نديم قطيش/نحنا حنقتلك.. نحنا حنقتلك.. نحنا حنقتلك

643

نحنا حنقتلك.. نحنا حنقتلك.. نحنا حنقتلك
نديم قطيش/اساس ميديا/الأحد 21 حزيران 2020

للمرّة الأولى يبدو خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله بلا مُخَاطَب محدّد. جرت العادة أن يتكلم بدقة وأن يمتدح نفسه أو يُمتدح بأنّ “جمهوره” في ضفّة الأعداء والخصوم يصغي إلى كلّ كلمة يقولها ويثق به أكثر مما يثق بقادته ومسؤوليه..

فلو تحدّث مع الإسرائيليين وجّه كلامه لهم ولفظ أسماء مستوطناتهم ومدنهم بالاسم. ولو تحدّث مع داعش أو جبهة النصرة أو القاعدة لا يتردّد في التوجّه إلى قادتهم بالاسم، مهدّداً تارة وناصحاً تارةً أخرى..

الوضوح والمباشرة سمتان صنعتا قوّة حضوره وقدرته الهائلة على إسماع صوته وشدّ الانتباه إلى ما يدلي به من مواقف.

بسبب من هذه الخلفيات بدت الجملة الأقوى في خطابه الأخير، هي الجملة الأضعف.. خطاب توجّه به لمجهول “يضعنا بين خيارين، يا منقتلك بالسلاح يا منتقلك بالجوع” مؤكداً أنّ “سلاحنا سيبقى بأيدينا ولن نجوع..

نحن حنقتلك”. كرّر التهديد الأخير ثلاث مرات بعصبية بادية..
لم يحدّد الرجل على وجه الدقة، من الذي سيُقتل وكيف. هل سيقتل أميركا؟ كيف؟ هل سيقتل حلفاءها؟ كيف؟ هل سيقتل السيد دولار؟ كيف؟ هل سيقتل حلفاءه ممن قد تسوّل لهم نفوسهم التهاون في الضغوط الأميركية؟ كيف؟
كيفما أدرت دفة السؤال ستحصل على إجابات أكثر غموضاً من السؤال نفسه. فلم يسبق أن هدّد أحد السيد دولار بالقتل أو الخطف أو تدمير بنيته التحتية أو اعتراض رزمه بالصواريخ!

إفقار منظّم للحزب يتمّ عبر مطاردة خطوط الإمداد المالي ووزراء ماليته الذين كان آخرهم “اليكس صعب”.

شيء من السوريالية يحيط بالتهديد.. والكثير من الشعور بالعجز. للمرة الأولى يجد نصرالله أنّه يواجه حرباً لا يمتلك فيها أدوات مواجهة أو ردع ولا مكوّنات يستطيع أن يرسم بها معادلات توازن من أيّ نوع.
والمعركة تجري في ميدان لا يمتلك فيه كوادر ولا خبرات.

إفقار منظّم للحزب يتمّ عبر مطاردة خطوط الإمداد المالي ووزراء ماليته الذين كان آخرهم “اليكس صعب” الذي اعتقلته سلطات جمهورية الرأس الأخضر، بناء على مذكرة توقيف أميركية، وهو رجل الأعمال الكولومبي اللبناني المتهم بإجراء تعاملات فاسدة مع حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

قبله أوقفت السلطات المغربية ربيع العام 2017 رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين وسلّمته إلى أميركا التي حكمت عليه إحدى محاكمها بالسجن خمس سنوات وبدفع غرامة مالية قدرها 50 مليون دولار، لإدانته بالالتفاف على عقوبات أميركية فرضت عليه باعتباره “مساهماً مالياً كبيراً” لحزب الله، بحسب تصنيف وزارة العدل الأميركية له.

أصاب نصرالله في توصيفه لطبيعة المواجهة الحاصلة. غير أنّه لا يملك إلاّ خيار الانتحار ونحر لبنان معه.

في هذا السياق يروي كتاب “هاربوون” خفايا الحروب المالية التي تخوضها إسرائيل ضد من تصفهم بالتنظيمات الإرهابية. “هاربوون” هو اسم وحدة استخبارات قادها مئير داغان قبل أن يصبح رئيساً للموساد الإسرائيلي، وتهدف لضرب البنية المالية لـ”حزب الله” و”حماس” ومنظمات أخرى، عبر عملية معقّدة من جمع المعلومات المالية، وداتا الاتصالات، وداتا السفر. ويضع الكتاب اغتيال القيادي في “حماس” محمود المبحوح في هذا السياق، واصفاً إياه بأنّه أحد كبار القادة الماليين لـ”حماس”.

كما يكشف الكتاب معلومات مثيرة عن كيفية خداع إسرائيل لصلاح عز الدين، الذي يصفه الكتاب بأنّه أحد القادة الماليين لـ”حزب الله”، وتوريطه في استثمارات مصمّمة سلفاً لأن تؤدي إلى إفلاسه وحرمان “حزب الله” من الأصول والأموال التي كان يديرها عز الدين.

كما يروي الكتاب حكاية اختراق إسرائيل للبنك اللبناني الكندي، عبر أحد الموظفين فيه، وتكوين ملف مشابه للدعاوى المرفوعة الآن وسابقاً على مصارف لبنانية وعربية ودولية بتهمة تقديم خدمات مالية لـ”حزب الله”، ما أدى لتذويب البنك عبر عملية دمج مع مصرف سوسيتيه جنرال وتسوية مالية ضخمة.

مثل هذه الحرب لا يملك حزب الله حيالها إلاّ الدعاء بردّ القضاء أو اللطف فيه، ومثله أيضاً لا يملك اللبنانيون حيلة للمواجهة. فقد انتقلت الحرب المالية من مواجهة حزب الله كمنظمة إلى عملية حصار نوعي للبنان ككل، وسط قناعة تتنامى في العالم باتت تعتبر أنّ انهيار لبنان هو خسارة جانبية في معركة أكبر وأوسع ويمكن احتمالها.

أصاب نصرالله في توصيفه لطبيعة المواجهة الحاصلة. غير أنّه لا يملك إلاّ خيار الانتحار ونحر لبنان معه. وما أعلنه على عجل من اقتراحات “بدائية” بشأن اقتصاد المقايضة أو الركون إلى العملة المحلية في التعاملات مع الدول التي تقبل بذلك (لا أحد غير إيران بالطبع!!)، لن يفيد أبعد من إيهام بيئته أنّ ثمة حلولاً لتفادي الجحيم المقبل وأنّ أحداً غيره يمنع ذلك.

يكفى أن يشاهد نصرالله مسلسل “ناركوز” الذي يروى سيرة، بابلو إسكوبار، أشهر تاجر مخدرات في العالم، ليعلم أيّ مصير يمشي ونمشي إليه جميعاً. الخطة المحكمة ضد إسكوبار، ارتكزت إلى تصفية كبار قادة تنظيمه ومحاصرة مصادر أمواله، وتدرّجت بالنجاحات حتى بات إسكوبار هارباً ومعزولاً في شقة مرتجلة برفقة حارسه الشخصي قبل أن يقتل.

نصرالله ليس إسكوبار. لبنان كله بات إسكوبار، وما هذا إلاّ بداية الحصار، الذي لا تنفع في مواجهته “أعتى عبارات التهديد”!!