يوسف ي. الخوري/سلطة تُكثر الطبل والزمر، وتقلّل من العمل… أين الشعب؟

71

سلطة تُكثر الطبل والزمر، وتقلّل من العمل… أين الشعب؟
يوسف ي. الخوري/13 نيسان/2020

قالت أشجار الغابة لأشجار البستان لماذا لا يُسمع لأغصانك حفيفًا؟ فأجابت: لأنّي أستغني عن ذلك بنموِّ أثماري التي تشهد لي. ثمّ سألت أشجار البستان أشجار الغابة: وأنتِ لماذا نسمع لأغصانك هذا الصوت القوي؟ فأجابت أشجار الغابة: كي يشعر الناس بوجودي. (مأخوذة من كتاب “التلمود”)

تُطالعنا أخيرًا في وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيونات عجقة مقالات وتقارير تُتني وتمدح نشاط حكومة حسّان دياب والوزراء فيها. هذه العجقة التي أظنّها مفتعلة، وهي مفتعلة، كوّنت لدي انطباعًا بأن هذه الحكومة والأجهزة التابعة لها يرومون إلهاءنا عن شيء كبير وخطير قد يتمّ تمريره على حساب الشعب في الأيّام القليلة المقبلة، ومتى حصل ما أنا متخوّف منه؛ “انشالله ينفع تتذكروني”!

إن الضجيج حول حكومة دياب يُشبه صوت أبواق في “نَوْبةٍ” لدفن الموتى، يُصمّ أذاننا ونحن نطرب به عِوض أن نحزن على الفقيد!

ما بالنا نحتفي بوزير جُلّ ما قام به هو دوره كوزير للصحة ليس أكثر؟

ما بالنا عادت تبهرنا الاطلالات الإعلامية لوجوه هي نفسها منذ زمن الوصاية السوريّة، “تفهم” بكل شيء ولا تفهم شيء إلّا أن تكرّر علينا املاءات الأجهزة لغسل أدمغتنا بالباطل؟!

ما بال محطّات التلفزة تفتح أبوابها من جديد لأزلام السلطة التي قمعت الشعب سنين وسنين وللبنوك التي سرقت أمواله؟!

أين الشعب؟!! أين الشعب من سلطة تنام عن التعيينات القضائيّة وعن تحرير أوجاع الناس في المحاكم؟! أين الشعب من تمرير هذه السلطة للمشاريع المشبوهة تحت جناح الحجر؟!

أردناها سلطة اختصاصيّين مستقلّين لتخلّصنا مما أوصلنا إليه تحالف أهل السلطة مع أهل المال من نهب للمال العام؛ وسرقة لأموال الشعب؛ وتردِّ في أوضاعنا الاقتصادية، وفتحنا لها الباب بوسعه بعدما كشفنا في ثورة 17 تشرين الأول، عن المستور تحت هذا التحالف المصطنع، ووسّعنا الشرخ بين قطبيه وأضعفناه، فإذا بهذه السلطة تجعل من نفسها حلقة لتوثيق هذا التحالف من جديد على حساب الناس، فلا همّ عندها إلّا تلميع صورة البنوك وانقاذها من ورطتها، وإرضاء اقطاعيّات الأحزاب بالعمل بحسب مشيئتها وعلى رأس هذه الأحزاب الحزب الإلهي!…

ويلٌ لسلطة كهذه تنام عن الثعالب وتضحّي بالنعاج.
ويلٌ لسلطة تعمل بمشيئة الجاني وتزدري بإرادة المقهور.
ويلٌ لسلطة تسجن شعبها في البيوت للتستر على معاصيها، وليس لتحميه بالحجر من الوباء القاتل.
ويلٌ لسلطة شعبها مسروقة أمواله، وموارد رزقه مقطوعة، وهي لا تنظر لجوعه الوشيك.
ويل لسلطة تلهث خلف العطايا الأجنبية لغسل شرورها ومأثمها وليس لازدهار مستقبل شعبها.
ويلٌ لسلطة تُكثر من الطبل والزمر، وتقلّل من العمل.

ربّي وإلهي يسوع المسيح،
السجن المنزلي أعطاني الفرصة في الأسبوع الفائت لأتأمّل بحياتك؛ وآلامك عنّا حتّى الموت؛ وقيامتك، فوجدت أن رسالتك مفقودة! لا يوم الرب موجود ولا أعيادنا، فكنائسنا مغلقة! صحيح أنّنا لا نحلف باسم الربّ بالباطل، لكنّنا نحلف بالكذب!

قلت لنا “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”، لكن لم يعد لدينا خبز لنحيا به! قلت لنا “حبّوا بعضكم كما أنا أحببتكم”، أما نحن فلم نعد نلتقي لنحبّ بعضنا!

قلت لنا “مَن ضربك على خدّك الأيمن دُر له الأيسر”، تعبت رقابنا من كثرة ما أدرناها من اليمين إلى اليسار، وصار أهون علينا رفع الأيسر (السيف)!

قلت لنا “متى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك”، وها نحن لا نُكرِم الفقير إلّا ونُذله لنصنع دعاية لأنفسنا!

ربّي وإلهي،
نحن نعيش في بلدٍ لا يقوم إلّا بالضجيج والجَلَبة كشجر الغاب، ولا يُساس إلّا بالخداع والشعوذة. عرّونا من المحبة والإخاء، وسلخوا عن روحنا العِزّة، وشوّهوا التبصّر في عقولنا، فصرنا نضع ضميرنا في جيوبنا ونسير خلف الجمع إلى حيث يسير، ومردّدين كالبّبغاوت ما يهتف به!
ما هذا يا ربّي؟! أهي ساعة مجيئك الثاني تحلّ في زماننا؟ أم هي ثورة الأنقياء قادمة؟

بالانتظار، أردّد معك يا Goethe: “الضوء مزيدًا من الضوء”. وأقول معك يا Tolstoï: “الحب مزيدًا من الحب”، للحريّة.

ومنك يا صديقي الثائر موريس عوّاد أستعير ما قالته أماريس لزوجها الحاكم: “ليش إنتو خلّيتو شعب!؟ يلعنكن ويلعن اللي ما بيلعنكنن، لدَعوِسْكن متل العشب البرّي”. وسأظلّ أصدح بالعبارة الأخيرة حتى ينتفض شعبي من جديد، وأشهد عليه يُسقط هؤلاء المتوّجين بتيجان الجهل والطغيان، ومعهم أولئك الجالسين على عروش القداسة الكاذبة.

في اليوم التاسع والسبعين بعد المئة لانبعاث طائر الفينيق.