د. رندا ماروني/الدواعش الأسدية في جحيم إنقلاب الموازين

185

الدواعش الأسدية في جحيم إنقلاب الموازين
د. رندا ماروني/08 كانون الأول/2024
من يتابع حكايا المعتقلين المحررين من السجون السورية بعد دخول المعارضة إلى العديد من المناطق السورية التي كانت خاضعة لسلطة ٱل الأسد، وبسط السيطرة عليها، لأدرك كمية الظلم التي عانوا منها في ظل نظام تعسفي فوقي توتاليتاري، حيث لا وجود لأي قيمة إنسانية أو حقوقية إلا بما يناسب مصالح النظام الفوقية المتجردة من أي ضوابط أخلاقية في ممارسة شتى أنواع العنف والتعذيب النفسي والجسدي.

فما الذي حدث بالتحديد؟ الأمر الذي أدى إلى تحرر المعتقلين من قبضة النظام ومن الذي اطلق العمليه التي حركتها المعارضة في سوريا؟ والتي كان اسمها في البدايه ردع العدوان ثم تلتها عمليه اخرى وهي تتمه للعمليه الاولى، وهي عملية “فجر الحريه”، ولماذا تحرك السوريون المعارضون في هذا التوقيت؟ وهل صحيح بأن إسرائيل تقف وراء هذا التحرك؟ وهي التهمة الجاهزة لشتى أنواع معارضة النظام والمحور التابع له.

لقد بدا الامر بقصف مركز من قبل النظام على السوريين في ادلب، فبعد كل جوله قصف من قبل اسرائيل على المناطق التابعه للنظام السوري حيث تتواجد القوى المسلحة التابعة لنظام بشار والتابعة للنظام الإيراني، حيث شنت إسرائيل أكثر من ثمانين غارة منذ أيلول الماضي، فكان يتم الرد من قبل نظام بشار ليس على إسرائيل بل مباشره على مناطق المعارضه السوريه وعلى المدنيين في تلك المناطق، فالنظام لديه طائرات ولديه قواعد عسكريه إيرانية ولديه المليشيات التابعه له التي جاءت من باكستان وافغانستان من الشيعة وبعضهم من العراق ومن لبنان واضافه للتواجد الروسي المباشر.

هذا النظام الذي كان سيسقط في العام 2015 على يد الثوار، تدخلت روسيا لحمايته، واعلنت في تصريح رسمي وعلني بان النظام كان سيسقط خلال شهرين لولا تدخلها حيث أرسلت 63 الف جندي لدعم نظام بشار الاسد لمنعه من السقوط، هذا عدا عن الدعم الإيراني ودعم الميليشيات الشيعية من كل مكان، فبعد التدخل الروسي بثلاثه اعوام تم القضاء على الثوره وتم تشريد الٱف السوريين من كل مكان، وفي المناطق التي كانت محاصرة اضطروا لتسليم أسلحتهم والانتقال مع عائلاتهم إلى الأماكن التي كانت مخصصة لهم في أقصى الشمال في محافظة إدلب وجزء من محافظة حلب، قبل اسبوع واحد فقط من بدء العملية كانت ثلثي مساحه سوريا تابعه للنظام وطبعا لإيران وروسيا، ويمكن إعتبار أن سوريا كانت مقسمة إلى أربعة مناطق.

المنطقة الأولى تشمل معظم المدن المهمه باستثناء ادلب، إنما خسروا خلال الثوره المدن المهمه التي يستخرج منها النفط في اقصى الشمال الشرقي والمناطق الزراعية التي كانت تسمى بالجزيره المحيطه بنهر الفرات.

المنطقه الثانيه في شمال سوريا والشمال الشرقي تشمل محافظتي الحسكه والرقه جزء كبير من هذه المنطقه يسمى بالجزيره وايضا جزء من الباديه وهي مناطق زراعيه خصبه والأهم فيها هو النفط، وهذه المنطقه تتبع المليشيات الكرديه التي تسمى “قوات سوريا الديمقراطيه” وتختصر باسم قصب هذه القوات قوات كرديه انفصاليه يساريه وهي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تأسس في تركيا وله امتداد ايضا في شمال العراق ويصنف بالنسبه لتركيا على انه جماعه ارهابيه، ومن المعروف ان لديه صراع طويل مع الحكومات التركيه المتعاقبه. هذه المنطقه تدار بشكل مباشر من امريكا وفيها قواعد امريكيه منذ ايام الرئيس اوباما وحتى يومنا هذا، وسيعود الٱن ترامب وسيستمر الدعم لهذه المنطقه التي تديرها حكومه تسمى حكومه الاداره الذاتيه، ومع أنه فيها الكثير من العرب والعشائر العربية ولكن الإدارة للأكراد وبإشراف أميركي.

