عبدالله بن بجاد العتيبي/الحوثيون دواعش اليمن

349

الحوثيون «دواعش» اليمن

عبدالله بن بجاد العتيبي/الشرق الأوسط/28 أيلول/14

تناقلت وسائل الإعلام صورتين معبرتين عن أوضاع بعض الجمهوريات العربية التي استقرت فيها الفوضى بعد ما كان يعرف بالربيع العربي؛ صورة من ليبيا، وأخرى من اليمن، في الأولى يتقافز المتوحشون الأصوليون السنة من مبنى السفارة الأميركية إلى مسبح السفارة بعد الاستيلاء عليها، وفي الثانية يتقافز المتوحشون الأصوليون الحوثيون الشيعة في مسبح منزل اللواء حميد الأحمر بعد استيلائهم عليه.

التصور الكبير المسيطر عند ذكر الربيع العربي أصبح مرتبطًا بصور المتوحشين المسلحين البرابرة من الأصوليين سنةً وشيعةً، وهو تصورٌ لا ينفك عن صور الدماء والأشلاء والجماجم، وهو ما يشكل طعنةً في الوعي لكل من غره وخدعه سراب الربيع الفاشل.

كما قيل من قبل فقد تفجرت كل الإحن والأحقاد التاريخية وانبعثت كل الانتماءات الهوياتية المتخلفة من دينية وطائفية ومذهبية وعرقية، وأصبحت هي التي تحدد أولويات السياسة والشعوب في المنطقة والعالم، وأصبح الإعلام يتناقل ذلك العفن الخارج من دفاتر التاريخ لأن الخبر الصادم هو الخبر.

دولة «داعش» في العراق والشام شكلت تفرعًا أكثر توحشًا من تنظيم القاعدة، وكان لا بد أن يتم القضاء عليها، والتحالف الدولي يرجع الفضل في تشكيله لدول التحالف العربي المظفر سعوديًا ومصريًا وإماراتيًا، فهذه الدول هي التي قادت الجهود الدبلوماسية لإنجاح هذا التحالف ولإقناع الولايات المتحدة والرئيس المتردد باراك أوباما بخوض حربٍ على الإرهاب تعاكس كل انعزاليته وتردده.

إن الدول العربية هي التي تصطلي بنار الإرهاب، والتاريخ يخبرنا أن نار الإرهاب لا تعرف حدودًا، بل سرعان ما تملأ الأرض خرابًا ودمارًا، وقد كان هذا باعثًا حقيقيًا لقبول الدول الغربية بضرورة إقامة هذا التحالف الدولي.

لقد كان هذا كلّه واضحًا منذ البداية لمن امتلك الوعي الكافي والرؤية الصائبة، وهو ما عبّرت عنه المواقف السياسية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وها هما تحصدان مكاسب الوعي والرؤية الصحيحة، فمصر عادت لعمقها العربي وأقرّ العالم أجمع بالدولة المصرية الجديدة أو دولة ما بعد الأصولية.

كان بشار الأسد في غفلة عن حكمة التاريخ وفي عمى الغرور حين وصف دول الخليج بـ«أنصاف الرجال»، وها هم الرجال الحقيقيون والطيارون السعوديون والإماراتيون يقصفون «داعش» الإرهاب والظلام والتوحش التي خلقها بشار على عينه فوق أرضه وفي بلاده، وتشارك بنات الرجال في ذات القصف، حيث شاركت الرائد طيار مريم المنصوري في دك معاقل التنظيم في سوريا.

مخطئ من يحسب أن هذا التحالف يخوض حربًا سريعةً وينتهي، فهو تحالف باقٍ ويتمدد فعلًا وواقعًا وليس كشعار «داعش» البئيس، والهدف المحدد له هو القضاء على الإرهاب من كل صنفٍ ولونٍ، ونتائجه يجب أن تشمل إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، وبخاصة في العراق وسوريا، بحيث تستعيد الدولة هناك دورها وتفرض هيبتها وتحافظ على استقلالها وسيادتها على أراضيها دون تدخلاتٍ خارجيةٍ أو خياناتٍ داخليةٍ، ذلك أن الحروب على طول التاريخ وعرض الجغرافيا لا تخاض لوجه الحروب فقط، بل تخاض لأجل أهداف سياسيةٍ أو مصالح اقتصادية أو غايات آيديولوجية.

