عمر سعيد/إلى ولدي في ١٣ نسيان … لم يبق في حلقي إلا كلمتين يا ولدي فاحفظهما: إن الذين عاديناهم في الأمس هم أهلنا، أهلنا، أهلنا، ولا يلام المرء على حب أهله

861

إلى ولدي: في ١٣ نسيان
عمر سعيد/مرصد نيوز/13 نيسان/2021

في ذلك التاريخ يا ولدي، كنت طفلاً أصفق لجدك، الذي توهم أنه على حق، فحمل كلاشنكوفه، وقصد مواقع للجيش اللبناني، أسقطها، ثم سلمها للغريب.
كنا يا ولدي مجانين وحمقى.
نعد علب التونة، والسردين، التي نحصل عليها من المحتل.
موجع أن اخبرك أننا كنا أنذال، لكنها الحقيقة، التي ما كنا نعلمها يا ولدي.
كان أجدادنا بسطاء، أوفدوا إليهم مشايخ دين من خارج الحدود، علمتهم أن الله قبل الوطن، وأن الدين قبل أسرته، فصدقوا، وراحوا يعتقدون أن ضياع الله في الأرض يتحمل مسؤوليته المسيحي، وأن ضياع الخير يتحمل مسؤوليته المسيحي، وأن ضياع فلسطين مسؤول عنه المسيحي!
وصار أجدادك قطاع طرق، يقطعون الطريق على أخيهم، وفقا لمذهبه في الهوية.

وزاد الغباء طامتنا الكبرى، فاجتمعت كل بنادق التحرير، وقد ادارت فوهاتها شمالاً، صوب قلب لبنان.
وباتت بكفيا وجونية وبيت مرى وبرمانا كسروان وبسكنتا وزحلة وبشري وكل تلك البلدات التي كنت تقول لي كلما مررنا بها: يا ليتنا خلقنا هنا” باتت كلها حجار عثرة في طريق الذاهبين للصلاة في فلسطين.

وركض أهلنا مع الراكضين، وحرموا على جدران بيوتنا علم لبنان، وحرموا على شوارعنا وسوحنا ومدارسنا علم لبنان. وامتلأت بيوت اهلنا بصور الغرباء يا ولدي، صور الذين كذبوا علينا بكلاشنكوف، وعلبة تونة وسردين، وفيلد عسكري، وبوط تشيكي، لأنه لم يكن يومها “رنجر”..

وغصت شوارعنا بصور عبدالناصر وأبو عمار وحافظ الأسد، وبلغ الأمر بمن هم في سنك أن يشموا أجسادهم بواحدة من تلك الصور.

أذكر يا ولدي أني أكلت كفين من عسكري سوري محتل، لأني رسمت العلم اللبناني على قماشة بحجم الكف، ورفعته على انتين دراجتي الهوائية الصغيرة، كنت أقودها في الحقول، فصاح بي، وقد اعترض طريق عودتي، ومزق علمي الخاص، وراح يناتعني الدراجة، يريد استلابها، وأنا أبكي، وأنادي “يا بيي”.
لقد أفاق جدك يا ولدي على خطئه، لكن إفاقته لم تغير حالاً، لا بل صرنا عملاء.
ورحنا نتنقل بين سجون المحتل، ومخافره.

لذا شتتنا جدك في الأرض، أرسلني إلى العراق، وأرسل أعمامك الأصغر مني إلى كندا.
أبعدنا، لأنه عرف أن بقاءنا سيسلبنا وعينا تجاه وطننا. وهناك في الغربة عرفنا أننا لبنانيون.
ومن هناك تعلمنا يا ولدي أن الذين كانوا أعداء أهلنا هم الذي حفظوا لنا مفاتيح دورنا التي أفرغت من أصحابها.

هناك في الغربة عرفنا يا ولدي أننا لولا بنادقهم التي لا زالوا يعيرون بها، لما عدنا إلى أرضنا
هناك عرفنا يا ولدي أن شيخنا كان كذابا، وقد ظلل باسم الدين جدي ومن بعده أبي، وأنه ما كان همه فلسطين بل كان همه أن يبيعنا بثمن جبته التي لا زال يضلل بها الناس.
ولولا أعداء الأمس يا ولدي لما كنا اليوم هنا..

دعني أوضح لك يا حبيبي أن شيخ الأمس قد غير فقط مصدر تمويله، وتسليحه، وولائه، لكنه لم يتنازل حتى اليوم عن مشروع إسقاط الدولة، تلك التي كلفت أعداءنا بالأمس آلاف الشهداء، ليحفظوها لنا جميعاً.

أعداؤنا بالأمس يا ولدي لم تفرغ ببوتهم من العلم اللبناني، ولا من حبه، وظلت أسطح بيوتهم ومبانيهم تلوح بها عالياً، فيما ظلت أسطح بيوت من أوهمونا أنهم أهلنا تشرق الرايات وتغربها (من غريب وليس غرب).

لذا أوصيك أن تتلو كل ١٣ نيسان رسالتي هذه على أولادك. وأوصهم بفعل ما تفعل، وقل لهم:
إن الذي حفظ لنا فضاءنا وترابه، وروحنا وحريتها هم أعداء الأمس من حملة الصليب، ذاك الذي ظل الشيخ يعلك حقده له عقوداً، دون أن يرف له جفن من الكذب.

لم يبق في حلقي إلا كلمتين يا ولدي فاحفظهما: إن الذين عاديناهم في الأمس هم أهلنا، أهلنا، أهلنا، ولا يلام المرء على حب أهله.
#عمر_سعيد