السفير د. هشام حمدان/هذا ما فعله “إيرانيو لبنان” بالسعودية: أيها السعوديون سامحونا

125

هذا ما فعله “إيرانيو لبنان” بالسعودية: أيها السعوديون سامحونا
السفير د. هشام حمدان/جنوبية/25 نيسان/2021

من واجبنا أن نحني رؤوسنا كلبنانيين، خجلا أمام أشقائنا في السعودية. فماذا فعلوا لنا طوال تاريخنا الطويل من العلاقات الثنائية، لكي يعمل بعضنا على تدمير مجتمعهم وقيمهم ووطنهم؟ ؟ لماذا أيها اللبناني تسمح لنفسك أن تطعن شعبا لم يتأخر يوما عن نجدتك؟ هم فتحوا لنا ومن دون أي تمييز، أبواب وطنهم. أغدقوا علينا المحبة والتضامن والكرم. حملوا وطننا في قلوبهم لعقود طويلة، وما زالوا. كانوا وأخوانهم من أهل الخليج، المنقذ لاقتصادنا. دافعوا عنّا في كل المحافل وحملوا همومنا إلى كل مكان. لم يكن لهم أي غرض لدينا. لم يتدخلوا في شؤوننا إلا لمساعدتنا على التقارب وإعادة التلاحم فيما بيننا. ساهموا بإطفاء الحريق المشتعل في بلادنا، وبانتشالنا من بين الرماد، وإعادة الأمل إلينا. فهل هكذا نكافئهم؟ نرسل لهم الكبتاغون؟

تحمّلنا السعوديون طويلا. فنحن الذين جعلنا بلدنا ساحة مستباحة لإيران، تخدع أهل العرب برجالاتها فيه، وبشعارات المقاومة ضد “إسرائيل والشيطان الأكبر”، فيما تغذي الفكر المذهبي الطائفي المقيت. شعارات المقاومة الزائفة اخذت بعضنا لخدمة مشروع أحقادها العميق، ضد جيرانها في الخليج. إسرائيل هي عدو تكتيكي لإيران فاستخدمت الفكرة وعلى حساب أهلنا، لتقسيم الشارع السني العربي لا أكثر. إسرائيل ليست عدوها بل السعودية. إيران قالت في كل محافل العالم، أنها لا تحمل العداء لإسرائيل، وتريد السلام. تلعب دورين. هي تعرف أيّة خدمة قدمتها للقيادة الإسرائيلية المتطرفة. وكل ما تطالب به الآن بعد أن ساهمت في تدمير القوميّة العربيّة، وتفتيت الدول العربية، بالثمن المقابل.

نحن في لبنان، نعيش في مجاهل الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وتحجرنا هناك. بل أننا نريد أن نعود 1400 سنة إلى الماضي، فنستعيد تاريخ حروب معاوية على أهل البيت. والمضحك المبكي أننا نصدق أنفسنا. ونعتقد انه يمكننا أن نغيّر العالم. فأمين عام حزب إيران يبشرنا بالدولة الإسلامية التي يحكمها ولي الزمان عبر الولي الفقيه. والناس تصفق. ويغضبون عندما نقول لهم حزب إيران. هم الذين يتنفسون هواء إيران وحملوا لنا فيروس كورونا منها، ويقبضون أموالها ويقاتلون بسلاحها ويتداوون بدوائها.

هل ستدير السعودية ظهرها للبنان؟ السعوديون وكذلك اهل الخليج، يدركون لعبة الأمم وخاصة بعد تحولات العالم منذ نهاية الحرب الباردة. وهم يتأقلمون مع المتغيرات. هم يدركون تماما أن لبنان هو الآن ساحة الحروب الرئيسية الجارية بين دول المنطقة والعالم، لرسم آخر مراحل خارطة الشرق الأوسط الجديد. ويعلمون أكثر، أنه لم يعد لديهم يد في صناعة القرار السياسي في البلاد. ففي هذه المرحلة من لعبة الأمم، صار القرار بأيدي الدول الكبرى. كل أركان السلطة في لبنان، ممن ما زالوا يقبضون مساعدات مالية من المملكة، لا يأخذون قراراهم منها، بل من القوى الكبرى.