من ناحيةٍ أخرى وكواحدةٍ من أسوأ نتائج الربيع الزائف، فقد سقطت صنعاء عاصمة اليمن تحت سيطرة جماعة الحوثي، وهي جماعةٌ أصوليةٌ متوحشةٌ وإرهابيةٌ، وهي تمثل نموذجًا يشابه ولا يطابق «حزب الله» في لبنان، هي جماعة آيديولوجيةٌ سياسيةٌ مسلحةٌ، وهي بنيت من الأساس برؤيةٍ ودعمٍ وتدريبٍ وتسليحٍ إيراني بالكامل، ودخولها صنعاء يشبه دخول «داعش» لبغداد فيما لو حصل.

لا توجد سياسةٌ بلا تعقيداتٍ، ولكن تعقيدات اليمن كبيرةٌ ومتداخلةٌ، وهي تتراوح في التأثير بين الصعود والهبوط بحسب كل فترةٍ زمنيةٍ محددةٍ، في التعقيدات الطائفية فقد ظل اليمن تاريخيًا يتراوح بين السنة الشافعية والزيدية، وحركة الحوثي تمتلك مخيلةً لحكم اليمن واستعادة الإمامة فيه، ولكن هذه المرة للسادة الحوثيين بعد تحولهم للاثني عشرية.

لمعرفة البعد الطائفي والآيديولوجي للحوثيين فإن محاضرات حسين بدر الدين الحوثي في تفسير القرآن التي تم تفريغها في كتابٍ مصوّرٍ تحت اسم «من هدي القرآن الكريم» توحي بالطريق الذي سلكه الحوثي في التبرير لجماعته، فهو ينطلق من نصوص القرآن التي تحث على اتباع الرسول الكريم، ومن ثمّ ينقل دلالات تلك النصوص من الرسول إلى أهل البيت، ويقول: «إذا كنا نحن، ونحن الشيعة»، وينقل بإعجابٍ كبيرٍ بعض مقولات الخميني ويبني عليها حتى يصل إلى أن السادة الحوثيين لهم حقٌ خاص في الاتباع الديني والقيادة السياسية.

نحن أمام نسخةٍ خاصة من الإسلام السياسي الشيعي تجمع كل مساوئ الإسلام السياسي وتضيف إليها الطائفية المتوحشة والمسلحة وادّعاء الحق الإلهي في قيادة الشعب دينيًا وسياسيًا، وهي نسخةٌ خاصة من الزيدية اتجهت نحو التشيع على عكس ماضي فقهاء الزيدية الكبار كابن الوزير والشوكاني والصنعاني وغيرهم الذين كانوا يتجهون للتسنن.

هذه واحدةٌ من التعقيدات الكبرى في اليمن، والتعقيدات الأخرى لا تقل عنها أهمية كالتعقيدات القبلية بين قبائل «بكيل» وقبائل «حاشد» وبين القبائل المتفرعة عن كلٍ منهما، والتي تعد بالمئات، وهي قبائل متعددة الاتجاهات الطائفية والمذهبية وتنتشر بينها صراعاتٌ كبرى وصغرى، وقد احتفظ شيوخ القبائل عبر قرونٍ بحقهم في أدوارٍ سياسيةٍ تكبر وتصغر بحسب الكثير من المعطيات.

وهناك تعقيدات الانتماءات السياسية الحديثة مثل القومية والبعثية والإسلام السياسي، وكذلك الاشتراكية، وهي ممثلة بأحزاب سياسيةٍ كحزب المؤتمر، وحزب الإصلاح، والحزب الاشتراكي، وغيرها، كما أن البعض يطالب بانفصال اليمن الجنوبي، والبعض الآخر يصر على الوحدة، وهناك وجود قوي لتنظيم القاعدة في اليمن.

قد يجادل البعض بأن هذه التعقيدات موجودةٌ في بعض الدول العربية، وهذا صحيحٌ، ولكنها في اليمن أكثر خطورةً بسبب قدرتها جميعًا على التأثير السياسي والأمني، وبخاصة في حالات ضعف الدولة وتفكك مؤسساتها كما هو الحالي اليوم هناك.

تحدث الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بحديث مهم في الكلمة التي ألقاها بالمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في مدينة نيويورك الأسبوع الماضي محذرًا من أن «الوضع اليوم خطير للغاية، فبعد أن كان الإرهاب خلايا أصبح جيوشًا.. وأصبح يشكل طوقا خطيرا يمتد ليشمل كلا من ليبيا ولبنان وسوريا والعراق واليمن».

أخيرًا، فإن مواجهة الإرهاب يجب أن تكون ضمن استراتيجية دوليةٍ محكمةٍ وطويلة الأمد، والحوثيون هم «دواعش» اليمن.