نص وفيديو/من أرشيف اكاديمية بشير الجميل/معركة قلعة تل الزعتر – 1976

193

نص وفيديو/معركة قلعة تل الزعتر – 1976
من أرشيف اكاديمية بشير الجميل

مخيّم ولكنّه ليس كالمخيّمات …
مخيّم القتل والتعذيب …
مخيّم خطف الأبرياء لسحب دمّهم من أجل معالجة جرحاهم (الصليب الأحمر) …
مخيّم الجواسيس والإرهاب …
مخيّم إرهاب اللبنانيّين عامةً والجوار خاصةً …
مخيّم الأنفاق ومعامل الذخيرة والسلاح …
مخيّم الخبراء الأجانب …
إنّه مخيّم تل الزعتر، أحد أكبر المخيّمات الفلسطينيّة المسلحة…
متواجد على بعد 100 كلم من إسرائيل و5 كلم من بيروت…
كيف لمخيّم مدنيّ أن يصمد ستة أشهر حصار و52 يومًا قتال…
باختصار إنّه مخيّم الموت.
ضمّ حوالي 2500 مقاتل فلسطينيّ مع مقاتلين من دول اسلاميّة واشتراكيّة خاصة من ليبيا، مع ما يقارب 15000 من السكان المدنيّين. احتوى على فصائل مختلفة من منظمة التحرير، فتح، الجبهة الشعبيّة -القيادة العامة (أحمد جبريل)، الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين (جورج حبش)، قوات الدفاع الشعبيّ (الحواتمة)، وقوات الصاعقة المواليّة لسوريا.
وقد ساهم خبراء عسكريّون روس بإنشاء ترسانة عسكريّة ضخمة، وتم بناء التحصينات والحصون والقلاع العسكريّة والأنفاق ونظام دفاع متعدد الطبقات والمخابىء ومستودعات الذخيرة ومصنع الأسلحة ومستشفى ميدانيّ. زُوّد بصواريخ أرض-جو وسطح-أرض، وبمدافع مضادة للطائرات وبسلاح عربيّ وسوفياتيّ. جُهّز بالمؤن والغذاء. نحن إذًا أمام مخيّم متين وضخم، سيكون قادرًا على الصمود لأشهر ضد الهجمات المتكررة.
شكل حصنُ تل الزعتر خطرًا وجوديًّا للمناطق المجاورة، وراحت فصائله المسلّحة تقيم حواجزًا لها في محيط وخارج المخيّم وتتصرف على هواها، فتهدّد وتخطف وتقتل من تريد، دون أي حسبان. زادت خطورة هذا المخيّم بعد أن شكّل مع باقي المخيّمات (النبعة، ضبيّة، الكرنتينا، جسر الباشا، صبرا وشاتيلا)، حصارًا على بيروت المركزيّة، وتهديدًا مباشرًا للسيطرة على المنطقة الشرقيّة. صدر قرار القضاء على هذا المخيّم مهما كانت التكاليف والتضحيات، فلبّ النداء كل شباب وأهالي المناطق المجاورة وأحزاب وتنظيمات المقاومة اللبنانيّة دون تردد.
في 4 من كانون الثاني 1976، طوّقت القوى اللبنانيّة مخيّم تل الزعتر. على الرغم من الدعوات العديدة للفلسطينيّين للاستسلام، شعر عرفات أنّ هزيمة عسكريّة كبيرة ستؤدي إلى نصرٍ سياسيٍ، لذلك دعا من هم داخل المخيّم إلى مواصلة القتال، وباختصار أراد عرفات أكبر عدد ممكن من الضحايا الفلسطينيّين. وناشد عرفات مقاتليه تحويل تل الزعتر إلى “ستالينجراد”.
في 7 كانون الثاني 1976، هاجمت قوة قوامها 1200 فلسطينيّ آتية من الجنوب، منطقة حرش تابت من ناحية بيروت الغربيّة في محاولة للوصول إلى تل الزعتر وكسر الحصار. ودارت معارك ضارية بين الكتائب والفدائيّين الفلسطينيّين في الشوارع. بعد ثلاثة أيام من القتال الكثيف، تم صد الهجوم الفلسطينيّ.
جاء يوم 22 حزيران 1976، وبعد استمرار الحصار حوالي ستة أشهر، وبعد فشل مفاوضات الاستسلام، هاجم مقاتلون من حزب الوطنيّين الأحرار بقيادة أمين الدفاع الشهيد داني شمعون، بالإضافة إلى مقاتلين من حراس الأرز بقيادة إتيان صقر وحركة الشبيبة اللبنانيّة بقيادة مارون خوري المعروف بالباش مارون، وحزب التنظيم بقيادة جورج عدوان وفوزي محفوظ، والجيش اللبنانيّ بقيادة انطوان بركات وفؤاد مالك. أمّا الكتائب، وبعد استكمال تحضيراتها، دخلت المعركة بعد يومين بقيادة الشهيد وليم حاوي.
