الرئيس سليمان لـ”النهار”: “حزب الله” لم يستشر أحداً حين ذهب إلى سوريا سنشكّل إطاراً سياسياً يستكمل دفع الملفات الوطنية وأوّلها “إعلان بعبدا”
عباس صالح/النهار
28 تموز 2014
لم يخرج الرئيس ميشال سليمان عن ثوابته الوطنية والسياسية قيد أنملة. يجلس في شقته المطلة من اليرزة على مبنى وزارة الدفاع، وعلى القصر الجمهوري في بعبدا، متأملاً في تاريخه الحافل بالذكريات في هذين المبنيين اللذين كان سيدهما لـ16 عاماً، بعدما امضى ما يزيد على الاربعة عقود في خدمة الدولة، متكئاً على ماضيه الجميل، ليقرأ من خلاله في مستقبل لبنان الواقع على تقاطع أزمات المنطقة.
في جلسة قلّبنا معه فيها الذكريات القريبة، سألنا الرئيس سليمان الذي بقي مصرّا على رفضه لتمديد ولايته الرئاسية حتى اللحظة الاخيرة، رغم كل المغريات، عن جدوى إنشائه إطاراً سياسياً جديداً وما يمكن ان يتمايز به في ظل وجود عدد كبير جداً من الاحزاب اللبنانية والاطر الاخرى، فقال: “ليس التمايز هدفا، ووجود أكثر من جهة سياسية يصب في هدف وطني واحد هو المصلحة الوطنية، ليس مشكلة، فأنا اعتبر ان الوطن أعطاني كثيرا والآن جاء الوقت لكي أكمل ما اعطيه بدوري لوطني”.
نَلِج في حديثنا الخاص بـ”النهار” الى ما لا يرغب سليمان في ان يسميه انجازات خلال عهديه في قيادة الجيش اولا ثم في رئاسة الجمهورية، فيقول: “هناك كثير من القرارات يرتاح ضميري لكوني اتخذتها، منها عودة الجيش الى الجنوب، ومحاربة الارهاب، والحفاظ على حرية التعبير في مرحلة خطرة من تاريخ لبنان. وفي مرحلة الرئاسة، ملفات كثيرة وكبيرة منها سيادة الدولة على سياستها الخارجية، والتوافق على اعلان بعبدا، واطلاق مسودة الاستراتيجية الدفاعية، (واعلان بعبدا شكّل غطاء سياسياً للاستراتيجية الدفاعية) وقرارات المجموعة الدولية “(I. E. S. G) في نيويورك وباريس، واطلاق عملية دعم الجيش، التي ظهرت في الهبة السعودية وفي مؤتمر ايطاليا) وهي بند من قرارات المجموعة الدولية)، وهناك مشاريع عدة كمشروعي انتخابات نسبية للنيابة وللبلديات، ومشروع اللامركزية الادارية، ومشروع اقرار الشركة بين القطاعين الخاص والعام، ومشروع تصحيح الاشكالات الدستورية، الذي يحتاج الى توافق وطني كبير”.
اذاً، يبدو ان الاطار السياسي الذي يعمل الرئيس على انشائه سيكون بمثابة منبر لاستكمال هذه الملفات وغيرها، سواء كان تياراً او حزباً او جبهة سياسية تضم فئات اخرى، باعتبار ان الشكل النهائي لذلك الاطار لم يقرر بعد. يقول: “واجباتي ان أدعم هذه الملفات الوطنية التي عددتها، سواء من خلال حزب او جبهة او حركة سياسية او غيره، لان دعمها واجب، وهناك الكثير ممن يريدون اعلان بعبدا والكثير ممن يريدون الاستراتيجية الدفاعية. وانا هنا لا أكون متمايزاً، بل يمكن ان أُشكل دفعاً اضافياً لمن يطالبون بهذه الملفات”.
