الأب سيمون عساف/جاوَرَ الأَنْجُمَ …. لماذا هذا القحط في الرجال عندنا؟ لماذا لبنان مرآة الشرق ابتلى بهذه الهزائم والخيبات؟

157

جاوَرَ الأَنْجُمَ …. لماذا هذا القحط في الرجال عندنا؟ لماذا لبنان مرآة الشرق ابتلى بهذه الهزائم والخيبات؟
الأب سيمون عساف/06 تشرين الثاني/2020

تكرُّ خيوط الأيام بفتل مغزال يد البادع، وفينا الزمان ارتكاض ليلفظنا الى هوَّة الغيهب. بالأمس كنا على المطلّ واليوم على المشارف وغدا ترم الوداع. جل الأمنيات كان ان نرى الدولة العظيمة.

ونحن على أَسِرَّة الآلام نتبرَّم حالمين بوطن راقٍ رائع رائق يُدعى لبنان.
يوم ولد مستقلا كان متعافيا جميلا متألِّقا يتلألأ. فابتدا مسيرتَه أُسوة بالدول الزاهرة يتموضع محترما موفور السيادة والكرامة والشمم، في مشرق حسده على نقلاته الثقافية الواثبة وحضارته الناهدة الى الأمام.
وبين شفق وغسق اضحى سقيما متقلبا على فراش المعاناة تضربه الأمراض والعلل.

يحضرني مشهد يوسف في التوراة وتآمر اخوته عليه وبَيعه للتجار المصريين. حالُ لبنان هي هكذا بين البلدان العربية، لِكَونِه الأصغر بين الأخوة، تآمروا عليه وباعوه في اتفاقيات قاهرة قهرته وطائف طاف به الى المسلخ.

قضايا العرب معقدة الى حد لا يعقله عقل تحت العقال، ولا رأس يعتمر كوفيَّه. ينتمي لبنان الى الحرية والانفتاح وقبول الآخر، وهذه مفاهيم غريبة عن وجدان سُمُو وجلال العرب. امرٌ طبيعي ان يكون المآل لتنفسهم وارتياح الأبهة والبطر على حسابه هو المسكين.

في الداخل طوائف لاتتجانس ولا تتناغم كما يقضي التقدم والعمران فتتناحر وتنزوي في عشيرتها، وفي الخارج تطلُّعٌ يتوقع تداعيه دون تفادي الانهيار. في هذا المناخ نشأ وعاش الى يوم اندلاع الحرب وانفجارها. لم يتسارع الأخوان لإطفاء الحريق فلطعهم جميعا.

نكتب للتاريخ وللأجيال القادمة عن زعماء وجوهُهم مرعبة، اساليب تعاطيهم مع شعبهم فوقيٌّ مزدرىً. لا يريدون ان يعرفوا شيئا عن الإساءات والشتائم التي يرشقونهم بها. لا يبالون بنحيب الفقراء وانين المحتاجين ودموع المنكوبين، لا يعنيهم الإنسان الرازح تحت كابوس الوجع والفاقة.

يتربعون على سُدَد الحكم مُمسكين بأَرسُن القطاعات والإدارات والمرافىء والمرافق وهم يُتِلُّون محاسبيهم كما يريدون. يتصرَّفون وكأن الدولة دكَّانة سمانه مطوّبة باسمهم الى الأبد. يضربون عرض الحائط غير حاسبين حساب الموت الذي سيداهمهم عاجلا ام آجلا. طرقنا كل ابواب اللغة حتى بات الكلام ضيِّقا لا يسع ما نُحررعنهم وفيهم ولهم.

لا يخجلون من ارتكابهم الكبائر ولا يكترثون بقيل وقال، متعتُهم سَوقَ الشعب كالقطيع الى الزريبة سواء علَّى الصوت ام لم يُعلِّ. لا يهزهم منظر يتيم يئن او ارملة تنوح او عجوز يصيح محتاجا الى سد جوع رافضا ان يتسوَّل. كل هذه المشاهد لا تمس مشاعرهم، عراةٌ من الأحاسيس والكرامات.

ليتهم يعلمون كيف آخرتهم ستكون مرذولة وان غدا لناظره قريب. هيهات لو فطنوا!! لماذا هذا القحط في الرجال عندنا؟ لماذا لبنان مرآة الشرق ابتلى بهذه الهزائم والخيبات؟ الى متى ستدوم هذه المهزلة المحزية؟
امثولة لِبِنينا بعدنا، اياكم ان تسمحوا لزعيم ميليشيا ان يتسلَّم منصبا في الدولة، والدليل غياب الأدب والاحترام والسعي الى تخريب الوطن الذي كان نعيما وجنة فحولوه جحيما وجهنما.

اكتفي الآن بما دبجت مناديا الآتين ورانا ان ابتعدوا عن هذه السلوكيات المقيتة واحترموا هويتكم وانتماءكم وتراثكم والتقاليد مرددين مع الشاعر بولس سلامه:
جاوَرَ الأَنْجُمَ وَاحتَلَّ السَحابا جَبَلٌ مُهِّدَ لِلْفرْدَوْسِ بابا
تَسْتَحِمُّ الشَمْسُ في مَفْرِقِهِ وَإِذا غابَتْ فَقَسْرًا وَاغتِرابا