عظتي البطريرك الراعي والمطران عودة لليوم في أحد شفاء الأعمى/الراعي: أننا نتمسك بالسلام الوطني وبوحدة لبنان تحديدا، نطرح الحياد بثقة وإيمان، وسنواصل العمل لتحقيقه بإرادة داخلية وبدعم عربي ودوليٍ يتجسد في عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان/عوده للمسؤولين: الله يعطيكم فرصة للتوبة فكفوا عن التنكيل بإخوته الصغار

127

عظتي البطريرك الراعي والمطران عودة لليوم أحد شفاء الأعمى
الراعي: أننا نتمسك بالسلام الوطني وبوحدة لبنان تحديدا، نطرح الحياد بثقة وإيمان، وسنواصل العمل لتحقيقه بإرادة داخلية وبدعم عربي ودوليٍ يتجسد في عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان/عوده للمسؤولين: الله يعطيكم فرصة للتوبة فكفوا عن التنكيل بإخوته الصغار

الراعي: تأليف حكومة للبنان فقط لا يستغرق أكثر من 24 ساعة وتحميل الحكومة العتيدة صراعات المنطقة سيؤدي الى الفوضى التي لا ترحم
الأحد 21 آذار 2021
8. ولأننا نتمسك بالسلام الوطني وبوحدة لبنان تحديدا، نطرح الحياد بثقة وإيمان، وسنواصل العمل لتحقيقه بإرادة داخلية وبدعم عربي ودوليٍ يتجسد في عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان. معظم اللبنانيين يريدون الحياد بمفهومه الصحيح، لأنه لصالح الجميع، ولأنه يجمعنا، فيما الانحياز يفرقنا. والحياد هو الحل الوحيد لمنع جميع أشكال التقسيم والانفصال والحكم الذاتي، ولتحقيق سيادة الدولة داخليا وخارجيا. أما المؤتمر الدولي الخاص بلبنان فالغاية منه شفاء لبنان من معاناته الناتجة عن نقص وتحوير في تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، والدستور، وميثاق العيش المشترك، أساس شرعية السلطة في لبنان (مقدمة الدستور “ي”).
9. نسأل الله أن يفتح بصائرنا الداخلية، لنحسن رؤية السير البناء في حياتنا الشخصية والوطنية، رافعين نشيد المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

وطنية – ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي “كابيلا القيامة” عاونه فيه المطرانان الياس سليمان وبيتر كرم، أمين سر البطريرك الاب هادي ضو، المرشد العام لرابطة أخويات لبنان الاب ادمون رزق، بمشاركة عدد من المطارنة والكهنة، في حضور رابطة أخويات لبنان برئاسة المحامي جوزيف عازار، عائلة المرحوم بيار الزغندي وعدد من المؤمنين التزموا الإجراءات الوقائية.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “يا معلم أن أبصر” (مر 10: 51)، قال فيها: “1.عندما سأل يسوع أعمى أريحا: ماذا تريد أن أصنع لك، أجاب بإيمان ومن دون أي تردد: يا معلم، أن أبصر (مر 10: 51). فقال له يسوع: أبصر، إيمانك خلصك. فأبصر ومشى معه، وهو الطريق المؤدي إلى الحقيقة والحياة. وهكذا أثبت يسوع أنه نور العالم (را يو8: 12)، وأن من يتبعه لا يتعثر في الظلام. يسوع هو نور العقول والقلوب والضمائر، نور يمنحنا البصيرة الداخلية التي جعلت أعمى العينين بصيرا حقا، فأدرك أن يسوع الناصري الذي يمر هو بالحقيقة المسيح إبن داود، حامل رحمة الله إلى البشر. ولهذا راح يسترحمه بأعلى صوته: يا يسوع، إبن داود، إرحمني (مر 10: 46). فلنلتمس نحن أيضا من المسيح الرب هذه البصيرة الداخلية التي تميز بها أعمى أريحا، فاستحق الشفاء من عمى عينيه المنطفئتين.
2. يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية التي نحيي فيها الذكرى السبعين لتأسيس رابطة الأخويات. فنوجه التحية للمشرف عليها سيادة أخينا المطران إلياس سليمان، ولمرشدها العام الأب المدبر إدمون رزق المريمي، ورئيس الرابطة الأستاذ جوزف عازار وأعضاء اللجنة الإدارية ورؤساء اللجان المركزية للفرسان والطلائع والشبيبة، ورؤساء اللجان الإقليمية للأخويات الأم والفئات الأخرى، من21 إقليما من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، كما نحيي الكهنة المرشدين المحليين والاقليميين. نشكر الله على الأخويات بكل فئاتها وعلى حضورها الروحي والراعوي والإجتماعي الفاعل في الرعايا والأبرشيات، ونتمنى لها دوام الإزدهار، وتقديس أعضائها.
نذكر في المناسبة أن الأخويات المريمية إنطلقت من روما مع الأباء اليسوعيين في المعهد الروماني سنة 1563، ووصلت إلى الشرق ولبنان سنة 1644، فكانت أول أخوية لبنانية في العام 1653 في عينطورة كسروان. أما رابطة الأخويات فأسسها سنة 1951 المرحوم الأب جورج خوري اليسوعي، بهمة رئيس أخوية سيدة النجاة بكفيا المرحوم يوسف أبو هيلا وأعضاء الأخوية، وببركة المثلث الرحمة البطريرك أنطون عريضة. وقد جمعت كل الأخويات المنتشرة في المناطق اللبنانية. يبلغ عدد المنتسبين إلى الأخويات بكل فئاتها ما يزيد على 70 ألفا منتشرين في كل المدن والبلدات اللبنانية.
ويسعدنا أيضا أن نحتفل في بداية اليوم الأول من فصل الربيع، بعيد الأمهات. فنهئهن بالعيد، ونتمنى لهن السعادة والعمر الطويل وتقديس الذات من خلال ممارستهن واجبات الأمومة.
وبصلاة الرجاء نذكر المرحوم المهندس بيار الزغندي العزيز على قلبنا، الذي ودعناه بكل أسى منذ ثلاثة أشهر، مع زوجته السيدة نوال رشدان وإبنيه وإبنتيه وشقيقيه وعائلاتهم. فإنا نحيي حضورهم معنا اليوم، ونصلي من أجل راحة نفسه، وعزائهم الإلهي.
3. أعمى أريحا الجالس على قارعة الطريق يرمز إلى الذين لا يعنون شيئا للمجتمع المترف بالمادية والإستهلاكية والأنانية. فيهمشون ويهملون ويقصون عن الحياة العامة، أمثال الفقراء والمعوقين والمضطهدين، بل وأيضا أمثال المتحررين من التبعية والإستقواء والإستعباد.
لكني أود أن أحيي وأشكر كل الذين يعتنون بهؤلاء الإخوة والأخوات، ويسخون من مالهم ومقتناهم ووقتهم في سبيل خدمتهم. وأخص بالشكر أيضا الأبرشيات والرهبانيات والمؤسسات الكنسية والخيرية التي تضمد الجراح وتؤمن المساعدات. ولا ننسى الدول التي ما زالت ترسل لشعبنا وللمؤسسات المساعدات بروح التضامن الإنساني. فلهم جميعا جزيل شكرنا.
ومع ذلك، فيما يتفاقم عدد الفقراء في لبنان، المحرومين لقمة العيش، وقد فاقوا المليون، بالإضافة إلى مئات الآلاف الذين هم تحت خط الفقر، والشعب المهدد بالمجاعة، أجدد الدعوة إلى التضامن الإنساني من قبل الدول العربية والغربية الصديقة، كي يساعدوا ماديا وإنسانيا الشعب اللبناني الذي هو ضحية الطبقة السياسية الحاكمة. ليس الشعب اللبناني خصمكم، بل صديقكم. لقد قدم لبنان الكثير للعربِ وللعالم، فلا يجوز أنْ تجافوه وتقاطعوه وتقاصوه وتربطوا مساعدة الشعب ــــ وأقول الشعب تحديدا ــــ بمصيرِ الحكومةِ أو الرئاسةِ أو السلاحِ غير الشرعي أو أيِ قضيةٍ أخرى. أفْصلوا السياسة عن الإنسانية. إن الانكفاء السياسي لا يبرِر الإحجام عن تقديمِ المساعداتِ الضرورية للناس مباشرة. ماذا يستفيد أصدقاء لبنان، كل أصدقاءِ لبنان، وماذا يستفيد العرب، كل العرب، وبخاصةٍ عرب الاعتدال والانفتاح، وعرب حوارِ الأديان والحضارات من سقوط لبنان؟
4. كان برطيما أعمى العينين المنطفئتين لكنه كان بصيرا، ربما أكثر من التلاميذ والجمهور الكبير. فبصيرته الداخلية ظهرت في صرخة الإيمان ومناداة يسوع باسمه البيبلي: “يا يسوع إبن داود، إرحمني”. كلها كلمات من الكتاب المقدس. “فيسوع هو إبن داود”، المسيح الآتي، الملك الجديد، الذي تنبأ عنه آشعيا: “بأنه أرسل لينادي للعميان بالبصر”. وهي نبوءة طبقها يسوع على نفسه في مجمع الناصرة (راجع لو 4: 16-21). أما كلمة “إرحمني” فتعبر عن أن المسيح هو الذي يحمل إلى العالم رحمة الله، أي رحمة الشفاء من الخطيئة وظلمات الحياة والضياع، ومن ظلمات الحرمان والأنانية والظلم والعداوة، ومن ظلمات الحقد والبغض والأطماع والنزاعات والحروب.
