حبيب شلوق/المطران يوسف بشارة الزغرتاوي الذي يعرف أن يقول لا

237

المطران يوسف بشارة الزغرتاوي الذي يعرف أن يقول “لا”
حبيب شلوق/المرصد/10 حزيران/2020

معظم الذين كتبوا عن المطران يوسف بشارة ركـّـزوا في كتاباتهم على الدور الذي اضطلع به في تأسيس “لقاء قرنة شهوان”، وإدارة هذا اللقاء أي أن التركيز انحصر تقريباً بالدور السياسي لهذا الأسقف الآتي من زغرتا والذي يعرف أن يقول “لا” ومتى يقولها، من دون غوص معظم الكتـّاب في روحانيته “بما ترتكز على الخدمة بكل أشكالها، وعلى المحبة الراعوية وليس على العبادات وإن كان لها مكانها”( كتاب “المطران يوسف بشارة مراحل ومحطات” ص 78 ).

والمطران بشارة عرف كيف يوفـّق بين التزامه الروحاني والكنسي، وبين الالتزام الوطني القائم على التمسك الشديد بالثوابت الوطنية، وعدم المساومة في موضوع العيش الواحد وتقبّل الآخر.

من هنا شارك عام 1966 في تأسيس “كنيسة من أجل عالمنا”، ثم قرّر التعاون مع علمانيين عام 1976 وأنشأ “لقاء آذار” الذي ضم مسيحيين ومسلمين، قبل أن يمضي عام 1977 إلى الإنفتاح على غير الموارنة من المسيحيين ، منطلقاً من اجتماع سيدة البير.

وقد تكون الخطوة الأبرز التي خطاها كانت بتعيينه رئيساً للمدرسة الإكليريكية المارونية خلفاً للخوري خليل أبي نادر، وهو قرار اتخذه البطريرك الراحل مار أنطونيوس بطرس خريش، الذي كان ـــ بالتشاور حُكماً مع نائبه العام المطران نصرالله صفير ـــ أول مكتشفي تلك الخامة الكهنوتية، وهو تعيين أثبت لاحقاً أنه كان ممهداً لتعيينه مطراناً على أبرشية أنطلياس بقرار فاتيكاني مع رفيقه وسلفه في الإكليريكية الكاهن خليل أبي نادر، على أبرشية بيروت عام 1986، وهما كانا المطرانين الأولين في ولاية البطريرك صفير الذي تلا القرار البابوي بتسميتهما بعيد فترة قصيرة من انتخابه بطريركاً.

وكان قرار تعيينهما مطرانين فاتحة خير ومؤشراً إلى كل الذين تبوأوا بعدهما رئاسة الإكليريكية، وهو قرار ثبتت صوابيته مع رؤساء الإكليريكية الذين خلفوهما المطارنة أنطوان نبيل العنداري وميشال عون ومارون العمار.

والمطران بشارة الذي تنقّل في مناصب عدة منذ خدمته الأولى في رعية القديسة أوديل في فرنسا، ومواكبته المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965  ثم تتلمذه على يد مرشده وعراّبه في السيامة المطران اليسوعي عبده خليفة، كل ذلك قرّبه من الحياة الرهبانية اليسوعية وقد أسس مع رفاقه المطارنة هيكتور الدويهي وبولس إميل سعادة ويوسف ضرغام وفرنسيس البيسري وأنطوان حميد موراني مجلة “نور وحياة” التي انتشرت لاحقاً في كل الأبرشيات، ثم عضويته في فريق ثلاثي ضم الآباء ــ المطارنة لاحقاً ـــ عبده خليفة وفرنسيس البيسري ويوسف بشارة لترجمة نصوص المجمع الفاتيكاني الثاني في ذلك العام. كما أصبح مسؤول الإعلام في المجمع البطريركي الماروني بين 2003 و2006 وفيه تعمّقت أكثر فأكثر في معرفته وترسّخت صداقتي به.

