محمد قواص/سوريا خالية من إيران: تقاطعات موسكو وواشنطن

116

سوريا خالية من إيران: تقاطعات موسكو وواشنطن
محمد قواص/سكاي نيوز/14 كانون الأول/2020

تغاضى باراك أوباما عن الخطوط الحمر التي وضعها في سوريا. اتهمت بلاده النظام السوري بالوقوف وراء الهجمات الكيماوية التي طالت السكان في الغوطة الشرقية ومعضمية الشام بالغوطة الغربية عام 2013 (تحدثت التقارير الأممية عن سقوط 1400 ضحية). كان أوباما قد هدد بالتدخل مع حلفائه عسكريا إذا ما لجأت دمشق إلى هذا المحظور. وحين حصل الأمر، تراجع وتحفظ، واكتفى بقبول خدمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن.

وعدت موسكو حينها إدارة أوباما بالعمل على تسليم نظام دمشق لترسانته الكيماوية. قبلت واشنطن وصدقت الأمر. تراجع الأوروبيون عن تحركاتهم العسكرية، ومذاك بات الغرب مستقيلا من أي دور، موكلا الملف لروسيا، تديره عسكريا وأمنيا وسياسيا ودبلوماسيا، بالشراكة والتناتش، مع تركيا وإيران.

وعلى الرغم من أن المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري يقول، في تصريحات نشرت الأحد، إن إدارة دونالد ترامب لم تحذ حذو إدارة سلفه، فأنجزت وردعت وفرضت أمرا واقعا جديدا، إلا أن المراقب استنتج، خلال الأربع سنوات السابقة، أن تلك السياسة حظيت بهامش ضيق غير جدي، يسعى لإيجاد نقطة توازن بين نزوع الرئيس ترامب إلى الانسحاب الكامل من هذا البلد ومصالح الولايات المتحدة داخل حساباتها الشرق أوسطية.

بيد أن الثابت أن ليس لواشنطن، في عهديْ أوباما وترامب، سياسة سورية، وأن جل التدابير والإجراءات، كما القرارات التي اتخذت أو تلك التي تم التراجع عنها (لا سيما قرار ترامب بالانسحاب)، يعود لأسباب تتعلق بسياسات الولايات المتحدة في العراق، كما الصراع مع روسيا وإيران، كما الحرص على أمن إسرائيل. وفي ذلك أن واشنطن ما زالت قابلة بالدور الروسي المهيمن، وتتلاعب مع موسكو حول حجم هذا الدور ومآلاته في التسوية السورية النهائية.

يتحدث أنتوني بلينكن، مرشح الرئيس المنتخب جو بايدن لوزارة الخارجية، عن أخطاء ارتكبتها إدارة أوباما في سوريا. ينتقد الرجل أيضاً موقف إدارة ترامب من الأكراد. يؤكد أن واشنطن لن تقبل أي تطبيع مع نظام الأسد. ويوحي أن بلاده ستكون أكثر حضورا في سوريا (لمكافحة داعش)، وبالتالي أكثر حيوية في لعب دور مقرر في مستقبل سوريا.
غير أن جيمس جيفري يضع عنوانا جليا (جديدا) لسياسة أميركا (المؤسسات وليس الإدارة فقط)، ويوضح ربما سمات المرحلة المقبلة. يقول إن بلاده تقبل بالدور الروسي ولا تقبل بالوجود الإيراني. ولئن كان الأمر معروفا متوقعا، لكنه لم يكن معلنا بهذا الوضوح. تختلف موسكو وواشنطن في ملفات عديدة، لكنهما، على نحو غير رسمي، يتقاطعان ويتواطآن حول ضرورة أن تكون طهران خارج اللعبة في سوريا.

والحال أن إسرائيل مارست في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا في سبتمبر 2015، سلوكا عسكريا وأمنيا يحظى بحرية دولية كاملة لضرب أهداف إيرانية أو أخرى تابعة لميليشيات تابعة لطهران (لا سيما حزب الله). لكن الواقع أن الضربات الإسرائيلية هي بالحقيقة ضربات أميركية روسية أيضا، من حيث رعاية واشنطن وقبول موسكو بمبدأ حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها من أي أخطار تراها مهددة لأمنها في سوريا، ومن حيث التسهيلات السياسية واللوجستية التي وفراها لتنفيذ تلك الضربات.

تقبل واشنطن دورا روسيا في سوريا ولا تقبل بدور إيراني هناك. بالمقابل تجد روسيا نفسها، عشية دخول بايدن إلى البيت، مدفوعة إلى تأكيد معادلة جيفري المتناسلة من عقيدة أوباما والتي لن تخرج عنها الإدارة المقبلة. وفق ذلك تدخل القوات الروسية لتقيم مقرا لها في مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي على الحدود مع العراق. وتعلن موسكو أن عسكريين روس يشاركون القوات السورية القيام بدوريات بمنطقة الجولان، فيما يشاع عن تدابير لاحقة لتقييد الوجود الإيراني جنوب البلاد وشرق الفرات.

سيكون على إيران أن تقرأ المشهد الدولي الإقليمي بشكل جديد. لن تكون سوريا جزءا من مقايضة تشتهيها على طاولة المفاوضات المقبلة مع واشنطن. بات لسوريا محرمات تتجاوز منطق واشنطن ولا تتناقض معه. المحرم الأول إسرائيلي يعمل بالنار على منع قيام “جنوب” في سوريا يشبه ما كان عليه جنوب لبنان، ويعمل بالنار والسياسة على تقويض النفوذ الإيراني في باقي أنحاء سوريا.

المحرم الثاني أميركي يسعى لمنع قيام “هلال” إيران الشهير من طهران إلى بيروت مرورا بدمشق.

المحرم الثالث روسي لا يقبل منافسة إيرانية في استثمار يجد بوتن أن لبلاده، التي يعود لها الفضل في منع هزيمة النظام في دمشق، الحق بجني الحصة الأكبر من ثماره.

والمحرم الرابع عربي (خليجي خصوصا) لن يقبل الانخراط في أي تمويل لإعمار البلاد دون أن تزول هيمنة طهران على قرار دمشق (وبيروت).
على أن أطراف النزاع السوري (في الداخل والخارج) سيُكثرون في هذه الآونة من إظهار ما يملكونه من أوراق الحل والربط، وما يملكونه من قوة ونفوذ وتأثير وجب للرعاة الكبار أخذها بعين الاعتبار. فإذا ما كانت واشنطن وموسكو متفقتين، كل وفق حساباته، على تهميش نفوذ طهران، فإن في أنقرة من يخشى تصالح رؤية بايدن، الحانق على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع رؤية بوتن الذي لا يرى الحل في سوريا إلا روسيا.