يوسف بزي/ثلاثة أيام لبداية جحيم جديد في سوريا

264

ثلاثة أيام لبداية جحيم جديد في سوريا
يوسف بزي/موقع تلفزيون سوريا المعارض/14 حزيران/2020

بعد ثلاثة أيام، يدخل “قانون قيصر” حيز التنفيذ. إنه الموعد المخيف للنظام السوري. لكنه أيضاً الموعد المشؤوم للمواطنين السوريين المقيمين داخل بلدهم، في المناطق التي يسيطر عليها جيش الأسد. فالحظ التعس للمواطن السوري هذا، يجعله ينوء تحت عبء تحمل الانهيار الاقتصادي الحاصل منذ سنوات، والذي سيتحول مع “قانون قيصر” إلى إفلاس اقتصادي شامل إلى حد الجوع.

الحصار الأميركي والعقوبات الفعالة نسبياً في السنوات الفائتة، مضاف إليها حجم الدمار والخسائر البشرية والمادية الفادحة والكلفة الهائلة للحرب، كان كل هذا بمثابة كارثة للأحياء الذين فقدوا مقومات العيش اليومي والقدرة الشرائية. ورغم قساوة كل ذلك، فإن الأسوأ والأقسى سيأتي تباعاً مع “قانون قيصر”، الذي سيستهدف مالية “الدولة السورية” ومواردها واقتصادها على نحو متشدد وخانق.

المعروف سلفاً أن ليس لـ سوريا اليوم علاقات اقتصادية مع العالم، لا تجارة ولا استثماراً ولا سياحة. واليوم، أكمل الأميركيون الطوق الذي عملوا عليه بهدوء وصمت. وكانت إشارته الأولى الظاهرة، حين لجمت تلك الاندفاعة الطائشة لدولة الإمارات في محاولتها تطبيع العلاقات مع الأسد والبدء بمشاريع استثمارية عقارية وتجارية. حينها أدركت الدول العربية أنه غير مسموح لها بمدّ النظام السوري بأي جرعة أوكسيجين.

التحول المهم حدث في العراق. عادت أميركا لتفرض نفوذاً سياسياً وأمنياً على بغداد وعلى قرارات الحكومة العراقية. فالدولة التي كانت مفتوحة لـ سوريا باتت حدودها مغلقة بأمر أميركي. وبالتزامن، عمل الأميركيون مع الأردن على خفض كل الصلات الاقتصادية، استيراداً وتصديراً مع “الدولة السورية” إلى أدنى مستوى ممكن، وبالكاد يقتصر على بعض المبادلات عبر معبر “نصيب”.

الضربة الكبيرة كانت في لبنان، المنفذ الشرعي وغير الشرعي الذي يستفيد منه النظام السوري ويشكل له أحد أهم شرايين الحياة، هو أيضاً بات مشمولاً على نحو شبه علني بالعقوبات. القنوات المالية السرية عبر المصارف والتحويلات غير المباشرة والاستيراد بالوكالة عبر مرفأ بيروت ومطارها.. كل هذا بات بالغ الصعوبة وشبه مستحيل. فلبنان نفسه فقد احتياطاته من العملة الصعبة، وانهياره الاقتصادي يشابه تقريباً الحال السورية. والمصارف اللبنانية تحت مجهر الرقابة الأميركية اللصيقة.

الدولة اللبنانية، وهي رهينة حزب الله، لا يمكنها تحدي الأميركيين وكذلك لا يمكنها عصيان حزب الله. إنها في عجز تام. والمصرف المركزي الذي كان يموّل استيراد القمح والمحروقات ويضخ السيولة الدولارية في السوق، يعاني اليوم من شح في النقد. لذا، لم يعد بمستطاع النظام السوري تأمين القمح والمشتقات النفطية والنقد الدولاري عبر لبنان. وكان واضحاً أن أزمة “المازوت” في لبنان سببها التدقيق الصارم في الكمية التي يحتاجها لبنان فلا يستورد ما يفيض حاجته ليتسرب تهريباً إلى سوريا.