في محاولة لتخفيف الضغط عن معركة تل الزعتر، فتحت القوى الفلسطينيّة واليساريّة جبهات شكا في 5 تموز، والأسواق التجارية في 8 تموز.
في 13 تموز 1976، استشهد وليم حاوي قائد القوى النظاميّة الكتائبيّة برصاص قناص فلسطينيّ بينما كان يتفقد قواته على أطراف المعسكر. تولى بشير الجميل القيادة من بعده. إنّ استشهاده جعل المقاومة اللبنانيّة تصعد قتالها لتحرير المخيم.
في 11 آب 1976، تمّ الاتفاق برعاية قوات الردع العربيّة بإخراج المدنيّين بواسطة الصليب الأحمر الدوليّ وبقاء المقاتلين. وفي 12 آب، اجتاحت المقاومة اللبنانيّة المخيّم بعد حصار دام 52 يومًا، منهية بذلك مرحلة مؤلمة ودمويّة ومخيفة. وقد عُثر داخل المخيّم على الكثير من الأسلحة والتجهيزات والذخائر والخرائط والدهاليز وقُبض على جواسيس أجانب.
وهذا ما يؤكد أنَّ الفلسطينيّ كان يتحين الفرصة لينقض عليّنا، لا كما صُوّر لاحقًا بأنّه كان الضحيّة. لا ما كان يومًا ضحيّة. فكيف يمكن لمخيم يسكنه مدنيّون أن يضمَ هذا الكم الهائل من الأسلحة والتحصينات، لو لم تكن هناك إرادة فلسطينيّة واضحة بالقتال والسيطرة على الأرض والدولة؟
سقط مخيّم تل الزعتر ولكن هناك الأبعد من سقوطه وهو ظهور ياسر عرفات على حقيقته. كتب جون بولوك، مراسل الديلي تلغراف في بيروت في ذلك الوقت: “أمر القادة الفلسطينيّون مدفعيتهم بفتح النار على أطراف المخيّم بهدف ظاهريٍّ يتمثل في إعاقة المهاجمين ومساعدة من بداخله؛ وبدلًا من ذلك، كانت القذائف تنزل على المئات الّذين حاولوا الهروب من داخل المخيّم. لم يأبه الفلسطينيّون لذلك ولم يوقفوا نيران مدفيعتهم: أرادوا شهداء”.
في مقابلة أسبوعيّة في لوس أنجلوس نُشرت في 30 أيار 2002، يتذكر روبرت فيسك أنَّ “عرفات شخص غير أخلاقيّ للغاية. رجل ساخر للغاية. أتذكر عندما اضطر مخيّم تل الزعتر في بيروت إلى الاستسلام للقوات المسيحيّة في الحرب الأهليّة اللبنانيّة. لقد تم منحهم الإذن بالاستسلام مع وقف إطلاق النار. ولكن في اللحظة الأخيرة، طلب عرفات من رجاله فتح النار على القوات المسيحيّة الّتي كانت قادمة لقبول الاستسلام وعلى الفلسطينيّين أيضًا لأنّه أراد المزيد من الشهداء لاستجداء عطف الرأي العام العربيّ والدوليّ”.
كتب فيسك أيضًا في سيرته الذاتيّة عن ياسر عرفات الثوريّ المكسور:”عندما احتاج عرفات إلى شهداء عام 1976، دعا إلى هدنة حول مخيّم تل الزعتر المحاصر، ثم أمر قادته في المخيم بإطلاق النار. ونتيجة لذلك، شقّت المقاومة اللبنانيّة طريقها إلى تل الزعتر. فتح عرفات “قرية شهداء” لأرامل المخيّمات في الدامور المسيحيّة المنهوبة. في الزيارة الأولى، قامت الأرامل برشقه بالحجارة والفاكهة المتعفنة. وأمر الصحفيّون بالابتعاد تحت تهديد السلاح”.
كان ‏المخيّم قلعة مسلحة وحصن منيع، يسكنه عدد هائل من المقاتلين، ولعلّ المفارقة في هذا الحدث أنّ الميليشيات الفلسطينيّة بقيادة ياسر عرفات، الّتي ادّعت أنّها الضحيّة وأنّها ضد الجرائم الّتي حصلت بحق شعبها وتهجيره، قامت بتجهيز مخيّمات مسلحة بهدف تهجير اللبنانيّين لتوطين المهاجرين الفلسطينيّين مكانهم.
12 آب 1976، تاريخٌ مجيدٌ في روزنامة المقاومة اللبنانية. يومها سقط مخيّم الموت ومعه سقطت أسطورة ياسر عرفات لتظهر حقيقة وجهه المزيّف.
#بشير_الجميل
#اكاديمية_بشير_الجميل
#معركة_تل_الزعتر
#مخيم_تل_الزعتر
#لبنان_1976