وفي الواقع، عندما سأله يسوع وهو المستعطي حسنة مادية: “ماذا تريد أن أصنع لك؟” أجاب على الفور ومن دون تردد: “يا معلم، أن أبصر!” فقال له الرب: “أبصر! إيمانك خلصك!” فأبصر وتبعه في الطريق (مر 10: 51-52).
5. كم نحن بحاجة إلى أن نتوسل إلى المسيح كل يوم، مثل إلحاح الأعمى، وأن نستجدي نعمته: “يا معلم، أن أبصر” (10: 51)، النعمة التي تضع الحرارة في قلبنا البارد، وتنعش حياتنا الفاترة والسطحية (راجع البابا فرنسيس: فرح الإنجيل، 264)، وتخرجنا من المواقف المتحجرة، والأفكار المسبقة والأحكام الباطلة، وحالات العداوة والنزاع والإنقسام.
عندما شفي هذا الأعمى تبع يسوع في الطريق، على ضوء شخصه وتعليمه وأفعاله. تعلمنا آية شفائه، في ضوء تعليم البابا فرنسيس في فرح الإنجيل: أن معرفة يسوع ليست كعدم معرفته، وأن السير معه ليس كالسير تلمسا على غير هدى … وأن محاولة بناء العالم بإنجيله ليست كالعمل على بنائه بعقلنا. إننا نعرف جيدا أن الحياة معه تصبح أكثر امتلاء، ويسهل إيجاد معنى لكل شيء” (المرجع نفسه، الفقرة 266).
6. كم نتمنى لو أن المسؤولين السياسيين عندنا، المؤتمنين على مصير وطننا وشعبنا وإرثنا الوطني النفيس، يلتمسون من الله نور البصيرة الداخلية، لينظروا إلى أية حالة من البؤس أوصلوا شعبنا بفسادهم ومصالحهم الشخصية وتقاسمهم المال العام، وتعطيلهم عمل القضاء وأجهزة الرقابة وتسييسها، وارتباطاتهم الخارجية، وإلى أي إنهيار وتفكك أوصلوا الدولة بسوء إدائهم!
7. فحرصا منا على ولوج الحل الحقيقي نشجع جميع المبادرات والمساعي على خط تأليف الحكومة، ونأمل أن يسفر اللقاء غدا الإثنين بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف عن نتيجة إيجابية، فيولفا بعد طول إنتظار، وشمولية إنهيار، حكومة إنقاذ تضم اختصاصيين مستقلين ووطنيين، حكومة مواجهة الوضع المالي والنقدي والمعيشي، تجري الإصلاحات، وتعزز الإقتصاد الليبرالي الحر والإنتاجي، وتصحح الثغرات في صلاحيات الوزراء فلا يتقاعسون عن تنفيذ القانون، ولا يمتنعون عن تطبيق قرارات مجلس الوزراء، ومجلس شورى الدولة، حماية لمصالح الدولة والمواطنين. إننا ننتظرها حكومة مبادئ وطنية لا مساومات سياسية وترضيات على حساب الفعالية. ونأمل من الرئيسين أيضا أن يخيبا أمل المراهنين على فشلهما، فيقلبا الطاولة على جميع المعرقلين، ويقيما حائطا فاصلا بين مصلحة لبنان وبين مصالح الجماعة السياسية ومصالح الدول، كفى إقتراحات جديدة وشروط تعجيزية غايتها العرقلة والمماطلة!
