الياس بجاني/العرفان بالجميل فضيلة أساسية في حياة المؤمن

21

العرفان بالجميل فضيلة أساسية في حياة المؤمن
الياس بجاني/11 آذار/2025

اضغط هنا لقراءة المقالة التي في أسفل باللغة الإنكليزية/Click here to read the below piece in English

عمل الامتنان، أي العرفان بالجميل هو إحدى أسمى القيم الإنسانية التي يجب أن يتحلى بها كل فرد، لأنه تعبير صادق عن التقدير والاعتراف بالجميل لمن ساعدنا في أوقات الحاجة. في حين أن إنكار الجميل وعدم نجدة من مدّ لنا يد العون في الشدائد هما من أسوأ الصفات التي قد يمارسها الإنسان، حيث تعكسان موقفًا يتناقض مع الفطرة السليمة والتعاليم الدينية.

في الإيمان المسيحي، لا يُعتبر الامتنان مجرد سلوك أخلاقي، بل هو جزء أساسي من علاقة الإنسان بالخالق. فالله منحنا الحياة والعقل مجانًا، وأغدق علينا بنعمه التي لا تُحصى، وقد شدد السيد المسيح على هذا المبدأ حين أوصى تلاميذه أثناء اعدادهم لنشر البشارة قائلًا: “مجانًا أخذتم، مجانًا أعطوا” (متى 10: 8). وهذه دعوة إلى العطاء غير المشروط وإلى الامتنان للبركات التي ينالها الإنسان من الخالق الذي هو أب محب.

هذا، ويؤكد الكتاب المقدس على أهمية الامتنان في حياة المؤمن. ففي رسالة تسالونيكي الأولى (5: 16-18) دعوة صريحة لممارسة هذا السلوك: “افرحوا كل حين. صلّوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم”.

إن الامتنان ليس مرتبطًا فقط بأوقات الرخاء، بل يجب أن يكون نهجًا دائمًا، سواء في اليسر أو العسر.

وتتكرر الدعوات في المزامير لحمد الله والاعتراف بجوده. إذ يقول المزمور 136: 1: “احمدوا الرب لأنه صالح، لأن إلى الأبد رحمته”.
وهذا يبين أن الامتنان يجب أن يكون دائماً، نابعاً من إدراكنا لصلاح الله ورحمته الأزلية. وكذلك يعبر داود الملك عن امتنانه العميق لله بعد اجتيازه للمحن، قائلًا في المزمور 30: “يا رب إلهي، استغثت بك فشفيتني… حولت نوحي إلى رقص لي، حللت مسحي ومنطقتني فرحًا، لكي تترنم لك روحي ولا تسكت. يا رب إلهي، أحمدك إلى الأبد” (مزمور 30: 1-12).

حتى في الأوقات الصعبة، يبقى الامتنان ضرورة روحية. فقد خسر النبي أيوب كل شيء، لكنه لم يفقد روح الشكر، إذ قال: “الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركًا” (أيوب 1: 21). وهذا يعلمنا أن الامتنان لا ينبغي أن يكون مشروطًا بالراحة أو النعم المادية، بل يجب أن يكون متجذرًا في الإيمان العميق بحكمة الله وعنايته.

هذا ويؤكد بولس الرسول أن الامتنان سمة بارزة للمؤمن الحقيقي، يتجلى كعمل عبادة مستمر في الحياة اليومية، مشبع باحترام الذات، واحترام الآخرين، والخشوع.

إن الامتنان لله يحرر الإنسان من الأنانية واليأس، ويذكره بأن الخير الذي يناله ليس بجهده وحده، بل هو عطية إلهية. والتعبير عن الامتنان ينقل التركيز من الرغبات الذاتية أو المصاعب اليومية إلى تذكر أن الله هو السيد المطلق على الحياة. وكما يؤكد الرسول يعقوب: “كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار” (يعقوب 1: 17).

إن واجب الامتنان لا يقتصر على علاقتنا بالله، بل يشمل أيضاً تعاملنا مع الآخرين. فكما نطلب بركات الله، يجب علينا أن نظهر التقدير لمن أحسنوا إلينا وألا ننسى من وقفوا بجانبنا في الأوقات العصيبة. وقد قيل إن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، وهذه قيمة إنسانية عظيمة ينبغي أن تصبح أسلوب حياة.

ومن أعظم صور الامتنان، الواجب الذي يدين به الأبناء لوالديهم. فالوالدان يكرسان حياتهما لتربية أبنائهما بمحبة وتضحية، وغالبًا ما يتخلّيان عن احتياجاتهما الشخصية لضمان رفاهية أولادهما. ومع تقدم العمر، لا تنتهي مسؤولية الأبناء عند استقلالهم، بل عليهم دائماً تكريم والديهم والاعتناء بهم، خاصة عند شيخوختهم وعدم قدرتهم على رعاية أنفسهم. وقد أمر الكتاب المقدس بذلك بوضوح في الوصية الخامسة: “أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك” (خروج 20: 12). هذه الوصية ليست مجرد نصيحة، بل التزام إلهي يذكّرنا بأن الامتنان للوالدين جزء أساسي من الإيمان والاستقامة، في حين أن إنكار الجميل للوالدين وإهمالهم في كبرهم هو فشل أخلاقي كبير يناقض قيم المحبة والاحترام التي يعلمنا إياها الكتاب المقدس. إن التضحيات التي يبذلها الوالدان في تربية أبنائهما لا يجب أن تُنسى أبدًا، ومن واجب كل ابن أن يردّ هذا الجميل برعاية والديه بحب وعناية وتفانٍ.

في الخلاصة، إن المؤمن والعاقل هو من يجب أن يعلم علم اليقين أن برّ الوالدين من أحب الأعمال إلى الله، وأن الامتنان، أي العرفان بالجميل، هو فضيلة لا ترفع الإنسان روحيًا فحسب، بل تملأ قلبه بالسلام والرضا،  وكلما زرعنا الامتنان في نفوسنا، ازددنا سعادة واكتمالًا، وسرنا على خطى السيد المسيح وتعاليم الكتاب المقدس، التي تدعونا إلى أن نكون شعبًا شاكراً يرى في كل لحظة من الحياة سببًا للحمد والتسبيح.

**الكاتب ناشط لبناني اغترابي
عنوان الكاتب الالكتروني
Phoenicia@hotmail.com
رابط موقع الكاتب الالكتروني
https://eliasbejjaninews.com

Share