الكولونيل شربل بركات/هل يرسخ الراعي جذور لبنان الكبير الذي أقامه الحويك قبل مئة عام؟

559

هل يرسخ الراعي جذور لبنان الكبير الذي أقامه الحويك قبل مئة عام؟
الكولونيل شربل بركات/07 تموز/2020

البطريرك الراعي خليفة نصرالله صفير بطريرك الأستقلال الثاني، الذي عمل بدون ضجيج على تدعيم فكرة اجتماع اللبنانيين حول مطلب خروج المحتل السوري، يقف اليوم أمام مفترق طرق مهم وتاريخي.

فهو البطريرك السابع والسبعون على كرسي بطرس الانطاكي وقد ورث تاريخا من النضال والتجذّر في هذا الجبل المقدس منذ ما يزيد عن الخمسة عشر قرنا تميزت بالعطاء والتمسك بالمبادئ والقيم، حتى أصبح هذا الجبل موئل الأحرار وملجأ الهاربين من كل جور.

يرمز العدد سبعة في الكتب المقدسة إلى الكمال ويدل في نفس الوقت على الكثرة. فالأسبوع سبعة ايام لأن الله خلق الكون في ستة وفي السابع استراح، والكواكب في المجموعة الشمسية سبعة. والعدد سبعة عدد مقدس، ففي السنة السابعة يجري اليوبيل وتمحى كل الذنوب الماضية.

وحتى في القرآن الكريم تظهر أهمية ورمزية العدد سبعة فالسماوات سبع وبقرات يوسف وسنابله سبع وأيات الفاتحة سبع. وسبع وسبعون هي الكثرة المطلقة من السبعة ويتفائل الكثيرون بهذا العدد.

من هنا فإن البطريرك الماروني الحالي والذي يحمل الرقم 77 في سلسلة البطاركة الموارنة يجب أن يكون بطريركا مميزا في أعماله ليذكره التاريخ.

فالبطريرك الحويك، والذي حمل الرقم 72، قام بكل ما استطاع من جهد وعمل ومتابعة حتى توصل إلى دولة لبنان الكبير، بالرغم من كل الصعوبات والمشاكل.

ويوم انتخب البطريرك الراعي تفاءل الكثيرون، فهو يحمل في جزئي اسمه أي بشارة وراعي نوعا من الايجابية.

ففي معنى البشارة تفاؤل بخبر سار يأتي من السماء ومن بركتها ورحمتها ليعم البشرية كما كانت بشارة السيدة العذراء.

وفي الراعي معنى العناية والعمل بمحبة واخلاص من أجل تحسين وضع الرعية وتأمين مستقبلها وحمايتها من اللصوص والوحوش.

فهل تكون هذه المعاني التي يحملها الاسم حافزا لنا لكي نحلم بالخير الناتج عن رؤية من “أعطي له مجد لبنان “؟

حتى اليوم، وقبل أن نسمع آخر خطاب للسيد البطريرك يوم الأحد الماضي في الديمان، كان موقفه دوما مائعا وعاما. بمعنى أنه لم يعالج الأمور بعمقها واكتفى بمساندة الحكام السياسيين في ادارتهم للبلاد. وكأن الرعية لا تعنيه ومعاناتها ليست من مسؤولياته. وهو منذ انتخابه لم يكمل ما بدأه سلفه في المواقف الوطنية. وقد تنازل كثيرا يوم ذهب إلى سوريا عدد من المرات بدون أن يسأل أو ينال أية تنازلات من قبل حكامها في مواضيع تدخلهم في لبنان، واقله موضوع المساجين اللبنانيين عندهم.

ويوم وقف يدافع عن الرئيس السوري في فرنسا لم يكن موقفه (المجاني) تاريخيا ولا حتى ديبلوماسيا. وكذلك يوم رافق قداسة البابا فرنسيس إلى الأراضي المقدسة، لم تكن زيارته موفقة، كونه تهرّب من لقاء اي مسؤول ديني أو دنيوي، حتى بوجود البابا في الأرض التي زارها، ولو أن زيارته للبنانيين المتواجدين هناك كانت ذات شأن بالنسبة لهذه الجالية.

