فعله؟

تحتاج الإجابة عن هذا السؤال الى تكوين صورة واضحة عن ظروف دياب الخاصة والعامة.
وفي هذا السياق، من الواضح أنّ هذا الدكتور الجامعي الطموح يخشى أن يخرج من “المولد” ليس “بلا حمّص” فحسب بل بكثير من الحصى في قدميه، أيضاً فهو “لا مع ستي بخير ولا مع سيدي بخير”.
ولقد تعاملت غالبية اللبنانيين معه، منذ اللحظة الأولى التي دخل فيها الى “السرايا الكبيرة”، على أنّه “صيّاد مناسبات”، إذ استغلّ رفض الشخصيات السنية “المرموقة” ترؤس حكومة هدفها احتواء مفاعيل الزلزال الشعبي في السابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وفق رؤية “حزب الله” الاستراتيجية التي تناسب “الشبق السلطوي” لدى رئيس الجمهورية ميشال عون. وتحوّل دياب، أثناء تولّيه مركزه، الى خادم أمين لدى “حزب الله”، بحيث كان، وفق من أتوا معه الى الحكومة والى “السرايا الكبيرة”، ومن ثمّ أهملوه ونكروه وهجروه، يُنفّذ توجيهات ترده من خارج “البيت الحكومي”، إذ إنّه كان يتّخذ قراراً في النهار ليعود عنه في الليل، بمجرد أن يصله همس من “حارة حريك”.

إنّ القرارات المالية التي اتخذها دياب، وأدّت الى تكريس الانهيار الكبير، لم تخرج عن هذا الإطار، فقرار التوقف عن دفع لبنان للمستحقات عليه، لم يكن وليد التشاور مع المعنيين في شؤون المال، بل كان رضوخاً لتوجيهات “حزب الله”، لأنّ أهل الاختصاص دعوا الى ربط هذه الخطوة التي ستكون لها تداعيات خطرة على البلاد، إذا ما كانت هدفاً قائماً بذاته، بإنجاز خطوات أخرى مكمّلة لها، بحيث تأتي متوافقة مع أجندة زمنية واضحة ترتكز على وصول المفاوضات مع “صندوق النقد الدولي” إلى قاعدة متينة يكون حجر الزاوية فيها التأكّد من توافر النيات الصافية لدى صاحب القرار الحقيقي في البلاد.

وقبيل استقالته، وحتى بعد انفجار مرفأ بيروت، كان دياب يتصرّف أمام الوزراء على أساس أنّ حكومته باقية حتى لما بعد الانتخابات النيابية، ولا يريد أن يسمع كلمة “استقالة”، ولكن، لحظة وصلته التعليمة من حارة حريك، لم تغمض له عين قبل أن ينتهي من تدوين كتاب استقالته. وفي فترة تصريف الأعمال، لم يحبط يوماً التوجيهات التي ترده من “حزب الله”، ولكنّ ذلك لم يحل دون أن يتحوّل، وهو يصرّف الأعمال، الى مدعى عليه في ملف انفجار مرفأ بيروت.

واذا كان “حزب الله” قد أبدى صدقاً في الدفاع عنه في مواجهة المحقق العدلي في حينه فادي صوّان، فإنّ مرجعيات الطائفة السنية سارعت الى توفير حصانة له، ليس حبّاً به ولا إيماناً بقراراته، بل لتحول دون تحويله الى سابقة من شأنها “استضعاف” موقع رئاسة الحكومة، في مقابل تكريس “حصانة مطلقة” لموقع رئاسة الجمهورية.

وفي لبنان، يتقاطع “الطائفيون” عند نقاط كثيرة، ولو أنّهم ظهّروا أنفسهم مختلفين.
وتعاطى المجتمعان العربي والدولي مع دياب على قاعدة أنّه “مأمور” من “حزب الله”، بعدما اكتشفا، بالأدلة الملموسة، أنّه يترجم قرارات يتّخذها الحزب الى سياسات حكومية، ولم يكن صدام دياب مع وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، في زيارته بيروت التي سبقت انفجار المرفأ، سوى غيض من فيض.
وعشية دعوته السفراء الى “السرايا الكبيرة”، شعر دياب بالحاجة الى “تكبير الحجر”، خصوصاً بعدما أبقاه المحقق العدلي الجديد طارق بيطار، مدعى عليه في ملف انفجار المرفأ الذي لا يزال يحظى بمتابعة لبنانية وإقليمية ودولية حثيثة.

لم يكن سهلاً عليه أن “يطير” محقق ويغطّ آخر، ويبقي هو في …الحفرة نفسها. ووضع دياب خطة لهذا اللقاء، فهو يريد، بما يلائم توجّهات “حزب الله” ويستقطب مزيداً من رضاه، أن يظهر نفسه مدافعاً عن الشعب ويفرض نفسه ناطقاً باسمه. لقد استعمل دياب في كلمته كلّ الكلمات المفاتيح التي تتضمنها أدبيات “محور الممانعة” مثل: الحصار، التوجّه شرقاً، فتح البحر أمام هجرة اللاجئين، تفجير المنطقة.