إن تأليف حكومة للبنان فقط، وللبنانيين فقط، لا يستغرق أكثر من أربع وعشرين ساعة. لكن إذا كان البعض يريد تحميل الحكومة العتيدة صراعات المنطقة ولعبة الأمم والسباق إلى رئاسة الجمهورية وتغيير النظام والسيطرة على السلطة والبلاد، فإنها ستزيد الشرخ بين الشعب والسلطة، وستؤدي إلى الفوضى، والفوضى لا ترحم أحدا بدءا بمفتعليها.
8. ولأننا نتمسك بالسلام الوطني وبوحدة لبنان تحديدا، نطرح الحياد بثقة وإيمان، وسنواصل العمل لتحقيقه بإرادة داخلية وبدعم عربي ودوليٍ يتجسد في عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان. معظم اللبنانيين يريدون الحياد بمفهومه الصحيح، لأنه لصالح الجميع، ولأنه يجمعنا، فيما الانحياز يفرقنا. والحياد هو الحل الوحيد لمنع جميع أشكال التقسيم والانفصال والحكم الذاتي، ولتحقيق سيادة الدولة داخليا وخارجيا. أما المؤتمر الدولي الخاص بلبنان فالغاية منه شفاء لبنان من معاناته الناتجة عن نقص وتحوير في تطبيق وثيقة الوفاق الوطني، والدستور، وميثاق العيش المشترك، أساس شرعية السلطة في لبنان (مقدمة الدستور “ي”).
9. نسأل الله أن يفتح بصائرنا الداخلية، لنحسن رؤية السير البناء في حياتنا الشخصية والوطنية، رافعين نشيد المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

عوده للمسؤولين: الله يعطيكم فرصة للتوبة فكفوا عن التنكيل بإخوته الصغار
الأحد 21 آذار 2021
وطنية – ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.
بعد الإنجيل المقدس، قال في عظته: “تقيم كنيستنا المقدسة في الأحد الأول من الصوم الكبير المقدس تذكار انتصار استقامة الرأي على المبتدعين والهراطقة المعادين للأيقونات المقدسة. نسمي هذا الأحد أحد الأرثوذكسية أو استقامة الرأي. في هذا اليوم نحتفل بتذكار رفع الأيقونات المقدسة في الكنائس، بعد انتهاء الإضطهاد الكبير الذي أشعل ناره محطمو الأيقونات في القرن الثامن. الأيقونة ليست من الكماليات في الكنيسة، بل هي ترجمة للايمان القويم بتجسد كلمة الله، الرب يسوع المسيح. يقول القديس يوحنا الدمشقي: في الحقبة القديمة لم يكن تصوير الله ممكنا، لأنه لم يكن قد اتخذ جسدا ولا شكلا. أما الآن، بعدما ظهر الله بالجسد وعايش البشر، أنا أصور الله الذي يمكنني أن أراه، والذي أصبح مادة من أجلي، ولن أنقطع عن احترام المادة التي اكتمل بها خلاصي. ويتابع: نحن المسيحيين نسجد للأيقونات، للمرسوم عليها وليس للمادة، ونقدم التكريم لمن هم مرسومون عليها”.
