نديم قطيش: مرة أخرى… متى السلام اللبناني ـ الإسرائيلي؟/أمل عبد العزيز الهزاني: المفاوضات الحلال والأخرى الحرام

202

المفاوضات الحلال والأخرى الحرام
أمل عبد العزيز الهزاني/الشرق الأوسط/06 تشرين الأول/2020

مرة أخرى… متى السلام اللبناني ـ الإسرائيلي؟
نديم قطيش/الشرق الأوسط/06 تشرين الأول/2020
حماستي قليلة لمفردة «التاريخي» في وصف اتفاق الإطار بين لبنان وإسرائيل الذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري. هو نفسه بشّرنا أن الاتفاق، كخريطة طريق إرشادية، استهلك الوصول إليه عقداً من الزمن. وعنه قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنه حصيلة ثلاث سنوات من المباحثات المكثفة.
الاتفاق الإطار يحتمل أن يكون بداية نقطة تحول استراتيجي في العلاقات اللبنانية – الإسرائيلية، وأن يضع البلدين على طريق السلام الذي لا تقف حائلاً دونه أي ملفات عملية حقيقية. ويحتمل أن يكون بداية عصر جديد للبنان بالربط العملي بين الحديث والغربي فيه وبين الحديث والغربي في إسرائيل بدلاً عن الربط بينه وبين العفن الآيديولوجي الآتي من دفاتر البعث المهترئة أو خرافات ولاية الفقيه.
ما يحول دون ذلك أن نبيه بري وحتى إثبات العكس مكلف، من «حزب الله»، مهمة استخدام تكتيكي لملف استراتيجي هو مستقبل وشكل العلاقات اللبنانية – الإسرائيلية… وهذا أخطر ما يقدم عليه سياسي. التعامل التكتيكي مع قضايا استراتيجية.
مدخلي للقراءة بسيط. القرار الشيعي هو قرار «حزب الله». وقرار «حزب الله»، في ملف شامل واستراتيجي هو قرار إيران. فهل قررت إيران أن تقفل «دكانة المقاومة» ولو جزئياً في جنوب لبنان… لا أعتقد أن الوقت لمثل هذا الخيار قد حان، على ما تنبئنا به صواريخ ميليشياتها في العراق على السفارة الأميركية.
ثمة ما هو جديد في اللغة لا شك. وثمة ما هو جديد في تصور المشكلة والحلول الممكنة لها بلغة المصالح والبراغماتية. بيسر تام قرأ بري نص الاتفاق بين «حكومتي لبنان وإسرائيل» وتمنى التوفيق «للجميع»!
لكن الجديد شيء والتاريخي شيء آخر. وحتى الجديد هنا، ينتحل، في بعضٍ كثير منه، صفة الجدة.
واحدة من الصور الأشهر لمؤتمر بري الصحافي، هي صورته حاملاً كوباً من الماء صوب جمهرة الصحافيين في القاعة: «لا أطلب كوباً إضافياً على حقوق لبنان، ولن أتنازل عن كوب من حقوقه» قال.
يتولى نبيه، الوطني والسياسي من الخطاب اللبناني. ويتولى «حزب الله»، الصراعي والعقائدي. بري لا يبغي الحصول على كوب ماء أكثر من حصته بينما يريد «حزب الله» النهر والبحر وما بينهما…
يصدّع حسن نصر الله رؤوسنا بمحو إسرائيل من الوجود وإخراج أميركا من المنطقة، ويؤكد نبيه بري أن لبنان طلب منها تكثيف الحضور بصفة الوسيط والمسهل لترسيم الحدود البحرية!
فمن استمع إلى البيان بدقة يعرف أن الحضور الأميركي أكثر بكثير من شريك… البند السادس من الاتفاق يتحدث عن إدارة أميركية للمفاوضات، وعن تعهد أميركي باختتامها بنجاح، وفي أسرع وقت ممكن!
مع ذلك، لا شيء تاريخياً في كل هذا حتى الساعة. والجديد لا يعتد به.
حقيقة الأمر، أن المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية لم تتوقف منذ «حرب تموز» 2006، وربما منذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000. هذه المفاوضات قلّصت النقاط المختلف عليها على طول الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة بعد الانسحاب، من أكثر من 13 نقطة إلى ثلاث نقاط جدية.
في ظني أن ثلاثة أسباب أملت وقوف نبيه بري أمام الصحافيين ليعلن عن الاتفاق الإطار.
1- العقوبات: تعمّد رئيس المجلس النيابي ذكر أن تاريخ الاتفاق يعود إلى 9 يوليو (تموز)، أي قبل صدور العقوبات على معاونه السياسي النائب والوزير علي حسن خليل، وهي العقوبات الأهم التي تطال المحيط المباشر لبري.
تفقد التواريخ هنا أهميتها ولا يعود لتسلسل الأحداث دلالة خاصة. فالعقوبات استراتيجية أميركية شاملة وتوجه بالكثير من المثابرة والتصويب الدقيق؛ ما يجعل الفصل بينها وبين القرار اللبناني بالتوصل إلى اتفاق إطار أمر يحتاج إلى الكثير من السذاجة.
في العمق يراهن نبيه بري على تحييد نفسه وأسرته عن عقوبات باتت على الباب، كما يراهن «حزب الله» على مناورة تبقي بين الشيعة على من يستطيع التخاطب مع العالم، أكان اسمه نبيه بري اليوم أو أي اسم آخر غداً، والقول إن عدم أخذ كل المشهد السياسي الشيعي بجريرة «حزب الله» له فوائد للمجتمع الدولي…
2 – العزلة: يعرف «حزب الله» أنه بات وحيداً. تغيير المشهد في البلد منذ انفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب). تغيير أكثر منذ سقوط المبادرة الفرنسية نتيجة إصرار «حزب الله» على تفريغ المبادرة من مضمونها بتوزير من يسميهم الحزب، وبالإصرار على حقيبة المالية ضمن حصته. أصابع الاتهام كلها تشير إليه بالمسؤولية عن تبديد آخر فرصة لإنقاذ لبنان. كان تراجع التصويب على «حزب الله» منذ اندلاع ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ارتاح الحزب للهجوم الشامل على كامل الطبقة السياسية بما يعنيه من توزيع غير عادل للمسؤوليات عن المأساة اللبنانية. عادت المسؤولية عن الكارثة إلى حضنه مجدداً. وعادت هذه المرة في حين حليفه المسيحي الأبرز الرئيس ميشال عون يقرأ في كتاب آخر وقاموس آخر!
لم يبقَ لـ«حزب الله» سوى إسرائيل، ليعيد تعويم نفسه عبرها، ليس من باب قتالها هذه المرة، بل من باب مد حبال الحوار والتفاهم معها وتنفيس مناخات الرعب التي تشيعها الانفجارات المتكررة والغامضة، وتصريحات نتانياهو عن الأثمان التي قد يدفعها لبنان من دون قتال (سيناريو المرفأ) والكشف عن مخابئ سلاح في أوساط المدنيين!
3- الازدهار: يحاول «حزب الله»، بلسان نبيه بري، أن يقول للبنانيين:
أنا فرصتكم للخروج من نفق الانهيار الاقتصادي. بتفاهمي البحري والبري مع إسرائيل، سأطلق العنان لمخزون النفط والغاز. ستبدأ «توتال» الفرنسية بالحفر بعد طول تردد وانكفاء… سلاحي أعاد لكم المسلوب من حقوقكم. لست أنا المسؤول عن الانهيار الاقتصادي. ليست أطماعي السياسية ما أجهض فرصة الإنقاذ الأخيرة عبر المبادرة الفرنسية وليس سلاحي هو المسؤول. سلاحي أعطاكم فرصة ثانية في اللحظة نفسها التي سقطت الفرصة الأولى…
فالحزب يعرف حجم الانهيار العام في البلد والانهيار المزدوج في بيئته، نتيجة تعثر الاقتصاد الوطني وتعثر الاقتصاد الموازي.
أسباب ثلاثة تقاطعت مع لحظة انتخابية أميركية، مفادها رغبة الرئيس دونالد ترمب في توسعة رقعة دينامية السلام في المنطقة وإدغام الجدي منها (الإمارات والبحرين) بالهش (اتفاق إطار مع لبنان).
السلام اللبناني – الإسرائيلي ممكن، بل الخيار المنطقي الوحيد بين بلدين يمتلكان الكثير للبناء عليه لمستقبل مختلف للمنطقة. لكن للدلالة على جدية أي ترتيب بينهما قبل السلام، لا يكفي ترسيم الحدود البحرية ومعالجة النقاط البرية المختلف عليها. المطلوب أمران.
1- إحياء اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل الموقّع عام 1949 وتبنيه مجدداً في أول جلسة حكومية.
2- ترسيم مزارع شبعا والانتهاء منها كحجة لدوام سلاح ميليشيا «حزب الله» كما كان الحال منذ عام 2000.
كل «تطبيع» لا يسد الذرائع أمام سلاح ميليشيا «حزب الله» هو تبادل خدمات خبيث بين إسرائيل و«حزب الله».

المفاوضات الحلال والأخرى الحرام
أمل عبد العزيز الهزاني/الشرق الأوسط/06 تشرين الأول/2020
التفاوض بين الخصوم ليس تنازلاً، التفاوض نقاش، قبول ورفض، تسوية، التفاوض كلام قد يفضي إلى نتيجة ترضي الطرفين أو تنتهي بالفشل. التسوية هي إحدى أدوات حل المعضلات وليست موقفاً بحد ذاتها. لذلك؛ فإنَّ الطرف الذي يرفض الدخول في تفاوض مع خصمه هو رافض لمبدأ التسوية، وهذا موقف سياسي واضح في عدم الرغبة في الوصول إلى حل، أو تعمد الإبقاء على المشكلة عالقة. في منطقة الشرق الأوسط نماذج للمفاوضات نجح بعضها وفشل الآخر، وحتى إن بعض ما فشل يعاد استئنافه طالما نية الاتفاق متوفرة. أشهر تفاوض أفضى إلى حل ملموس على الأرض هو ما قام به الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، ومن خلاله الاعتراف بإسرائيل مقابل عودة شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب 67.