ووقّت كلمته لتأتي كرجع صدى لكلمة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله الذي كان قبل يوم واحد قد “أدلج” نظرية “الحصار”، وأعاد الحياة الى “أسطورة” الاستثمارات الروسية والصينية، ونام على “طبّة” بنزين إيران المجاني – الليراتي – الإنساني – الروحاني – الشرعي، حتى يترك عاصفة قطع طهران للتيار الكهربائي – بروح أخوية عالية الجودة – عن الشعب العراقي، في عزّ موسم الحر والقيظ، تمر.
ولكنّ الفارق بين نصر الله ودياب، أنّ الأول يتحدث مع كاميرا، وهو يستغل موقفاً أميركياً ليرد عليه من موقع “إقليمي”، فيما الثاني يستدعي السفراء من موقع لبناني، ويعمّم عليهم “تهمة” الحصار، من دون توافر مبرّر حقيقي لفعل هذا.

ومن حق السفيرة الفرنسية، بالتحديد، أن تستشيط غيظاً من “ببغائية” دياب، فهي تمثّل الدولة التي “تعرف البير وغطاه”، فهو يتحدّث أمامها عن حصار فيما دولتها، منذ عام 2001 وحتى تاريخه، تحاول أن تنقذ لبنان من نفسه. بدأت جهودها مع مؤتمر باريس-1 ولم توقفها حتى مع إفشال مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون.

وآن غريو، إنْ صمتت عن تهمة الحصار، فهذا يعني أنها تقبل بإهانة كل الدول التي لم تخذل دعوة فرنسية واحدة لمساعدة لبنان والشعب اللبناني، في حين أنّ دياب الذي يوجّه هذه التهم الخطرة الى دول حاولت، مراراً وتكراراً، أن توقظ الضمير السياسي اللبناني من سباته العميق، ينطق باسم أخطر فريق في لبنان، بحيث جلب عليه الكوارث والويلات، لتوريطه في صراعات المنطقة وحروبها، وتحويله الى جبهة متقدمة لمصلحة “الحرس الثوري الإيراني” وإمعانه في نسف العلاقات الدولية للبنان، وكراهيته المعروفة لطبيعة النظام المالي – الاقتصادي – الثقافي المعتمد، والشريك القوّي لمنظومة الفساد وموزّع الحصص السلطوية عليها.

عملياً، ماذا يطلب حسن نصر الله عبر حسّان دياب؟
ببساطة، يريد أن تهبّ دول العالم الى إرسال مساعدات وهبات واستثمارات الى لبنان (وفق طلب نصر الله حرفياً، في إطلالته الأخيرة)، من دون قيد أو شرط، أي أن تسارع الى توفير مقوّمات الديمومة لحلف جهنمي قائم بين السلاح والفساد، وإذا لم تفعل ذلك تكون في وضعية محاصرة لبنان وتجويع اللبنانيين.
وهذا ما لن يفعله المجتمع الدولي أبداً، ليس من موقع عقائدي بل من موقع عملي، إذ إنّ هذا “الحلف الجهنّمي”، إذا ثابر على وتيرته المعهودة، فهو قادر على استنزاف احتياطات العالم كلّه، لأن لديه “شهية الغيلان ” و”همّة التنابل” و”وطنية المرتزقة”.

غريو وغانتس ونصر الله
لعلّ السفيرة الفرنسية آن غريو، وهي تستمع الى كلمة دياب عن الحصار، كانت تفكر بمواقف وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس حيال لبنان، لأنّه على ذمّة محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل، يمثّل توجّهاً إسرائيلياً جدّياً لتوفير مساعدات للشعب اللبناني، ويعكس وقائع عن إجراء تل أبيب محادثات مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول أوروبية أخرى لتوفير مساعدات للبنان “تضمن استقراره وتمنع سيطرة إيران من خلال حزب الله”.

إنّ هذا الكلام الإسرائيلي إذا صحّ يعني أنّ تجويع اللبنانيين، بمنع تشكيل حكومة “فاعلة”، من جهةٍ أولى، والإمعان بالإساءة الى علاقات لبنان الخارجية، من جهة ثانية، واللجوء الى رمي المسؤولية على المجتمع الدولي، من جهة ثالثة، أصبح خطة معتمدة تهدف الى تكريس هيمنة إيران “حزب الله” الكاملة على لبنان.

إنّ التدقيق بتعليق “حزب الله” على إعلان زيارة ستقوم بها سفيرتا فرنسا والولايات المتحدة الأميركية في لبنان للمملكة العربية السعودية، يعطي مصداقية للحديث عن “خطة خبيثة”.
لقد اعتبر الحزب عبر مقدمة نشرة الأخبار في قناة “المنار” الناطقة باسمه، أن زيارة السفيرتين للسعودية للبحث في الموضوع اللبناني هي إعلان لـ”الانتداب السياسي للبنان الذي كان بالخفاء وبات بكل وقاحة وعلى العيان”.

وأضاف “حزب الله” من خلال “المنار” في تعليقه على هذه الزيارة التي تهدف الى دفع الرياض لتعيد اهتمامها بلبنان، سياسياً ومالياً: “هي أقل ما يقال إنّها فضيحة سياسية ودبلوماسية، لكنّها تكشف من يعطّل ومن يفاوض ومن ينازل على هذا البلد الذي أهانت سفيرة فيه رئيس حكومته يوم طلب المساعدة، وتنصّب نفسها اليوم وصية على البلد وحكومته”.

بعد صدور هذا التعليق عن جهة سبق أن جاهرت على لسان أمينها العام بأنّ ميزانيتها وكل ما تأكله وتشربه، وسلاحها وصواريخها من إيران، يُظهر أنّ حسّان دياب، في هذه الخطة، ليس سوى لاجئ سياسي في “التعبئة الإعلامية”.