قد يكون بعض المستشارين الذين يحيطون بغبطته أساؤوا التقدير وجعلوه يبدو وكأنه يساير الاحتلال الإيراني المتمثل بحزب السلاح، والذي يقود البلاد إلى الهاوية لتصبح تابعا لدولة، أقل ما يقال فيها أنها تعادي كل المحيط، وتستعدي دول العالم الحر. وهذه التي كانت دوما حليفة للبنان ومهتمة بتقدمه واستمراره. وحتى في آخر مواقفه، وبعد الثورة، لم يتخذ صاحب الغبطة قرارا واضحا وقويا يمكن أن يبنى عليه. ولكنه في خطابه الأخير بدأ يشير إلى بعض التقدم في تفهّم أساس المشكل وتبنّي المواقف المطلوبة للخروج من الأزمة الحالية، والتي أساسها سقوط لبنان رهينة بأيدي حزبالا وأسياده، ومحاولتهم اعلان الحرب على دول العالم، باستعمال قوت بنيه وكرامة شعبه واستقرار نظامه.

إن مشكلة الفساد المستشري بين القيادات السياسية معروف منذ دخول السوريين إلى لبنان. وهو مرض الاحتلالات كلها. لأن المحتل لا يهمه مشاكل المواطنين بقدر ما يهمه الهيمنة والقبول بسلطته. وهناك دوما وفي كل المجتمعات، من يخدم المحتل خوفا كما فعل الرئيس الحص أو من يحاول أن يستغل حاجة المحتل لتأمين أكبر قدر من المكاسب الشخصية.

ويوم قبل الرئيس الحريري أن يمسك الملف الاقتصادي ويترك الملف السيادي للمحتل كان يرسم مصيره بيده، لأنه مهما قدم لن يستطيع أن يرضي المحتل، ولا بد له من الاصطدام معه.

فهو قبل أن يبقي حزبالا فصيلا مقاتلا بكل سلاحه وكل مشاريعه، وسمح له أن يفاوض اسرائيل بغياب لبنان مرتين؛ يوم عملية “عناقيد الغضب” ويوم عملية “الحساب” ( وفي زمن السنيورة فاوض على ما سماه ملف الأسرى) فكان أن أُعطي هذا الحزب دور لبنان في تقرير المصير، وبالطبع فهو سيقاتل يوم يقال له كفى.

وهذه السياسة، التي بنيت في عهد الرئيس الحريري، أكملت مسيرتها مع من ركبوا فوق تحرك الناس في ثورة الأرز، وحاولوا التملص من القرارات الدولية والتقليل من أهميتها. فإذا بهم يصطدمون بالقرار الإيراني الذي فتح حرب “لو كنت أعلم”.

ومن ثم هاجم السرايا، لأن سيدها خاف من المواجهة. وقد كانت وفرتها عليه الأمم المتحدة يوم اقترحت أن يكون تنفيذ القرارات الدولية تحت البند السابع. ولكنه فضّل نتائج “الشحادة” على مكاسب السيادة فسقط في ذلك “اليوم المجيد” السابع من أيار 2008، وكان سقوطه عظيما ومدويا.

وجاء الحريري الأبن وقد تخلى عن دم ابيه وذهب إلى دمشق وقبل بالسين سين. فكيف يطلب من العالم المساندة؟

ثم جاء عون الذي فاوض سوريا قبل تركه فرنسا ليبصم على تبعيته لممثل إيران في لبنان ويغطي حربه وسياسة التخريب التي اعتمدها في البيئة المسيحية، مقابل مشاركة جبران لأرباح “المال الحلال” وتمويل وسائل الاعلام التي سميت على تياره.