أضاف: “الأيقونة إذا تأكيد لتجسد السيد، ومن يرفض الأيقونة إنما يرفض عقيدة التجسد، لذلك سميت بدعة محاربة الأيقونات هرطقة، لأنها تمس الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، وتنكر تجسده. هذا ما دعا الآباء القديسين إلى رفض اتهام المسيحية بالوثنية لأن المسيحيين، بتكريمهم الأيقونة إنما يكرمون صاحب الأيقونة. تعلن كنيستنا المقدسة اليوم أن إيمانها هو نفسه إيمان الرسل والآباء القديسين، هذا الإيمان المستقيم الذي انتصر على كل ضلالة وتعليم كاذب. كل إنسان يحفظ هذا الإيمان يصبح أيقونة حية، ويظهر منتصرا على أي بدعة تحاول اقتناصه وإبعاده عن إستقامة رأيه وإيمانه. يعطينا نص رسالة اليوم مثالا عن أشخاص أصبحوا أيقونات حية للاله الحي، فقهروا العدو الغاش، ونالوا المواعد الإلهية، ونجوا من المحن والشدائد والإضطرابات، ومع أن كثيرين منهم عذبوا ونكل بهم وسجنوا وأصبحوا في عوز، ومع أن إيمانهم مشهود له، إلا أن الله سبق فنظر لنا شيئا أفضل: ألا يكملوا من دوننا. إذا، مسؤوليتنا عظيمة أمام الرب وجميع القديسين، وهي أن نحفظ الوديعة الممنوحة لنا، وديعة الإيمان القويم، غير مدنسة بروح هذا العالم المادي الدنس. الإنسان المؤمن هو أيقونة الله، لهذا تتضافر جهود قوى الشر لكي تحطمه أخلاقيا ومعنويا وماديا وعائليا، حتى يكفر بالذي خلقه. إلا أن المستقيم الرأي ثابت على صخرة الإيمان غير المتزعزعة، لا يهتم ولو ثار عليه العالم أجمع، لأن الله معه، فمن عليه؟”
وتابع: “إنجيل اليوم يرينا نثنائيل الجالس تحت التينة. إنه يمثل كل إنسان مهموم، جالس بلا حركة بسبب عظم همومه المعيشية وثقل أفكاره. في المقابل، نجد المسيح يدعو نثنائيل، ومن خلاله يدعونا، وهو يعرف كل واحد منا وجميع همومه، ويطلب منا أن نتبعه، أن نؤمن به، وهو سيزيل كل ألم وحزن وتعب من حياتنا. إستقامة الرأي هي أن نتبع طريق الرب المستقيم، فنحيا بسلام، ونصل إلى الفرح الذي لا يزول. لهذا، تضع الكنيسة التعييد لاستقامة الرأي في الأحد الأول من الصوم، لأننا بها نصل إلى فرح القيامة الحقيقية”.
وقال: “في حين تعيد الكنيسة لاستقامة الإيمان، يصادف اليوم عيد الأم. الأم الحقيقية مثال لاستقامة الرأي وصلابة الإيمان، لأنها تحتمل ما لا يحتمل، بدءا من آلام المخاض، وصولا إلى تربية الأولاد والسهر على حاجاتهم الروحية والجسدية، وتنشئتهم عناصر فعالين في الكنيسة والمجتمع. الأم هي المثال لأبنائها في المحبة والتضحية، في الكد والصلابة والصلاة، فإن زاغ إيمانها أو استقام، نجد الأولاد يتمثلون بها. لذا، نسأل الرب إلهنا أن يشدد جميع الأمهات، خاصة في هذه الأيام الصعبة، ويمنحهن الصبر والقوة والإيمان القويم، حتى يكن جذعا صلبا تخرج منه الأغصان المفرعة ثمرا مغذيا للمجتمع. كما نصلي من أجل راحة نفوس جميع الأمهات اللواتي سبقننا من هذه الفانية إلى فردوس النعيم. ولا بد من تحية خاصة للأم اللبنانية التي هي شعاع النور الوحيد في ظلمة أيامنا رغم أنها تعاني أضعاف ما تعانيه أية أم أخرى، لأن الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان تضيف إلى معاناة الأم آلاما وتضحيات، لكنها المناضلة الدائمة من أجل عائلتها ووطنها. هذه الأم ما زالت تكافح في عملها من أجل إعالة العائلة مع زوجها، ومسؤوليتها في البيت تضاعفت بسبب الظروف القاسية، وقد خسرت هذه الأم روحها في انفجار بيروت، مع خسارة أولادها، وهي تقاسي من هجرة من تبقى منهم، عدا عن الليالي التي لا تأكل فيها من أجل إطعام صغارها، وتذرف الدموع على أولادها وعلى مدينتها الثكلى. بيروت المدينة المفعمة بالحياة، التي لا تنام، أصبحت مدينة مقفرة، مظلمة، حزينة. فوسط بيروت بلا حياة، وأحياء الأشرفية والجميزة والمرفأ بلا روح، ولبنان كله في مهب الريح، ما يدخل الغم إلى القلوب”.