ظروف “إعلان بعبدا”
عن اصراره على “اعلان بعبدا” الذي انقسم اللبنانيون حوله الى ضفتين يقول سليمان: “لو ظهر الخلاف في وقته لما كان ظهر اعلان بعبدا، والحقيقة ان فكرة اعلان بعبدا بدأت بداية مذ ظهر أن ثمة لبنانيين يتوجهون الى سوريا وخصوصاً من الشمال، ليساعدوا المعارضة السورية، وتم الامساك ببواخر السلاح في حينه، وهذا ما دعاني بداية الى ان أقوم بجولة على دول الخليج لأقول لهم: لا تستعملوا لبنان ممراً لتسليح المعارضة السورية، وكان لديّ اصرار في حين لم يكن لديهم فكرة عما يمكن ان ينتجه ذلك من انعكاسات على لبنان، وشرحت لهم ان المناطق الحدودية في لبنان متنوعة بالسياسة وبالطوائف، وان اي عمل من هذا النوع يؤدي الى اشكالية تعكس الاحداث السورية على الداخل اللبناني، وبذلك تفهّموا حقيقة الموضوع، وتوقف استعمال لبنان في هذا السياق منذ تلك الجولة. وبينما كنت ادعو الى الحوار، تزامنت دعوتي مع تشجيع سعودي على الحوار، وهذا ما فاجأ الجميع. وخلال الحوار عرضنا للفكرة التي نشأ منها اعلان بعبدا، وكانت تهدف الى إيقاف التورط اللبناني في سوريا مع المعارضة. وحين اصدرنا الاعلان، ضمنَّاه كل شيء عن الطائف، والاقتصاد، وسيادة الدولة، وصولاً الى تحييد لبنان عن الصراع السوري، وصارت مناقشة لضرورة الابتعاد عن كلمة حياد لبنان لكي لا يفهم منها حياد عن الصراع مع اسرائيل. واعتمدنا عبارة تحييد لبنان عن الازمة السورية، وكان نقاش للقرار 1701 ومندرجاته من فريق معين، بينما كان الفريق الآخر يتكلم على الطائف واشكالاته الدستورية، وصار التعديل هنا بهذين البندين، ولم يناقش احد البند المتعلق بتحييد لبنان، وعاد الرئيس نبيه بري وقرأ الاعلان اكثر من مرة ووافق الجميع وقلنا اننا سنبلغه الى المرجعيات الدولية، ورحب الجميع. وفي جلسة ثانية تطرقنا الى اعلان بعبدا، وشددنا عليه في بيان الجلسة التي تلت اقراره، وبعد ذلك وقعنا في مشكلة كبيرة بعد الدخول العلني والكبير لـ”حزب الله” في الاحداث السورية. وكنا قبل ذلك نعطي الأوامر الصريحة للجيش بأن يتصدى لمن يذهبون للقتال الى جانب المعارضة في سوريا ويطاردهم، وكانوا افراداً ومجموعات صغيرة، لكن حين ذهب الحزب بثقله الى سوريا لم تعد المصلحة الوطنية تقضي إلا بأن نتفاهم على القضية، لاننا لا نريد اشتباكا بين الجيش والحزب من جراء ذلك. وهنا وقعنا في حيرة وتخربطت المفاهيم الخاصة حول كيفية اتخاذ القرار السياسي على مستوى الدولة واعطائه للجيش، وعجزنا عن حسم هذا الموضوع لانه كان صعباً”.
