د. رندا ماروني/أكبر مسلخ بشري شهده التاريخ…يدخلون أحياء يخرجون بالمجارير، هذه هي ديمقراطية وعلمانية ٱل الأسد مع المعارضة السياسية

252

أكبر مسلخ بشري شهده التاريخ…يدخلون أحياء يخرجون بالمجارير، هذه هي ديمقراطية وعلمانية ٱل الأسد مع المعارضة السياسية
د. رندا ماروني/15 كانون الأول/2024

هل سمعتم يوما بمسلخ مخصص للبشر، حتى إستعمال وصف مسلخ لا يفي بالغرض، إنه التفنن الإجرامي الأسدي، ففظائع وأسرار سجون نظام الأسد ما زالت تكتشف، حيث كان التعذيب يتخذ أشكالا لا حصر لها، فخلال دخول فصائل المعارضة المسلحة برفقة المواطنين السوريين لتحرير المعتقلين من سجن صيدنايا، وهو سجن مخصص للمعتقليين السياسيين، الذين سجنوا نتيجة رأيهم السياسي المخالف، صدموا بوجود غرف تحتوي على مكبس ٱلي وحبال المشانق كانت معدة لتنفيذ الإعدامات، فمكبس الإعدامات الحديدي الذي كشف في أقبية سجن صيدنايا كان يستخدم بعد إعدام السجناء شنقا ومن ثم يتم وضعهم في المكبس الآلي أو ربما وهم على قيد الحياة، حيث لا دليل على استعماله بعد تنفيذ عملية الإعدام إنما الدليل القاطع الوحيد على ما يفعله النظام المتفنن في الإجرام هو المكبس، وهو ٱداة التنفيذ التي تمحي معالم البشر وكأنهم لم يولدوا أصلا، مكبس نظام الأسد الذي تقدر قوته بعشرات الأطنان كان يتم إستخدامه لسحق الجثة لتصبح كالورقة، ويوجد أسفل المكبس مجاري للتخلص من الدماء عبر شبكة الصرف الصحي، بينما ما تبقى من الجثة يوضع في أكياس ليتم التخلص منها بطرق عدة، وفي قاعات متعددة لا زالت شاخصة أدوات التنكيل والتميثل بالجثث كدليل ثابت على ما كان يجري من تفظيع وجرائم بحق الإنسانية، حيث وجدث قاعة الفرم والتقطيع وهي عبارة عن منشرة تستعمل لتقطيع أجساد المعتقلين، وهناك قاعة الأسيد المادة التي كان يستعملها النظام لتذويب الأجساد.

الدلائل موجودة ولكن كيفية التنفيذ، ماذا قبل وماذا بعد، هل التقطيع أم الكبس، تستوجب مخيلة واسعة جدا قد لا تدرك حقارة وإجرام المبتدعين الموجهين والمنفذين وبحسب ما وثقت شبكة حقوق الإنسان السورية فإن هناك ٧٣ طريقة مختلفة للتعذيب كالتدبيس، وهو عبارة عن غرز أداة معدنية مثل الإبرة والمسمار في عدة مناطق من أجساد المعتقلين، والحرق بأكياس النايلون، حيث يتم تذويب النايلون المشتعل على الصدر والبطن والظهر ومناطق أخرى، ومن أساليب التعذيب الأخرى، تحطيم الرأس، حيث يوضع رأس المعتقل بين الجدار وباب السجن ويتم إغلاق الباب على رأس المعتقل بقوة، وإغتصاب الفتيات الصغار. وبعيدا عن قصص التعذيب التي لا تنتهي، كان يتم إجبار المعتقلين على عبادة بشار الأسد، فعندما يسأل المعتقل من يعبد، الجواب الإلزامي لكل معتقل هو بشار الأسد، من ربك، ما هو دينك ومن الذي خلقك، الإجابة الوحيدة المسموح بها هي “بشار الأسد،”.