وغني عن القول أن إسرائيل تنازلت عن أرض احتلتها بمجهودها الحربي في المعركة مقابل اعتراف بها كياناً سياسياً من دولة عربية كبرى. تفاوض جاد والنتيجة منصفة للطرفين.
نموذج آخر للتفاوض الناجح، ما حصل في الاتفاق النووي بين الدول 5+1 وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. المحادثات للتوصل للاتفاق لم تأخذ سوى عام ونصف العام، سمح المرشد الأعلى علي خامنئي لوزير خارجيته جواد ظريف أن يجلس مباشرة مع وزير خارجية أميركا جون كيري، في جنيف وفيينا ونيويورك ولوزان، وخلال هذه المدة كان المرشد يخرج علينا بتصريحات عن «الشيطان الأكبر أميركا»، وأنها الشر الذي يقوّض أمن الشرق الأوسط! شعارات مقابل الفعل الحقيقي الذي يقوم به جواد ظريف في غرف الاجتماعات، والتقاطه صوراً باسمة مع جون كيري والأوروبيين بعد كل جلسة نقاش. استطاعت إيران أن تنتزع اتفاقاً لصالحها أمام الولايات المتحدة الأميركية والأوروبيين خلال 18 شهراً، وبتفاوض مباشر. احتفلت إيران واعتبرته نصراً لها، وهو فعلاً كذلك، حتى إن ظريف خرج للصحافيين من شرفة مقره في الفندق في لوزان ملوحاً بورقة الاتفاق، وهو يبدو كالطفل يوم العيد.
أما المفاوضات القادمة، ويا للعجب! ستكون بين إسرائيل ولبنان، نعم لبنان التي يحكمها «حزب الله». التفاوض يهدف إلى ترسيم الحدود البحرية بشكل أساسي، بعد أخبار عن توفر مخزون من الغاز في المياه المتنازع عليها بين الطرفين.
ستبدأ الجولة الأولى نهاية الشهر الحالي، بوساطة أميركية وبإشراف أممي. كيف ولماذا قبِل «حزب الله» بجلوس لبنان على طاولة مع الإسرائيليين؟ كيف ولماذا طلب الوساطة الأميركية؟ «حزب الله» يعاني من ضغط هائل من الولايات المتحدة على عناصره وأمواله، ويدعو حسن نصر الله ربَّه ليل نهار أن يخسر دونالد ترمب الانتخابات ليلتقط أنفاسه، مع توقعه بأنَّ جو بايدن سيخفف الضغط عن إيران. لكني شخصياً لا أعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي. السبب ببساطة أن «حزب الله» في حاجة إلى المال، ولبنان في حاجة إلى أن يكون لها موارد من الطاقة، وكلها بالنهاية ستصب في مصلحة «حزب الله»؛ لأنه المستفيد المباشر من أي مداخيل للدولة. إذن، من الناحية النظرية والعملية، لا ترى إيران أو مرشدها بأساً في أن تباشر مفاوضات مع واشنطن أو بوساطة واشنطن طالما أن هذه المشاورات ستعود بالنفع عليها أو على ميليشياتها، وستغض الطرف عن كون أميركا شيطاناً أصغر أو أكبر، أحمر أو أزرق، الاستراتيجية البراغماتية هي التي تنتصر. السؤال هنا؛ لماذا يحق لإيران و«حزب الله» التفاوض حول مصالحهم مع إسرائيل والولايات المتحدة، في حين تحرّم على الفلسطينيين هذا الحق؟ إسماعيل هنية يرفض التفاوض بحسب توجيهات المرشد الأعلى، ومحمود عباس يقول بأنه لا تفاوض قبل وقف عملية الاستيطان! حسناً! لنذكّر الإخوة في فلسطين أن إيران فاوضت القوى الكبرى حول الاتفاق النووي من دون شروط، وكانت ترزح تحت العقوبات حينها، لكن ذلك لم يثنها عن المضي قدماً لحل مشكلتها، وكوفئت بمائة مليار دولار دفعة أولى لرفع معنويات القيادة الإيرانية. لم تشترط طهران رفع العقوبات أو تسييل أموالها المجمدة، انخرطت في المفاوضات بكل أريحية. الفلسطينيون رفضوا أميركا وسيطاً، واشترطوا وقف الاستيطان قبل أن تجمعهم طاولة تفاوض، ولا أعرف إن كانت القيادة الفلسطينية أو الفصائل يظنون أن هذا التعنت سيوصلهم إلى نتيجة ما لا نعلمها، لكن الحقيقة المزعجة هي أن نقول ليتهم يتعلمون من إيران! ليتهم ينظرون لمصالحهم بواقعية كما تفعل إيران. الخلاصة؛ أن عملية التفاوض وعقد الاتفاقيات بين إيران وعملائها ومنهم قطر مع إسرائيل، جائزة وحلال، لكنها محرمة قطعياً على الفلسطينيين أو الإماراتيين أو البحرينيين؛ لأن إيران لا تريد لغيرها أن يستأثر بمنافع السلام. هذه هي القسمة الضيزى