سألناه عن قراءته لأسباب مقاطعة شخصيات سياسية له كالرئيس بري والنائب ميشال عون وقيادة “حزب الله”، خلال المرحلة الأخيرة، فأجاب: “الرئيس بري لا يزال يصر على تأييده اعلان بعبدا حتى الآن، ولم يعلن رفضه له. اما موضوع الزيارات فهو يقول ان عدم زيارته لبعبدا كان لدواع أمنية. وانا ارى انه صادق في ذلك، لانه في المحطات الاساسية لم يقاطع بعبدا، علماً انه ليس مضطراً الى أن يزور رئيس الجمهورية كل اسبوع. اما النائب ميشال عون فلم تكن فترتي الرئاسية شهر عسل بيني وبينه، وصدقني لا أعرف السبب، إسأله هو. طبعاً التهمة كانت انني احاول عرقلة مصالحه في الدولة وتبين ان هذا الكلام غير صحيح حين تألفت الحكومة وحصلت كل التعيينات وفقا للآلية التي كنت أصر عليها، وهذا كان مطلبي، ولم يكن عندي شيء غير ذلك”.
“المعادلة الخشبية”
وحين سألناه عن “حزب الله” قال: “لم يكن لدى الحزب اي ملاحظات على أدائي في هذا الموضوع، الا بعد إصرارنا على الانسحاب من سوريا وفقاً لمندرجات اعلان بعبدا، وحول موضوع المعادلة الخشبية الذي حكي عنه طويلاً، علماً انني لم أصف المقاومة بالخشبية في ذلك الخطاب، بل وصفت المعادلة الثلاثية في حينه بالخشبية، وطبعاً تلك المعادلة كانت ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”. وانا قلت هذه المعادلة ككل باتت خشبية باعتبار انه لا يجوز ان تعرقل البيان الوزاري. هذا ما قصدته، اما في المضمون الفعلي فهم الذين كسروا هذه المعادلة، حين اتخذوا قراراً منفرداً بادخال المقاومة في الحرب السورية، باعتبار انه حين نكون ثلاثة واقوم بعمل منفرد وحدي، فمن الطبيعي اننا لن نعود في معادلة ثلاثية. بمعنى آخر، حين أراد “حزب الله” ان يذهب الى سوريا بهذا الشكل المنظم والمدروس والذي اتخذ فيه قرار كبير على أعلى المستويات، كنت اريد الا يحصل ذلك من دون استشارة رئيسي الدولة والحكومة اللذين يمثلان الشعب، لنرى ما اذا كان الجيش يستطيع ان يتحمل انعكاسات هذا التدخل. اذاً هم الذين اخلّوا بالثلاثية، ولذلك فإنه حين تخلى فريق عن اعلان بعبدا، وطالبوني بألا أصرّ على الموضوع لكي لا يفشل البيان الوزاري يومها، وافقت على ذلك لكنني قلت فلنتخلّ إذاً عن المعادلات الخشبية، التي تعوق صدور البيان الوزاري، ولا مشكلة في عدم وضع اعلان بعبدا في البيان الوزاري لانه اصبح اقوى من ذلك، صار وثيقة دولية. وهم اجتزأوا شيئاً من مطالباتي، واستاؤوا، وقد يكون من حقهم بالسياسة ان يستاؤوا، لمَ لا؟”.
ولدى توجهنا الى سليمان بسؤال افتراضي: اذا عُرض تعديل الدستور لاعادة انتخابك لولاية جديدة هل توافق؟ قال: “عندما يعدل الدستور ويصبح من حقي ان أترشح، أنظر حينها اذا كان معي أكثرية عددية بين النواب، واذا وجدت ان من ينتخبونني اكثرية، لِمَ لا؟. طبعاً اترشح مع آخرين. لكن الأهم ان يكون ثمة مرشحون ضدي. بمعنى ان لا تكون عملية تمديد. نعم أقبل في حينها بذلك، ولكن كما أنا 24 قيراطاً. والمواقف التي اتخذتها، اتمسك بها وستكون هي نقاط خطاب القسم، لأنني اطلب الآن ان ترد هذه المواقف في خطاب قسم اي رئيس جديد سيأتي، فكيف اذا كنت انا؟ مع أن هذا الأمر مستحيل، لأنه اصلاً اذا كان هناك مرشحون آخرون فمن المؤكد انهم لن يعيدوا انتخابي، ولن يكون معي اكثرية”.