فكيف بنا أن نعتب على صغار المتعهدين والمصلحجية، إذا كان من سرق حلم اللبنانيين من كبار القادة والسياسيين قد مارسوا سياسة الاستفادة والمصالح، بدل سياسة الامساك بالقرار الوطني وتفعيل دور السلطة والتحلي بالمسؤولية في قيادة البلاد وتنظيمها، لتكون واحدة من الدول المتقدمة، لا سوقا سائبا يتنافس فيه الكذبة والمراؤون وكل أنواع اللصوص، الذين لا يهمهم مصير الناس ولا مستقبل البلاد.

من هنا العتب على بكركي وسيدها. فالشعب ينقاد بسهولة إلى الطرق السهلة والابواب الواسعة. ولكن ضمير الأمة والراعي الصالح يجب أن يرى إلى إين تسير القطعان وأي شر ينتظرها، فيوجهها قبل أن تصل إليه، ويعالج المشكلة قبل أن تستفحل.

لذلك فإننا نرى دور بكركي الحالي مهم جدا. ويجب أن تسعى إلى طلب تدخل الأمم المتحدة لفرض تنفيذ القرارات الدولية كافة تحت البند السابع.

ومن ثم محاكمة كل الفاسدين والخونة من السياسيين الذين أوصلوا البلاد إلى هذا الدرك، باشراف محكمة دولية. وعندها يمكن مصادرة أموالهم واستعادة المسروق منها.

وبعدها يصار إلى انتخابات حرة، أيضا تحت اشراف دولي، ولا يهم في ظل أي قانون، لأن على المجلس الجديد الذي ينتخبه الشعب الطالع من ثورة الجوع، والذي لن يسلم مقاليد الحكم إلا تحت المراقبة والاشراف المتواصل هذه المرة.

ومن ثم تنبثق حكومة تفاوض الأمم المتحدة على استلام السلطة والسيادة، في ظل حدود مرسمة وممسوكة، وبغياب اي سلاح غير اسلحة الدولة، ومع وجوه جديدة تلتزم العمل والانتاج لا السمسرة والسرقة.

ونحن واثقون بأن العالم أجمع سوف يهب لمساعدة لبنان. فابناء لبنان المنتشرين في بقاع الأرض، عدى الذين شوه صورتهم زبانية المحتل، يشرّفون بلادهم ويقدمون للعالم أنصع الصور عن الجهد والتقدم وحسن التعاطي السلمي مع المجتمعات المتعددة الاثنيات والمعتقدات. وها هو رئيس الدومينيكان الجديد اللبناني الأصل أفضل صورة عن ذلك.

إن لبنان جوهرة ثمينة يا صاحب الغبطة ودوركم يتمثل في من أعطي له مجده، وهو ليس بالدور البسيط. وقد سبقكم المثلث الرحمات البطريرك الياس الحويك في اعادة لبنان بحدوده التاريخية. ودخل التاريخ من بابه الواسع. فليكن عملكم تحقيق الحلم باستعادة لبنان لدوره وأمن وأمان شعبه من كل النواحي. ومشاركته قيادة الشرق الأوسط في المرحلة الجديدة التي ستكون مرحلة السلم والطمأنينة والرفاه.

فإذا كان الحويك اقام لبنان الكبير فبعد مئة عام، وبالرغم من كل المخاض، ليكن دوركم تثبيت الاستقرار والتعاون بين بنيه، أقله لمئة سنة أخرى.

فأنتم لا ينقصكم الشجاعة ولا الاقدام وجل ما في الأمر اتخاذ القرار التاريخي الصائب، وعدم اعطاء الأذان لمن يصطادون في المياه العكرة ويحللون انطلاقا من مصالحهم الضيقة أو ما في نفوسهم المريضة.

الفرصة سانحة، والعالم ينتظر، واللبنانيون جاهزون للسير في طريق التقدم. فهلم نبني وطنا على قياس طموحاتهم، لا مزرعة صغيرة يتشارك الرعاة فيها مع الذئاب على هدمها وأكل القطعان…