بعض اللبنانيين قبلوا أن يكونوا سلاحا إلى جانب عدوهم إيران، وعليه لا يمكن للسعوديين ان يتعاطوا مع الساحة اللبنانية بحياد، بل من موقع الدفاع عن النفس. السعودية لن تقول لنا أنها أدارت ظهرها وهي لن تفعل. لكنها تقول أنتم الذين أدرتم ظهوركم لوطنكم. وهل مطلوب من السعوديين أن يكونوا لبنانيين أكثر من اللبنانيين؟ قبل ان نسال السعودية عمّا إذا كانت ستدير ظهرها لنا، لنسال أنفسنا ماذا فعلنا من أجل وطننا؟ لنسأل القيادات الروحيّة الحرّة المسؤولة عن بقائنا في نسيجنا الإيماني والوطني الذي ارتضيناه، ماذا فعلت وتفعل لحمايتنا من جرائم رجال السياسة الذين يدمرون هويتنا الوطنية؟ الكلام لا يكفي. المطلوب العمل. أمامهم خيار واحد فقط لاستحقاق احترام السعودية وغيرها ألا وهو مطالبة العالم الجديد في الأمم المتحدة، بأن يحترم قراراته بشأن لبنان ويقوم بتنفيذها.

لا تخافوا جعجعة حزب إيران وتهديداته. لو كان مسموحا أن يذهب لبنان إلى حرب جديدة بيننا لإنسقنا إليها دون تردد. نحن شعب مثل الدمى. فمن قبل أن يحرق وطنه، ويشرد أهله وأولاده، ويدفن تراثه وتاريخه، ويبيع أملاكه ويهاجر، فدى هذا الزعيم وذاك من تجار السياسة والمال، وما زال، سيقبل أن يحرق بيته من جديد من أجل هذا الزعيم نفسه. وهذا الزعيم الذي استمر طالبا في دار الحضانة عند الجار السوري الذي أغدق عليه السلطة والجاه والمال والثروة، سيتابع اللعبة ذاتها. من حظنا أن ذلك الجار، الذي لبس ثياب القوميّة طويلا، واندفع إلى تعزيز نسيجه المذهبي العلوي الشيعي، من خلال دفع الشيعية السياسيّة لتستولي على السلطة في لبنان، قد صار هو أيضا وقودا لفكره الطائفي المذهبي فزال دوره. ومن حظنا أيضا، أن القوى الآخرى لا تريد الحرب. لذلك فحزب إيران لا يملك العمق الذي كان يملكه قبلا. ولا أي غطاء دولي للقيام بتنفيذ تهديداته. هو يعلم أن العالم ينتظره أن يخطئ مثل هذا الخطأ المميت، لينقض عليه ويزيله من جذوره.

لبنان اليوم محمي بقوته الذاتية التي يريد العالم الحفاظ عليها. لبنان هو خيمة للاجئين، وخط للدفاع الأول ضد الإرهاب. إن تفجّر تضررت أوروبا كلها. كما أن لبنان هو هذا الحضور المسيحي المميّز في الشرق الأوسط. وتدمير لبنان هو تدمير لهذا الحضور، ليس في لبنان فحسب، بل في الشرق برمته. السعودية لم تستخدم المسيحيين في لبنان لإغراضها. ولم تبعث لاجئين إلى أرضه ولا دفعت إرهابيين إلى مخيماته. إيران فعلت. هي زرعت أرضه لاجئين، ودفعت بأعتى المجموعات المسلّحة يتحكمون بالقرار السياسي فيه، ويقيمون الحرب فيه وفقا لمشيئتهم. كما جيّروا المسيحيين، من خلال هذا المايسترو الميكيافيللي جبران باسيل، وجوقته من أهل العائلة وأصحاب المصلحة، لخدمتهم.

سياسة لبنان الخارجية إنحدرت منذ أن وضعت سوريا يدها على لبنان. لكنها انهارت منذ عام 2003 عندما صارت الخارجيّة اللبنانيّة مشاعا للسياسيين. لذلك لا أمل في هذا الوزارة. لبنان اليوم مجرد كيان كرتوني يحميه اللاعبون من الخارج. فلا تنظروا بعتب إلى السعودية إذا مارست حقها بالدفاع عن نفسها. الحمدلله أنها لم تسع أن تستخدم القوّة لذلك، ولم تسع لأقامة حزب لها مقابل حزب إيران. فماذا لو فعلت؟
أيها السعوديون، سامحونا.