شارل الياس شرتوني/سياسات النفوذ الشيعية، ارهاب الرعاع، ومستقبل لبنان

99

سياسات النفوذ الشيعية، ارهاب الرعاع، ومستقبل لبنان
شارل الياس شرتوني/09 حزيران/2020

تتدرج مدلولات ما جرى نهار السبت ٦ حزيران بين مفارقات شتى تتراوح بين ترسخ الارهاب على تنوع اشكاله في الوسط السياسي الشيعي الى حد التطبيع وعدم الاحساس بانه ثمة انحرافًا قيميًا، وتدهورًا في سلم القيم الانسانية والسياسية التي يصبح التعايش معها صعبا ان لم نقل مستحيلا؛ وصعوبة التمييز في ما صار اليه الكيان الوطني الذي نعيش فيه، هل نحن مواطنون ام رعايا عند سياسات النفوذ الشيعية، التي تتصرف حيال بقية المواطنين وكأنهم ساقطون من حقوقهم الانسانية والمدنية لجهة الامن وحرية الضمير والتعبير، التي يعاقبون عليه، اذا ما اعترضوا على واقع ازدواجية الكيان الدولتي وطالبوا بحصرية السلاح الشرعي كما ينص عليها الدستور، وتؤكد عليها القرارات الدولية ( ١٥٥٩، ١٦٨٠، ١٧٠١ )، و يجمع عليها سائر اللبنانيين خارجا عن دائرة الاملاءات التي يحاولون فرضها عليهم، تحت طائلة الاستهداف من قبل الرعاع الذين يستخدمونهم. يضاف الى ذلك منع التداول في الموضوع ومحاولة فرض الاستثناءات السيادية كقدر لا مراجعة بشأنه.

ان الانتقال من مرحلة التعايش الصعبة مع المفارقات السيادية والاخلاقية والمعيارية، الى مرحلة السيطرة المعلنة بكل مندرجاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المتلازمة مع سياسة وضع اليد على الممتلكات والمشاعات والموارد ضمن النطاقات الواقعة تحت نفوذها، والمنعطفة على سياسة توسعية مدغمة باجتهادات شرعية تلغي مفاعيل القوانين المدنية التي تحكم الجمهورية، يطرح اكثر من سؤال حول حيثية دولة القانون وموجباتها في واقع كالذي نعيشه. ان وضع اليد على المؤسسات الدستورية ( سلطات اجرائية وتشريعية وقضائية صورية مستخدمة كغطاءات دستورية وهمية ) وافراغها من احكامها المعيارية و السيادية، ومن مبدأ فصل السلطات الذي ترتكز عليه المؤسسات الديموقراطية، وابدالها بالارادة الاستنسابية لحكم الرعاع الذي يوصف طبيعة التحالف بين حزب الله وزعامة نبيه برى، قد حول الدولة اللبنانية الى مجموعة مقاطعات سلطوية متنازعة وحيازات وريوع وزبائنيات تتوزع بينها، وبين التحالفات الانتهازية التي اقامتها مع الاوليغارشيات التي حكمت بين ١٩٩٠-٢٠٢٠. ان تحويل لبنان الى مد نزاعي واجرامي يستخدم كقاعدة محورية في بلورة سياسات النفوذ الشيعية التي تديرها ايران في منطقة الشرق الأوسط، وتبييض اموال الجريمة المنظمة التي يديرها الحزب عالميا، قد اخرج البلاد من دائرة العلاقات الدولية، وثبت احالتها الى دائرة النزاعات المفتوحة التي قوضت كيانها الدولتي على مدى ٥٥ سنة ( ١٩٦٥-٢٠٢٠ ).

ان تحويل لبنان الى مد نزاعي واجرامي يستخدم كقاعدة محورية في بلورة سياسات النفوذ الشيعية التي تديرها ايران في منطقة الشرق الأوسط، وتبييض اموال الجريمة المنظمة التي يديرها الحزب عالميا، قد اخرج البلاد من دائرة العلاقات الدولية، وثبت احالتها الى دائرة النزاعات المفتوحة التي قوضت كيانها الدولتي على مدى ٥٥ سنة ( ١٩٦٥-٢٠٢٠).

السؤال المطروح بعد هذه المراجعة السريعة لمندرجات هذه السياسات اللاغية بشكل مبرح لمفهوم وواقع واحكام الدولة الوطنية السيادية، ماذا بعد؟

مما لاشك فيه ان التعايش مع هذه التناقضات المميتة اصبح مستحيلا وسوف يحيلنا، في الايام والاسابيع والاشهر القادمة، الى اشكاليات وخلافات ونزاعات فعلية سوف تبدد ما تبقى من حيثية الدولة اللبنانية القانونية، والى تثبيت واقع الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي، والى تنامي الهجرة خاصة في الاوساط الشابة، والى تحول لبنان الى مكب نزاعي مفتوح، على غرار الدول الفاشلة التي يبني حزب الله مشروعيته الدولتية على خطوط تواصلها (فنزويلا، نيكارغوا، كوبا، العراق، سوريا، اليمن، ليبيا … ). اما الاخطر من كل ذلك فهو سقوط المتغير الوطني اللبناني من دائرة النظر السياسية لحساب سياسات انقلابية شيعية على المستوى الاقليمي، ومصالح مالية واقتصادية منحرفة بنيت مرتكزاتها على امتداد المغتربات الشيعية.

مما لاشك فيه أننا أمام مفارقات ومنعطفات اساسية لا يمكن تجاوزها في اي مشروع تسوية، داخليا كان ام خارجيًا، او على خط التقاطع بين الاثنين.