المحامي عبد الحميد الأحدب/المعجون الذي خرج من الأنبوب في 17 تشرين لن يستطيع أي ضغط إعادته إليه

141

المعجون الذي خرج من الأنبوب في 17 تشرين لن يستطيع أي ضغط إعادته إليه
المحامي عبد الحميد الأحدب/28 نيسان/2020

القول لعبد الحليم خدّام: “سوريا دفنت جيلين حتى الآن من الذين يشبهون بعض الذين ما زالوا يحكمون لبنان”. ويضيف: “إن مجموعات المعارضة الحالية في سوريا لا تستطيع أن تدير مدرسة فكيف ستدير بلداً؟”.

هكذا قال عبد الحليم خدام خلال الأيام التي كان يحكم لبنان فيها خلال عهد الوصاية السورية! وبالتالي فالجيل الذي يحكم سوريا مطابق ومشابه للذين يحكمون لبنان منذ الحرب الأهلية الى هذه الأيام! نفس العقلية، نفس الثقافة، نفس المعايير، الخ…

أما مجموعات المعارضة اللبنانية، فهل هي كالمعارضة السورية، لا تستطيع ان تدير مدرسة، فكيف ستدير بلداً؟ هذا السؤال معلق على المعارضة اللبنانية التي هي فعلاً مجموعات، ولم تثبت قدرتها على إدارة مدرسة! ولبنان الذي يتخبط في أسوأ أزمة اقتصادية ومالية وسياسية هذه الأيام محكوم من نفس عقلية وثقافة ومعايير الحكم في سوريا الذين يختلفون جيلين عن الذين حكموا سوريا في الماضي.

صحيح ما قاله خدام فيه جزء من التاريخ، المانيا وإيطاليا وروسيا هي ايضاً دفنت جيلين من الذين حكموها لتصل الى حكم هتلر وموسوليني وستالين وغيرهم واكثر منهم في العالم الثالث! وصحيح ان عبد الحليم خدام حين اصبح معارضاً، بالكاد استطاع إدارة مدرسة، وهو في باريس”.

في لبنان والبلاد العربية أيضاً دفنّا جيلين من الذين حكموا بلادهم بحكمة واتزان ورحابة صدر لنصل الى الذين بالكاد يستطيعون إدارة مدرسة ابتدائية.

في لبنان دفنّا الشيخ بشارة الخوري ورياض الصلح لنصل الى ميشال عون الذي أمضى نصف عمره السياسي في المعارضة ونصفه الآخر في الحكم، مما يجعلنا نترحم على المعارضة وادارتها للمدرسة الإبتدائية، والى حسان دياب الذي لم يدخل المدرسة الإبتدائية بعد مقارنة مع جيلي صائب سلام ورياض الصلح ورشيد كرامة.

الشيخ بشارة كان بطل الإستقلال، وشهدت أيام حكمه الكثير من الذين يحكمون اليوم في المدرسة الإبتدائية! أيام الشيخ بشارة كان الفرنك هو الملك، كان يحتل عرش الدولار وقال له عمر الزعني: “حاسب يا فرنك الله يخليك- يرفع مقامك ويعليك – قبل ما نفلس يا شريك- طفرانين عدمانين”.

وقال عمر الزعني للشيخ بشارة ما ينطبق على ميشال عون وجبران باسيل: “البحر كبير يا ريس – فرحان كثير يا ريس- بس قاعد صورة يا ريس- وبالإسم ريس يا ريس”. ثم قال الزعني للشيخ بشارة، ما ينطبق على هذه الأيام: “القلوب مليانة – والجيوب فرغانة- والنسوان هربانة- والأطفال جوعانة- والحكومة غرقانة”.

ومعركة التجديد للصهر التي نعيشها هذه الأيام، عمل لها الشيخ بشارة لنفسه لا لصهره، وقتها قال عمر الزعني: “جدّدلو ولا تفزع- خليه قاعد ومربع- بيضل اسلم من غيره- وأضمن للعهد وأنفع- والمحروس نال الوطر – واخوانه شبعو بطر- ما عاد في منهم خطر- ما عاد إلهم ولا مطمع”.

وسنة 1932 أُعلن ان النفط اكتُشف في لبنان. فقال الزعني: “تي تي تي تي يا تيتي- يدرى مين يعيش- يدرى مين يضم- بعد عشر سنين- بتعوم بالبنزين- بتسبح بالبترول- يدرى مين يعيش”.

وكان فرعون في ذلك الزمان هو فرعون وصار الحريري فرعون هذه الأيام. وكان الزعني يقول عن فرعون أيام زمان: “لو كنت حصان في بيت فرعون- كان لي بنسيون وعشرين كرسون- ما كان بالكون مثلي انسان- لو كنت حصان عند فرعون”.

وكان رياض الصلح هو بطل العروبة الذي أقنع المسلمين بالتخلي عن الوحدة مع سوريا والتسليم بالكيان اللبناني!

