بيروت على درب عواصم الممانعة
العميد الركن خالد حماده/اللواء/23 نيسان/19
مسيرة إعداد الموازنة اللبنانية تتوالى فصولاً دون أن تتضح معالم سياسة التقشف التي ستعتمدها الحكومة، وهي لم تتوقف خلال عطلة عيد الفصح بل دخلت البطريركية المارونية على الخط على لسان سيّدها، كما استعمل رئيس الجمهورية منبرها ليطلق سهامه باتّجاه رئيس الحكومة ووزير المالية من دون أن يسميهما: «ومن ليس لديه الخبرة لإنهائها بسرعة فليتفضّل إلى بعبدا ونحن نقوم بإنهائها له. لأن ليس من المقبول أن تبقى الأمور سائرة بهذه الوتيرة البطيئة»… الرئيس عون المستمر دائماً بالتعامل مع الحكومة وكأنّها أحد أجنحة القصر الرئاسي ردّ عليه تيار رئيس الحكومة مستعملاً التجاهل عينه: «لا نريد الدخول في سجالات والوقت هو للعمل لا لتبادل الكلام عبر المنابر والعمل على الموازنة جارٍ بكل جديّة».
إذا كانت خطة الكهرباء التي أُقرّت من دون تعيين هيئة ناظمة ومجلس إدارة للكهرباء هي النموذج الذي سيُعتمد، وإذا كان كلّ ما رشَحَ حتى الآن من إجراءات للحدّ من الهدر لا يعدو كونه إلتفافاً على الأرقام ومحاولات لتخفيض الرواتب وتخفيض الأموال المخصّصة لتشغيل الوزارات، من دون أن يلامس لا من قريب أو من بعيد الشروط المطلوبة من البنك الدولي لضبط الحدود وإقفال المعابر غير الشرعية ووقف التهريب عبر المرفأ والمطار، والتي تلتقي في الوقت عينه مع برنامج العقوبات الأميركية على إيران، فما جدوى الإستعجال في إقرار موازنة تعتدي على ما تبقى من الطبقة الوسطى في القطاعين العام والخاص ولا تتقيّد بالشروط المطلوبة في مؤتمر سيدر وتضع لبنان في مواجهة العقوبات الدوليّة؟
إنّ ازدواجية الموقف تعكس عدم الرغبة في تطبيق الإجراءات المطلوبة عند فريق رئيس الجمهورية وحلفائه وإصراراً على عدم الخروج من دائرة الصراع الإقليمي، كما تعكس عدم قدرة فريق رئيس الحكومة وحلفائه في جعل هذه الإجراءات جزءاً من الإصلاحات التي ستتضمّنها موازنة 2019.
على المقلب الأميركي وفي مسار حُزمة العقوبات الجديدة على إيران التي سيبدأ تطبيقها في الثاني من شهر أيار المقبل، صرّح وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، يوم أمس: «لن نمنح أية إعفاءات لصادرات النفط الإيراني»، مشدّدا على أنّ واشنطن تعمل على وقف كلّ صادرات النفط الإيرانية التي تشكّل 80 بالمئة من الدخل القومي، موضحاً أنّ بلاده والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ستؤمّن ثبات الأسواق. وفي الإطار عينه لفت براين هوك، المبعوث الأميركي حول الملف الإيراني، أنّ وضع الحدّ الأقصى من العقوبات والتضييق الحالي على طهران يهدف لإجبارها على الرضوخ للمفاوضات ووقف تمويل التنظيمات التي تدعمها.
تدخل إيران مع العقوبات الجديدة مرحلة صعبة وغير مسبوقة في تاريخها الحديث، مع استهداف أهم مصادر دخلها واستهداف حرسها الثوري والميليشيات المرتبطة به في أقسى الظروف السياسية والإقتصادية. ويخشى النظام في طهران خروج ثورات الجياع في ظلّ العقوبات وفي أعقاب الزلازل والفيضانات التي مرّت بها الجمهورية الإسلامية. وتظهر نتائج العقوبات في سوريا التي لم تقوَ على الخروج من دائرة النفوذ الإيراني حيث تطبّق أقسى تدابير التقشف إذ يقف السوريون أرتالاً أمام محطات الوقود وقد تشمل الأزمة سلعاً أخرى مع استمرارها، كما يعيش العراق الذي يتنقل رئيس حكومته بين القاهرة والرياض ذروة صراع إيراني – سعودي على أرضه.
تقف طهران أمام خيارين لا ثالث لهما المواجهة أو المفاوضات، وتنضمّ إليها تباعاً العواصم التي تغنّى قاسم سليماني يوماً أنّها تقع تحت سيطرة جمهورية ولاية الفقيه، فهل تحبط إزدواجية المواقف في لبنان عزيمة المجتمع الدولي لمساعدته وتتحمّل بيروت تبِعات الانضمام لعواصم الممانعة؟؟؟
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات