المخرج يوسف ي. الخوري: إلى صديقي في حزب الله

622

إلى صديقي في حزب الله…
المخرج يوسف ي. الخوري/20 تموز/2020

*أوَلَم يستقبل الشيعة طليعة الدبابات الإسرائيلية التي اخترقت الشريط الحدودي الجنوبي، بالـ “زلاغيط” ورش الأرزّ عليها، إذا وجدوا بإسرائيل الفرج بعد كلّ ما عانوه من الفلسطينيّين الذين انتهكوا حرماتهم، واستباحوا أرضهم وسلخوهم عنها بحجّة ضرورات مقاومة العدو الصهيوني؟

*ولمَن تسوّله نفسه الإساءة إلى أحزاب الجبهة اللبنانية، نقول: يكفيك أن تنظر إلى أعلام أحزاب الجبهة اللبنانيّة لترى كيف أنّ الأرزة وألوان العلم اللبناني لم تغِب عن أيّ منها، وكيف أنّ تصاميمها كلّها مُستوحاة من العلم اللبناني. بينما إذا نظرت إلى أعلام أحزاب الحركة الوطنية، من شيوعيّة وعلمانيّة وعربيّة، فسوف ترى أنّ لا واحدًا منها له علاقة بالعلم اللبناني أو بالمعاني التي يحملها.

*أمّا في ما يخصّ تعرّضك للجبهة اللبنانية، فأنت تتعرّض لوجدان كل المسيحيّين المؤمنين بلبنان الوطن الحر، بمن فيهم حلفائك العونيّين الذين إذا خيّرتهم بين اتفاقيّة مار مخايل والوفاء للجبهة اللبنانية، لاختاروا الوفاء للجبهة اللبنانيّة.

***
هامش: (أحداث اليومين المنصرمين، أدّت إلى أن تأتي مقالتي اليوم بين الجزءين الأوّل والثاني من مقالتي “نعم تعامَل المسيحيّون مع إسرائيل… لكنّ الآخرين همِ العملاء!”)

ليَ صديق شيعي مسؤول في حزب الله، سألته قبيل الانتخابات النيابيّة عام 2005: “لماذا أنتم تنفتحون على كلّ الأطراف اللبنانيّة باستثناء القوّات اللبنانيّة؟” أجابني: “نحن لا نتعامل مع مَن تعاملوا مع إسرائيل”. لم أعلّق على الجواب لأن صديقي كان حاسمًا، ولا أنكر إني تجنّبت الدفاع عن علاقة القوّات بإسرائيل لأني كنت ضيف الرجل في مكتبه، ولأنّي شعرت بأنّ الموضوع سيزعجه. بعد ذلك بفترة، وتحديدًا في الأيام الأولى من حرب تموز، حصل تباعد صامت بيننا، سببه مداخلة هاتفيّة لي، في برنامج “كلام الناس”، هاجمت خلالها حزب الله مباشرة وبالاسم. لا أظنّ أنّ كلامي حينذاك هو ما أزعج صديقي، لأنّني كنت أنتقد حزب الله في جلساتي معه، أكثر بكثير ممّا فعلت من خلال التلفزيون. ما أزعجه باعتقادي هو أنّها كانت المرّة الأولى التي يجرؤ فيها أحدٌ على مهاجمة الحزب علنًا.

ما عدنا التقينا، صديقي وأنا، إلا من سنتين على صفحات الفايسبوك، وذلك من دون أن يبادر أيّ منّا إلى التواصل مباشرة مع الآخر، واتّسمت علاقتنا الفايسبوكية بشيء من التحفّظ المتبادل، وبكثيرٍ من الاحترام، فلا هو يعلّق على مهاجمتي خطّهم الممانع، ولا أنا أعلّق على مهاجمته خطّنا، أيّ خطّ الجبهة اللبنانية التاريخي.

أوّل من أمس كتب صديقي القديم قائلًا: “البطريرك الراعي وسمير جعجع يستعيدان خطاب الجبهة اللبنانية عام 1975 وانطلاق الحرب اللبنانيّة. هكذا نحمي المسيحيّين؟…” أحزنني هذا الكلام لأنّه أفقدني الأمل بأنّنا، هم ونحن، سنلتقيَ يومًا على فكرة وطن، خصوصًا أنّهم يعلمون لكن لا يعترِفون، بأنّ معظم حلفائهم في الممانعة تعاملوا مع إسرائيل لدرجة الانبطاح، وبأنّ المسيحيّين تعاملوا معها من الندّ للندّ ولم يُعطوها شيئًا على حساب لبنان واللبنانيّين.

لو كان كلام صديقي موجّهًا ضد سمير جعجع، لَقُلت: “ماشي، الحكيم جِسمو لبّيس، صرنا معوَّدين”. أما أن يطال الافتراء بطريرك الموارنة لمجرّد أنّه تذكّرَ شهداء المقاومة اللبنانيّة، وافتخرَ بأفعال الجبهة اللبنانية عام 1975، فهذا أمر فيه الكثير من الظلم بحقّ المسيحيّين الذين دافعوا عن لبنان بوجه المحتلّ الفلسطيني، الذي أصاب شيعة جنوب لبنان بالأذيّة، أكثر ممّا أصاب أيّ طرف آخر من اللبنانيّين.

سألت نفسي، ما الذي أيقظ الجبهة اللبنانية في رأس صديقي، أهو رفضه الدفين لكلّ مَن تعامل مع إسرائيل؟..

إذا كان الأمر كذلك، فهذا يدلّ على أنّ حزب الله يرفض بالمطلق المسيحيّين اللبنانيّين، إذ تحرّم عليه عقيدته وضعَ يده بِيَدِ كلّ مَن تعاون مع إسرائيل، حتّى لو لم يكن عميلًا! وبذلك يكون حزب الله: إمّا يدفع المسيحيّين للرحيل عن لبنان، فيكون بذلك مكمّلًا للمخطّط الفلسطيني عام 75! وإمّا يدفعهم للتوجّه نحو “فدرلة” لبنان وفك ارتباطهم بطوائف الإسلام، وبالتالي التخلّي عن صيغة العيش المشترك! وإمّا يمهّد لإعلان جمهوريّة الملالي الإسلاميّة!

صديقي المنتمي إلى حزب الله والوفي لعقيدته،
أن تتهم بعض الميليشيات المسيحيّة (المنضوية تحت القوات اللبنانية) بالتعامل مع إسرائيل، ومعاقبتها على هذا “الإثم” بحرمانها مصافحتك، لهو أمرٌ طبيعي ولم يعد يشكّل لنا أيّ إحراج.

أمّا في ما يخصّ تعرّضك للجبهة اللبنانية، فأنت تتعرّض لوجدان كل المسيحيّين المؤمنين بلبنان الوطن الحر، بمن فيهم حلفائك العونيّين الذين إذا خيّرتهم بين اتفاقيّة مار مخايل والوفاء للجبهة اللبنانية، لاختاروا الوفاء للجبهة اللبنانيّة.

يكفيكم، صديقي، تستّرًا خلف إسرائيل بوصفها عدو للبنان. كلكم تعاملتم مع إسرائيل لنيل مكاسب منها، على عكسنا نحن المسيحيّين الذين استغلينا قوة إسرائيل، لإخراج الفلسطيني من لبنان، ولم نُعطِها شيئًا.

أَوَلَم تكن للسنّة مصلحة في ان تجتاح إسرائيل لبنان؟ ألم يقلها صائب بيك سلام بوضوح لجوني عبدو: “إذا خلّصنا الإسرائيليون من السوريّين، فأهلًا وسهلًا بهم”؟

ألَم يقلها زعيم الدروز، وليد بيك جنبلاط، بوضوح لزاهي البستاني عشيّة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982: “المهم أن يرجع السوريون إلى حمص. فإذا ظلّوا في البقاع، فعندها تقع المصيبة”؟

أوَلَم يستقبل الشيعة طليعة الدبابات الإسرائيلية التي اخترقت الشريط الحدودي الجنوبي، بالـ “زلاغيط” ورش الأرزّ عليها، إذا وجدوا بإسرائيل الفرج بعد كلّ ما عانوه من الفلسطينيّين الذين انتهكوا حرماتهم، واستباحوا أرضهم وسلخوهم عنها بحجّة ضرورات مقاومة العدو الصهيوني؟