الجيل الذي دفناه كان ابطاله الشيخ بشارة ورياض الصلح ولأن سوريا دفنت جيلها السوري من أمثال الشيخ بشارة الخوي ورياض الصلح جاءها الجيل الذي يقتل فيه مليون سوري اطفالاً ورجالاً ونساء في حرب لاقتلاعه، فهدم سوريا عن بكرة ابيها وهجّر عشرة ملايين من شعبها الى خارج بلدهم وعشرة ملايين داخل بلدهم.

ويبقى جيل حكام عبد الحليم خدام، مستعيناً بالأجنبي على شعبه، إيراني وروسي وتركي.

رحم الله جيل شكري القوتلي وبشير العظمة وهاشم الأتاسي وخالد العظم الذين دفنهم جيل عبد الحليم خدام ليأتي بجيل من أمثال الذين يحكمون لبنان اليوم ويذيقونه المر، من الحرب الأهلية التي بدأت ساخنة، واستمرت باردة بعد الطائف لتذيق لبنان ما ذاقه وما زال يذيقه جيل طبق الأصل من الجيل الذي يحكم سوريا هذه الأيام قبل أن تتفكك وقبل أن تتعرض لمأساتها المستمرة منذ عشر سنوات، كما لبنان يذوق هذه الأيام مرارة الكورونا الصحية والكورونا السياسية والكورونا الاقتصادية والكورونا المالية والكورونا النقدية!

دفنّا جيل الشيخ بشارة الخوري ورياض الصلح لنأتي بجيل ميشال عون وحسان دياب! وذاق السوري كما اللبناني المر على يد جيل عبد الحليم خدام! ولم ينجح أي بلد عربي من دفن الشرفاء والإتيان بالسفهاء!

في العراق لمع رشيد عالي الكيلاني وقاد الثورة ضد الإنكليز، ودفنّا جيل رشيد عالي الكيلاني لنأتي بصدام حسين من جيل الخدام ومن حربه.

في مصر كان سعد زغلول وأحمد عرابي بطلا الثورة على الإنكليز واللذان جسدا الكرامة المصرية ودفنّاهما لنأتي بكامب دايفيد وأنور السادات!

في تونس من بورقيبة وزعامته والتفاف الناس حوله وبطولته الإستقلالية الى زين العابدين بن علي الذي ذاقت تونس على يده ذلّ الإستبداد، الى جيل عبد الحليم خدام.

في السودان من جيل محمد أحمد محجوب الذي كان محامياً ومهندساً وبطل الثورة الى عمر البشير الذي بقي جاسماً على مجد السودان عشرون عاماً من الإضطهاد ودكتاتورية جيل عبد الحليم خدام!

في الجزائر دفنّا جيل البطل عبد القادر الجزائري فجاء جيل بوتفليقة ليحكم وهو جالس على كرسي دوار ليحكمه بالبطش على ربع قرن من النهب والبطش.

فؤاد شهاب جاء الى الرئاسة رغم ارادته وبعد سنتين من انتخابه أجرى الانتخابات النيابية ثم قدّم استقالته، بينما كل الذين جاؤوا من جيل عبد الحليم خدام، جاؤوا بحروب أهلية!

حين زار الرئيس الهراوي ارملة فؤاد شهاب سألها الهراوي في بيتها المتواضع ما اذا كانت تحتاج الى شيء؟؟ فقالت انها مستورة ولا تحتاج الى شيء. ولكن المرافق همس في أذن الرئيس الهرواي ان الدكان المواجه للمنزل دائن لأرملة فؤاد شهاب بـ 350 ليرة لم تدفعها منذ شهرين. وان المدفأة معطلة منذ شهرين ولا تملك ارملة فؤاد شهاب ثمن إصلاحها!

دفنا جيل فؤاد شهاب لنأتي بجيل عبد الحليم خدّام الذي ركب مئات مليارات الدولارات ديوناً على الدولة وأفرغ خزانة الدولة وبخّر حسابات المودعين في المصارف.

الحقيقة المؤلمة أفضل ألف مرة من الأكذوبة المريحة التي نعيش فيها اليوم، الحقيقة المرة يجب ان نقولها فجيل عبد الحليم خدام ليس جاهلاً في إدارة مدرسة ابتدائية ولكنه عالم في هدم بلاده وقتل وتهجير وافلاس شعبه! وحان الوقت لكشف الحقيقة المؤلمة.

ثورة 17 تشرين هي معجون الأسنان حين يخرج من الأنبوب بالضغط عليه في 17 تشرين فإن أي ضغط لا يستطيع إعادة المعجون الذي خرج، لا يستطيع إعادة المعجون الى الأنبوب مرة أخرى.

ان النظر الى الوراء والنظر الى الأمام كلاهما ضروري للتقدم بمثل ما يفعل سائق السيارة: ينظر الى المرآة المعلقة امامه فوق عجلة القيادة لكي يرى ما وراءه ثم يعيد تركيز بصره على طريقه الى الأمام.

ولكن الطريق وما نراه امامنا مخيف، مخيف…
ان التاريخ يتغير بثلاث عوامل: الحروب والثورات والأوبئة! ونحن واقعون في العوامل الثلاث والتاريخ يتغير ونحن على أبواب تغييرات تاريخية عظيمة!