لم يقتصر تأليه هذا الطاغي لنفسه على قلوب البشر داخل أروقة السجون فقط بل تظهر هذه النزعة واضحة عند ٱل الأسد من خلال نشر الصور والتماثيل لهم بكثافة وبأحجام كبيرة في كافة أرجاء سوريا، ولهذا الفعل دلالات كثيرة، فهو ليس مجرد فقط عمل إستعراضي، بل هو جزء من إستراتيجية سياسية ونفسية تهدف إلى تعزيز سلطتهم وترسيخ سيطرتهم على المجتمع، لخلق حضور دائم للسلطة، فوجود الصور والتماثيل في كل مكان يهدف إلى جعل الديكتاتور حاضرا في وعي الناس بشكل دائم، حتى عندما لا يكون حاضرا جسديا، يشعر المواطنون بأنهم تحت مراقبته المستمرة، ليوحي بأنه حاضر دائما وبأن المواطن هو دائما تحت مراقبة السلطة، فالصور والتماثيل تذكر الناس بقوة الديكتاتور وسلطته، وهذا يخلق شعورا بالخوف من تحدي النظام، لأنه يظهر الديكتاتور كشخص لا يمكن تجاوزه، كما يضفي طابع القدسية، فعرض الصور والتماثيل بشكل مبالغ فيه يساعد على تحويل الديكتاتور إلى رمز فوق بشري صاحب شخصية شبه مقدسة مما يجعل الناس يميلون إلى الطاعة والانقياد، كما يلغي الفردية ويعزز الهيمنة من خلال ملىء الأماكن العامة بصور الديكتاتور، فيتم قمع الهوية الفردية وإحلال هوية النظام مكانها، ويشعر المواطن أنه مجرد جزء صغير في ٱلة كبيرة يسيطر عليها الحاكم، فالديكتاتور لا يريد أن يكون لك هوية، هويتك أيها المواطن هي هوية الديكتاتور، تفكر كما يفكر، تحب كما يحب، وتكره ما يكره، انت بصفتك مواطنا لا مجال لك كي تعرف نفسك خارج إطار المستبد.

كما أن لنشر الصور والتماثيل بكثرة إشاعة فكرة الديمومة والإستقرار، والتماثيل توحي أن الديكتاتور باق إلى الأبد مما يثبط أي محاولات للتغيير أو المقاومة، والتماثيل لا تتحرك وهي ثابته ومستقرة وهذا يعطي إنطباع بأن الطاغية ثابت ومستقر إلى الأبد، فلا مجال للتفكير في إزاحته أو تغييره، كما يعزز بناء الولاء غير المشروط، فلرؤية صور القائد يوميا تعزيز عملية غسل الدماغ الجماعي حيث يصبح الديكتاتور رمزاً للوطن مما يجعل إنتقاده يبدو وكأنه خيانة، فمعارضة الرئيس هي معارضة للوطن وخيانة للوطن، من أهداف نشر الصور والتماثيل أيضا إخفاء نقاط الضعف، فالتماثيل والصور العملاقة تظهر الديكتاتور في هيئة عظيمة وقوية مما يطمس أي صورة حقيقية عن ضعفه أو فشله، فالمواطن حين يقف أمام التمثال العملاق للديكتاتور يحس بنفسه قزما حقيرا، وهذا يجعل منه خاضعا ذليلا ، فهؤلاء الطغاة جعلوا من أنفسهم آلهة تعبد فوق عبادة الله.

ما ذكر عن سجن صيدنايا غيض من فيض تاريخ أسود مر من هنا، سجون لا تحصى معروفة وغير معروفة، سرية، مقابر جماعية، نفوس لا أسماء لها ولا تواريخ بل هي مجرد أعداد رقمية، ولدت وكأنها لم تولد في غياهب السجون ممحية لقد جسد حكم ٱل الأسد، حكم الطاغية الديكتاتور المتفوق على الله، حيث لا خوف لا مهابة ولا حدود لجنون العظمة والإجرام، فكان ما كان وبكى من بكى وغاب من غاب وشهد من شهد ووثق من وثق التقارير، ليظهر بالأدلة الدامغة أكبر مسلخ بشري شهده التاريخ ، يدخلون أحياء فيه ويخرجون بالمجارير.