شارل الياس شرتوني/لا امكانية للتعايش مع دولة حزب الله

265

لا امكانية للتعايش مع دولة حزب الله
شارل الياس شرتوني/15 أيار/2020

يبدو ان الامين العام لحزب الله حسن نصرالله قد استطاب فكرة التوجه الدوري للبنانيين كمرشد للجمهورية الاسلامية في لبنان، وان غروره يتنامى بقدر ما تتراجع فكرة دولة القانون وتتردى الاوضاع المعيشية في البلاد.

ان التكيف المديد مع واقع الاستثناء السيادي(  Extraterritoriality) الذي املاه حزب الله على بقية اللبنانيين تحت طائلة تجدد النزاعات الاهلية، والاستعمال الاستنسابي للعنف الفردي والجماعي عبر ارهاب الرعاع والاغتيالات، والتورطات النزاعية الاقليمية آت الى نهايته، اما مع السقوط النهائي للدولة والكيان الوطني في لبنان، ام مع تجدد العقود الميثاقية والاجتماعية كمنطلق لاعادة بناء البلاد على قواعد جديدة تؤسس لمئوية جديدة.

ان اداء حزب الله في هذا المجال لم يأت بجديد بل هو تكملة لثقافة سياسية مضادة لفكرة وواقع الدولة-الوطنية (Nation-State) لحساب متخيل الامة العربية والاسلامية كمبدأ ناظم للولاءات السياسية، ومنطلق لسياسات النفوذ التي تنازع فكرة السيادة الدولاتية لحساب سياسات المحاور الاقليمية، والدولة الاسلامية الممثلة بالولي الفقيه ام الخليفة، ام الاوتوقراطيات الدينية والسياسية التي تستلهمها والتي توصفها مقولتي الدولة السلطانية ودولة القائد ( Führerstaat ).

لقد ضرب مفهوم الدولة في لبنان في العقود الستة الاخيرة من قبل الايديولوجيات العروبية واليسار العالم ثالثي والاسلاموي (بمتغيريه السني والشيعي) وما نشأ عنهم من سياسات نفوذ، الامر الذي حول البلاد الى امتداد جيوبوليتيكي لنزاعات اقليمية ودولية مفتوحة، وحول الدولة الى متغير تابع يستعمل على نحو كيفي. لقد اتت هذه المرحلة الى نهايتها ولم يعد بالامكان التداول السياسي على قاعدة تطبيع هذه المفارقات السيادية، وحل الازمات الناشئة عنها وعن تمددها الزمني المضطرد.

ان الحكومة الحاضرة هي التعبير الامثل عن التعايش بين المفارقات وشروط عملها الملتئمة على قاعدة القواسم المشتركة بحدها الادنى، وابقاء البلاد على خط النزاعات الاقليمية والدولية المفتوحة.

ان الازمات المالية والاقتصادية والاجتماعية المتداخلة ما هي الا تعبيرات عن واقع سياسات النفوذ المتصادمة، والمصالح الاوليغارشية التي تحكم اداءاتها وتحيلنا الى حالة من التسكع البنيوي الذي تعبر عنه التصريفات الزبائنية للعمل العام في بلادنا.

سوف تصطدم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة بواقع الدولة اللبنانية المفكك الاوصال، وبالاوهام السيادية الملازمة لوضعيتها الفعلية، وبالاقفالات الاوليغارشية المنتظمة على خط الانقسامات والولاءات المجتمعية الاولية (Primordial loyalties)، وبالتالي بعدم قدرة الدولة على تخريج سياسات متماسكة تضع حدًا للتسيب المالي والاخلاقي، وللديناميكيات النزاعية المفتوحة التي تحتجز السيادة الدولاتية وتحول دون التآلف في صياغة السياسات الحكومية.

ان سعي حزب الله لفرض مفكرته السياسية على البلاد، وتحصين استثناءاته السيادية في المجالات الاستراتيجية، وعلى مستوى ادارة اقتصاد مواز ومنحرف، وفرض اقفالات على التموضع السياسي والدبلوماسي، واحتباس البلاد ضمن دائرة العزل الدولي الذي يوصف الانخراط الدولي لايران، والمقامرة بالسلم الاهلي على قاعدة التموقف عند خطوط تقاطع الصراعات الاقليمية والدولية كما ترسمها خريطة النزاعات الايرانية والسياسة الانقلابية الشيعية الناظمة، لن تفسح مجالا امام خطة اصلاحية داخلية تراكمية ومستدامة.

ان الطابع البنيوي للازمات اللبنانية المتضافرة لم يعد قادرا على التعايش مع مفكرات سياسية نافية للسيادة الدولاتية بحدودها الناظمة، ولا باملاءات خارجة عن وضع سياسات توافقية في المجالات الاصلاحية وانفاذها بشكل منهجي و ملزم لكل الفرقاء. لا حل لازماتنا المالية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية خارجا عن الاعتبارات السيادية النافذة التي تحيلنا الى دولة القانون: فاما دولة القانون واما دولة حزب الله، ولا تسوية بين الاثنين.