أضاف: “مع بداية فصل الربيع اليوم، نحزن لأن وطننا ييبس ويذبل. أرزة الشرق نخرتها سوسة الفساد فبدأت تهوي، لكن الله قادر أن ينبت من الجذع اليابس أرزة جديدة خضراء لا تذوي. الأمل ضئيل، لكنه موجود. نأسف لما نراه ونسمعه عن تصرفات مسؤولينا، الذين يغامرون بحياة شعب أمنهم على إدارته والسير به نحو الأفق المشرق، لكنهم أحدروه نحو الظلمة وظلال الموت. يتقاذفون كرة المسؤولية والشعب يئن جوعا ومرضا وتشردا وبطالة. يتلهون بمصير البلد وأهله، لا مبالين بالوقت المهدور، فيما الشعب يعد الثواني حتى مجيء ساعة رحيلهم جميعا لينعم بالراحة. يا من تتلهون بدموع الأمهات، وأنين المرضى، وصرخات اليتامى… إن الله يعطيكم فرصة للتوبة والعودة إليه وتقويم مسيرتكم فكفوا عن التنكيل بإخوته الصغار. تذكروا قول الرب لقايين الذي قتل أخاه حسدا: قايين، قايين، إن صوت أخيك يصرخ إلي من الأرض”.
وتابع: “وضعنا لا يحسدنا عليه أحد: الليرة في أدنى المستويات ووزير المال غائب. وزير الطاقة بشرنا بالعتمة. وزير الداخلية أعلن أن البلد مكشوف أمنيا. رئيس الحكومة المستقيل هدد بالاعتكاف. ترى من يتحمل مسؤولية البلد؟ بلبلة وضياع وتدهور جنوني مخيف، أخشى أن ينتهي بارتطام مميت، إلا إذا صحت الضمائر وتم تأليف حكومة تتولى زمام الأمور. هنا نؤكد لمن يعنيهم الأمر أن المواطن غير مهتم بعدد الوزراء، وبالثلث المعطل، وبحصص الزعماء. المواطن لا يريد إلا العيش بكرامة وسلام في وطن حر سيد مستقل، تسوده العدالة ويحكمه القانون، لذا نسأل المعنيين بتأليف الحكومة عدم فض اجتماعهم يوم الإثنين قبل الوصول إلى حل”.
وقال: “بعد أيام قليلة نعيد لبشارة والدة الإله. لقد أرادت دولتنا أن يكون هذا العيد رمزا للعيش المشترك والوحدة الوطنية. الوحدة لا تتحقق بيوم عطلة رسمية. الوحدة الوطنية تتحقق باحترام الآخر والدفاع عن كرامته وحقه بالحرية الكاملة، حرية الفكر والرأي والمعتقد، مهما كان مختلفا، لأن الجميع متساوون في الوطن. اللحمة الوطنية تتم عندما تعم المساواة والعدالة والحق وتكون الحكومة لكل الوطن، لا لفئة واحدة أو لون واحد. لبنان الواحد يتحقق عندما تخفق قلوب جميع مواطنيه باسمه فقط، لا باسم هذا الزعيم أو تلك الدولة. ننتظر في عيد البشارة بشارتين: الأولى بشارة بمجيء المخلص من مريم العذراء، والثانية بشارة بخلاص لبنان واللبنانيين من كل الأزمات والصعوبات، من خلال ولادة حكومة تقود الشعب بحكمة نحو بر الأمان. الحاجة ملحة إلى حكومة حكماء، أناس يعرفون ماذا يفعلون وليسوا أجراء لدى أحد. هل حقا نريد أن نعيش معا ونريد المحافظة على كياننا واستقلالنا؟ لنتخل إذا عن كل ارتباط خارجي وكل تطلع إلى ما وراء الحدود، ولنشبك الأيدي، راحمين بعضنا بعضا، عاملين على إعادة اللحمة وبناء ما قد هدمته خطايانا، وأولها الحقد والتعنت والكبرياء وحب الإنتقام. إن دولتنا تمر بأزمة وجود ومصير، ولن تستعيد قرارها قبل استعادة حريتها الكاملة، والتخلص من كل ارتهان أو وصاية. يكفي تقاذف كرة الإتهامات. الجميع مسؤول عن الفساد والإنهيار، فليتحمل الجميع المسؤولية ولا ضرورة لغسل الأيدي، لأننا نعيش في بلد صغير كل شيء فيه معلوم”.
وختم عوده: “دعاؤنا أن يصل مسؤولونا إلى استقامة رأي وطنية، فيصير كل عيد من الأعياد التي ذكرناها عيدين. صلاتنا، أن يبقى إنسان هذا البلد على إيمانه بالله القادر وحده أن ينقذه وينتشله ويوصله إلى ميناء الخلاص. لا تيأسوا، فإن اليأس سلاح الشيطان. صلوا، صوموا، كثفوا التضرعات، فالله يستمع لعبيده ولا يخيب المتوكلين عليه”.