المصرف المركزي اللبناني والمصارف الخاصة أبدت تجاوباً مع متطلبات “قانون قيصر” منذ نحو الشهر. ولذا، يمكن القول إن كل محاولات حزب الله في السنتين الأخيرتين لتجيير إمكانات لبنان لصالح دعم النظام السوري، أصبحت اليوم مستعصية بعدما كانت إحدى الأسباب المباشرة في الأزمة المالية اللبنانية. والحيلة الأخيرة التي كان يعتمدها الحزب ونظام الأسد، باستغلال شركات التحويل الإلكتروني (“ويسترن يونيون” مثلاً) للحصول على الدولارات، أضحت غير فعالة بعدما أجبر المصرف المركزي تلك الشركات على تسليم الحوالات فقط بالليرة اللبنانية على أن يشتري المصرف بنفسه تلك الدولارات.

ولكي ندرك دهاء الخطة الأميركية في خنق النظام السوري، ننتبه الآن لماذا الأميركيون كانوا شديدي الإصرار على الحضور الميداني العسكري وفرض سيطرتهم على الشمال الشرقي وأنحاء أساسية من منطقة الجزيرة في سوريا، وحيث تسيطر الميليشيات الكردية على مساحات زراعية شاسعة بالغة الحيوية لـ”الأمن الغذائي” السوري. فهناك تقريباً السلة الغذاية الزراعية، وأولها القمح. والأميركيون الآن فرضوا عدم التعامل مع النظام أو إمداده بالحبوب والقمح.

بهذا “الإيمان” الأسدي، وقراره أن يذهب بسوريا إلى الجحيم، سيتحول “قانون قيصر” إلى كابوس جوع لكل مواطن سوري

بالطبع، إلى جانب القمح، هناك في تلك المنطقة أيضاً آبار النفط، التي كانت تؤمن للنظام السوري مورداً أساسياً وعملة صعبة ومدداً للاستهلاك المحلي من الطاقة. وهذا ما هو محروم منه.

الحصار المطبق، وقطع شرايين الاقتصاد والمال سيكون مع “قانون قيصر” بالغ الشدة والفعالية. خصوصاً أن الدول الحليفة أو الداعمة للأسد، هي نفسها تعاني من أزمات اقتصادية ومن عقوبات أميركية، تجعلها عاجزة عن تأمين ما ينقذ الأسد من الحصار. بل إن إيران وروسيا يلحّان عليه تسديد الديون المليارية وبالدولار!

تقريباً، لم يعد في الخزينة السورية احتياطات مالية تكفيها لأشهر قليلة، وحتى ولو استولى الأسد على ما تبقى من أرصدة لأمثال رامي مخلوف داخل سوريا، فإن مليارات الدولارات “المهربة” لن تعود إلى سوريا.

وكل هذا يقود إلى نتيجة واحدة: إفلاس وضيق اقتصادي غير مسبوق. وستقع إدارة الأسد في عجز عن تأمين الغذاء والدواء والطاقة. فيما العملة السورية ستتجه أكثر فأكثر إلى تسجيل المزيد من الأرقام القياسية هبوطاً. هذه الحرب ليس فيها جندي أميركي واحد. حرب بلا أدنى خسائر للأميركيين. صفر إصابات.

المأساة أن الأسد لن يحتار أبداً. لن يعتل همّ الخيارات والحلول الممكنة. لن يفكر لحظة بكيفية تجنيب السوريين تجرع كأس السم. الأسد الذي “يؤمن” أن سوريا أرضاً وشعباً وُجدت من أجله وعائلته هي أرخص من كرسيه. أن سوريا الدولة ما هي إلا ملكية شخصية، يحوزها ويتصرف بها كما يشاء، هي من يموت من أجل “رئاسته”. هي التي ستضحي بنفسها طوعاً أو قسراً من أجل بقائه.

بهذا “الإيمان” الأسدي، وقراره أن يذهب بسوريا إلى الجحيم، سيتحول “قانون قيصر” إلى كابوس جوع لكل مواطن سوري. هذا ما اختبرناه سابقاً مع أنظمة شبيهة، كحال كوريا الشمالية وفنزويلا والعراق في التسعينات