والمطران بشارة الذي تتلمذ على الآباء السولبسيان ( Saint Sulpice ) في فرنسا كان مقتنعاً بالمبدأ الذي يعتمدونه “لا تطلب شيئاً ولا ترفض شيئاً”، فهو لم يرفض طلب البطريرك صفير منه عام 2001 ترؤس “لقاء قرنة شهوان” الذي كان “صوت البطريركية ولا صوتها” في الوقت نفسه.

وفيما اعتبر البعض أن اسناد صفير له رئاسة “لقاء قرنة شهوان” هو لـ”حرقه” وابعاده عن سدة البطريركية بعد توقيعه و3 مطارنة آخرين عريضة رفعت إلى الفاتيكان تطلب تحديد سن التقاعد للبطريرك “لأن هذا البطريرك في صحة جيدة وهو من عائلة معمّرين والمطارنة الشباب شارفوا على انقضاء آمالهم”، إلا أن مَن يعرف الرجلين جيداً يدرك أن المطران بشارة هو من بين 5 مطارنة قريبين جداً من البطريرك صفير، ولذلك هو اختاره خصوصاً لأنه تمرّس في النشاطات الوطنية والإنفتاح على كل الطوائف منذ تأسيسه “لقاء آذار” عام 1976، إلى اللقاءات التي ترأسها في منزل الوزير السابق فؤاد بطرس مع مجموعة سياسيين عام 1997 للبحث في حلول للوضع.

كذلك فإن البيان الأول لـ”لقاء قرنة شهوان”أذيع من بكركي، الذي أتى منطلقاً من “نداء أيلول” عام 2000 الداعي إلى الانسحاب السوري من لبنان، و”لأن صفير كان الداعي الأول إلى التحرير” كما برّر بشارة مكان إذاعته.

وفي مواقف المطران بشارة ابن بلدة عربة قزحيا ــ قضاء زغرتا ، أذكر أن اجتماعاً حصل في دير مار انطونيوس بالسلاسل (San pietro in vincoli ) في روما عام 1995 برئاسة البطريرك صفير ، وضم الإجتماع المطارنة المشاركين في السينودس والذي استمر 27 يوماً متواصلاً، وكان الوضع في لبنان في ذروة التأزم، ولا بد من بيان يتسم بنوع من الشدة وخصوصاً أن تغطية إعلامية من روما صدرت في بيروت تشير إلى أن اجتماع المطارنة المقرر سيدعو إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان (جريدة “النهار”).

وطـُبع البيان على الآلة الكاتبة، وبعد تلاوته رأى البطريرك صفير القارئ الجيـّـد وعدد من المطارنة ضرورة الإشارة إلى وجوب الإنسحاب السوري من لبنان نظراً إلى أن أجواء السينودس كانت مؤيدة لهذا الموقف، وبعد التنقيح، وإدخال المطران بشارة التعديلات التي فيها بعض الصرامة بخط يده، صار بحث في مَن سيتلو البيان، من غير البطريرك، باسم المطارنة.

وبعد أخذ ورد، اقترح أحد المطلعين على البيان من غير الأساقفة ، أن يتلوه المطران شكرالله حرب إبن اليمونة الصلب وراعي أبرشية جونية قلب الجبل، وهي فكرة استساغها البطريرك والمطارنة وفي مقدمهم بشارة… وهكذا كان.

المطران بشارة أسقف من طراز مميّز ، هو خادم كنيسة، ولاهوتي متتلمذ على أيدي الآباء السولبسيان، عرابه الأسقف اليسوعي المطران عبده خليفة وقدوته المطران مخايل ضوميط العلامة في اللاهوت والذي زار يوماً الإكليريكية محاضراً ، ولما غادرها قال عنه الخوري يوسف بشارة باختصار: “عبـّالنا راسنا وبيفهم لاهوت”.

الكتابة عن المطران يوسف بشارة تتطلب عشرات الكتب. المطران بشارة استصعب أن يبتعد عن صديقه البطريرك صفير، فوافاه بعد سنة وشهر إلى ملكوت السماء.