ألم يُحرّر الاجتياح الإسرائيلي أحزاب ما يعرف بالأحزاب الوطنيّة اليسارية من النير العرفاتي؟

ألم يقم جورج حاوي، زعيم الحزب الشيوعي وأحد أبرز حلفاء عرفات، بنقد ذاتي في مجلة الطريق (عدد شباط 1983) واعترف قائلًا: “لا شكّ أنّنا بالغنا في وضع مصيرنا بين يدي منظّمة التحرير الفلسطينيّة التي أخطأت في ازدرائها بكل ما هو لبناني”؟

نحن نقبل يا صديقي أنّنا “عملاء” لأنّنا تعاملنا مع عدوّك الصهيوني، وأنّ حزبك وحلفاءه من بقايا الحركة الوطنيّة، هم “شرفاء أبطال”. لكن هل بالإمكان أن تصنّف لي حزبك الذي دعا رجال الدين فيه عام 1982، لإعلان “الدولة الإسلاميّة في بعلبك – الهرمل”؟! كما دعوا الجنود الشيعة في الجيش اللبناني للالتحاق بالحركات الاسلاميّة؟ هل بالإمكان أن تصنّف لي حزبك الذي أنزل العلم اللبناني عن سرايا بعلبك يوم عيد الاستقلال عام 1982، ورفع مكانه علم الإسلام الشيعي، ومزّق صور رئيس الجمهوريّة أمين الجميل ورفع مكانها صور الخميني؟!

هل بالإمكان أن تقول لي في أيّ خانة تضع توقيع شخصيّات شيعيّة لبنانيّة من خطك (مع قلّة من السنّة)، على بيان يحرّض على قيام الدولة الاسلاميّة في لبنان أو على جزء من أراضيه: “ينبغي تأليف حكومة إسلاميّة في لبنان كشرط لازم لوضع حدّ للحرب الداخليّة فيه”! وقد فوّض الخميني حينذاك صلاحياته التشريعيّة والتنفيذية والقضائيّة إلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الذي بات من ضمن صلاحياته فرض القضاء الإسلامي، وإقالة رئيس الجمهورية، وتعيين قائد للجيش…الخ.

نحن تعاملنا مع إسرائيل يا صديقي، وها أنا عرضتُ أعلاه لحقيقتكم المتستّرة، فإذا كنّا نحن عملاء، فبماذا نُصنّفكم؟!

نحن يوم تعاملنا مع إسرائيل لتحرير لبنان من الغرباء، كانت إسرائيل أكثر لبنانيةً منكم.

ولمَن تسوّله نفسه الإساءة إلى أحزاب الجبهة اللبنانية، نقول: يكفيك أن تنظر إلى أعلام أحزاب الجبهة اللبنانيّة لترى كيف أنّ الأرزة وألوان العلم اللبناني لم تغِب عن أيّ منها، وكيف أنّ تصاميمها كلّها مُستوحاة من العلم اللبناني. بينما إذا نظرت إلى أعلام أحزاب الحركة الوطنية، من شيوعيّة وعلمانيّة وعربيّة، فسوف ترى أنّ لا واحدًا منها له علاقة بالعلم اللبناني أو بالمعاني التي يحملها.

أضع معلومات مقالتي الحاضرة برسمك صديقي المنتمي إلى حزب الله، آمِلًا، من خلال إجهاري جزء من الحقيقة، بأن تقتنع أن الجبهة اللبنانية لم تُطلق الحرب عام 75، لا بل حلفاؤك المحليّين والأجانب هم من فعلوا ذلك. وأنّ من يغيّر وجه لبنان اليوم هو حزبك وسلاحه. وعسى، يا صديقي، أن تُطوى صفحات الفراق بيننا، ونتطلّع معًا إلى وطنٍ جامعٍ عاصمته بيروت.

بإمكان عونيّي مار مخايل الاطلاع بدورهم على هذه المعلومات.

غدًا: الجزء الثاني من مقالة “نعم تعامَل المسيحيّون مع إسرائيل… لكنّ الآخرين همِ العملاء”!

ملاحظة: الصورة المرفقة هي لأهالي من ابناء الطائفة الشيعية يستقبلون الجيش الإسرائيلي عام 1982 بنثر الريحان والأرُز