المنطقة الثالثة هي نصف محافظة إدلب تقريبا في أقصى الشمال الغربي على حدود تركيا وأجزاء أيضا من محافظة حلب وحماه واللاذقية. تحكم هذه المنطقة حكومة غير معترف بها من العالم، ولكنها حكومة مستقرة تدير أمورها بنفسها، وتسمى حكومة الإنقاذ، وقد تشكلت قبل سبع سنوات وكانت بقيادة ما يسمى بهيئة تحرير الشام، هذه الهيئة تضم خمسة فصائل، الهيئة الأولى وهي الأهم هي جبهة فتح الشام وكانت تسمى سابقا جبهة النصره، وهي جزء من تنظيم القاعده، اضافه ايضا لجبهة انصار الدين، وحركة نور الدين زنكي، ولواء الحق وجيش السنة. هؤلاء ليسوا كلهم من الفصائل الجهاديه الاسلاميه، فبعد أن تخلت جبهه النصره عن مبايعتها لتنظيم القاعدة أضحى الكثير من اتباعها ليسوا موالين لمبادئها الجهادية والفكرية. وفي هذه المنطقه ايضا حزب يسمى الحزب الاسلامي التركستاني وهم من الإيغور وهي المنطقه التي تحتلها الصين واسمها التاريخي تركستان الشرقيه. هؤلاء جاءوا ايضا من ايام الثوره السوريه وهُجروا مع هؤلاء وما زالوا يعيشون في هذه المنطقة.

المنطقة الرابعة، تضم اجزاء من ريف حلب الشمالي الشرقي ويحكمها اداريا وعسكريا ما يسمى بالجيش الوطني السوري، هو ما تبقى من الجيش الحر ومن أهم فصائل الثورة السورية ومدعوم من تركيا، واهم الفصائل المنضويه تحت رايته جيش الاسلام وهو الفصيل الاكبر الذي كان في ريف دمشق أو ما يسمى الغوطه، هُجر أيضا من أماكن تواجده ونزح ما يقارب ألفين مقاتل من مناصريه، يضاف اليهم فصيل السلطان مراد، فصيل الحمزه، وفصيل سليمان شاه، وكل هؤلاء مدعومين من النظام التركي.

فمناطق المعارضه هذه يعيش فيها تقريبا 4 ملايين سوري نازح والبعض القليل منهم من اهالي المنطقه نفسها.
هذه الخريطة التي تحركت وتغيرت في اسبوع رافقتها ظروف إستراتيجية حاسمة صبت في مصلحة المعارضة وحسمت توقيت تحركها، فالنظام السوري المتهالك كان في أصعب أيامه، نظام مترهل، إنهيار إقتصادي كامل، واعتماد كبير على تجارة الممنوعات، أما عسكريا فلقد خسر الجيش السوري معظم قوته العسكرية والجوية ولم يبقى لديه سوى تقريبا مئة طائرة من نوع سوخوي ومعظمها متهالك، وهو النظام نفسه الذي كان سيسقط في العام ٢٠١٥ لولا التدخل الروسي. روسيا المنهمكة اليوم في حربها في اوكرانيا، حيث سحبت معظم طائراتها من قاعدة حميميم على الساحل السوري، ولم يبقى لها إلا سبعة طائرات في القاعدة، واحدة منها قاذفة إستراتيجية والباقية مجرد طائرات سوخوي رابضة هناك ونادرا ما تشارك بعمليات ولو انها بدأت الٱن بالقصف، إلا أنه لا يوجد لديها ثقل حربي ولا ذخيرة كافية، ولو أرادت الدخول بثقلها في الحرب في سوريا لشكل هذا الأمر عبئ كبير عليها مما سيؤدي بالتأكيد في كشف ظهرها مع أوكرانيا المدعومة أميركيا أما حاضنتها إيران التي دعمتها بمليشياتها والتي استقدمتها من باكستان وافغانستان وغيرها، هي في أضعف أيامها. إقتصاديا العقوبات تلاحقها وسياسيا أصبحت مقطعة الأذرع ومهددة بإستمرار نظامها إسرائيليا وأميركيا.

اذا كانت الظروف إجتمعت لانطلاق المعارضة السورية بعملية “فجر الحرية”؛ فهذا لا يشكل دليل على أنها مدعومة إسرائيليا خاصة ان اسرائيل أعربت عن قلقها من تحول السلطة في سوريا من يد نظام مهادن ساكن الجبهات معها منذ نشأته إلى يد حركات مسلحة وفصائل سنية غير واضحة المشروع قد تشكل لها قلقا على حدودها، فلقد ذكر الإعلام الإسرائيلي عن عملية المعارضة حيث ذكر أن المتمردين إستغلوا حقيقة أن الوكلاء المختلفين والذين يدعمون الأسد كانوا مشغولين في أماكن أخرى لذلك شنوا الهجوم، ومع ذلك فإن إسرائيل لم تقصد، فإن غاراتها في سوريا قدمت للفصائل المسلحة الفرصة التي كانوا ينتظرونها، فاللحظة المناسبة للهجوم جاءت عندما كان حزب الله وإيران وأفراد الحرس الثوري في ذروة ضعفهم وكانوا مركزين على تقديم الدعم فقط للبنان في جبهته المفتوحة.

فبعد عملية فجر الحرية ليس كما قبلها بالنسبة للنظام الاسدي الذي نقل رسالة للإسرائيلين عبر السعوديين بأنه مستعد أن يطرد الحرس الثوري من سوريا وأن يفك إرتباطه بإيران وأن يفعل لهم كل ما يريدون من تطبيع وغيره وأن يغير إستراتيجيته التي نادى بها كل هذه السنين في المقاومة والصمود، ليرد عليه ريتشارد غرينيل أحد مستشاري الرئيس ترامب ب “No” ولتغرق بعدها الدواعش الأسدية في جحيم إنقلاب الموازين.