الكولونيل شربل بركات (من أرشيف2012): كتاب التاريخ ولبنان الموحد/الجنوبيون أبناء المنطقة الحدودية لم يتنازلوا عن أرضهم ولا باعوها للغريب، ولو كانوا تخلوا عن مسؤولياتهم كما تخلى عنها من في الحكم، لكان الجنوب كالجولان ينتظر حلولا دولية لنقل المستعمرات أو وقف بنائها

129

من أرشيف عام 2012/كتاب التاريخ ولبنان “الموحد”/الجنوبيون أبناء المنطقة الحدودية لم يتنازلوا عن أرضهم ولا باعوها للغريب، ولو كانوا تخلوا عن مسؤولياتهم كما تخلى عنها من في الحكم، لكان الجنوب كالجولان ينتظر حلولا دولية لنقل المستعمرات أو وقف بنائها.
الكولونيل شربل بركات/28 شباط/2012

*الجنوبيون أبناء المنطقة الحدودية لم يقسموا الناس فئات، ولا رفعوا علما غير علم لبنان حتى في ظل وجود الجيش الإسرائيلي على الأرض اللبنانية.

*الجنوبيون أبناء المنطقة الحدودية لم يتنازلوا عن أرضهم ولا باعوها للغريب، ولو كانوا تخلوا عن مسؤولياتهم كما تخلى عنها من في الحكم، لكان الجنوب كالجولان ينتظر حلولا دولية لنقل المستعمرات أو وقف بنائها.

*نجرؤ أن نقول أن من يدّعي المقاومة وأسياده، هم من لم يعجبه صمودهم في الأرض، وحفاظهم على استقلالية القرار، وتعلقهم بالوطن دون سواه، ولذا فقد كانت حروب هؤلاء، التي يفتخرون بها حتى اليوم، حربا على أبناء الجنوب لا على جنود ما سموه بالاحتلال، والدليل الاتفاق الذي عقدوه بعد عملية ما سمي “عناقيد الغضب” حيث وافقوا على “المقاومة بالتراضي” كما سماها يومها صديقهم الجديد “العماد عون”، وقد قبلوا في ذلك الاتفاق بعدم التعرض لاسرائيل والاستمرار بقتل أهل الجنوب مدنيين وعسكريين.

*نتحدى أي كان أن يدلنا على عملية واحدة قاموا بها ضد موقع إسرائيلي بينما الكل يعلم عدد القتلى المدنيين من أهلنا على بوابات العبور في بيت ياحون وكفر رمان وغيرها، وعدد الأطفال الذين قتلوا في قصف بيت ليف، والذين قتلوا من جراء المتفجرات التي زرعت على الطرقات إن في كفركلا أو العيشية أو منطقة جزين.

********************
لفتنا اليوم المؤتمر الصحفي الذي رد فيه الشيخ سامي الجميل على مشروع كتاب التاريخ “للبنان الموحد” والذي تزمع وزارة التربية الوطنية اعتماده، وقد جاء فيه، على ما قال النائب الجميل، تعظيم لدور حزب الله في ما يسمى “مقاومة” وتناسي كل نضال اللبنانيين الآخرين، وكأن البلد لا يزال حكرا على فئة تعتبر نفسها “منتصرة” وتفرض رأيها بالقوة على كل الآخرين.
لم يتثنى لنا قراءة كتاب التاريخ المذكور ولن يتثنى لنا ذلك بدون شك في القريب العاجل. ولكننا بناء على ما قاله النائب الجميل، الذي نثق به وبكلامه، نريد أن نضع بعض النقاط على الحروف. فليس فرض الرأي بالقوة وبالاستعانة بالنظام السوري تارة، وبقوات عرفات تارة أخرى، وبالحرس الثوري الإيراني أو نظام البعث العراقي، ولا بالاتحاد السوفياتي أو الجيش الاسرائيلي أو الأميركي أو السعودي أو المصري أو الفرنسي أو التركي وغيرهم من دول وقوى ومسميات، هو ما مكّن اللبنانيين أو ما سيمكنهم من التوصل إلى اتفاق يعيد للبلد استقراره وللسلطة هيبتها وللحياة العادية دورتها كما هو حاصل عند كافة شعوب الأرض، إنما الاعتراف بالآخر وبحقه بالحياة الكريمة والقبول بأن نحتكم جميعا لقانون واحد لا يجحف بحق أحد ولا يتغاضى عن ظلم فئة، ولو أجمع كثر على القبول بهذا الظلم، ولا يفضل مواطن على آخر أو طائفة من المواطنين على غيرها من الطوائف.
نقول هذا لأننا كأبناء المنطقة الحدودية في جنوب لبنان عانينا أكثر من كافة اللبنانيين، ومنذ ما سمي بمأساة الشعب الفلسطيني، من الاجحاف والظلم، ومن الاعتداءات على أرزاقنا وأعراضنا وأعناقنا تحت شعارات “المقاومات” المتعددة التي طالما تاجرت ولا تزال تتاجر “بالقضية” وتفرض علينا وعلى لبنان مفاهيمها لمنع الحلول “الاستسلامية”، وبالتالي تحمّلنا نتائج خيارات لا ناقة لنا بها ولا جمل، كان آخرها مصادرة الولي الفقيه لحق الدفاع عن القدس والعمل على استرجاعها بعدما تصوّر العرب حلولا قد يقبل بها العالم وربما “العدو”، ما رفضه قطعا الولي المكلف بتحضير عودة الامام المنتظر “ولي الزمان” والذي له وحده الحق أن يدخل القدس على رأس جيشه الظافر.
نقول للنائب الذي نجلّ ونقدر رأيه، لا عتبا كبعض المحبين كونه لم يأت على ذكر نضال أبناء المنطقة الحدودية واكتفى بالتذكير بأن هناك من ناضل أيضا في الداخل لحفظ لبنان، ولكن من قبيل لفت النظر بأن الحزب الذي يصادر قرار أبناء طائفته ويمنع الراي الآخر داخل بيته لا يمكنه تقبّل أي رأي مختلف، لا ممن يختلف معهم في الايمان ولا في التفكير، ولذا فكل كتبه وقراراته لا معنى لها من قريب أو بعيد، وهو ولو استطاع فرض رايه وفلسفته مؤقتا وبالقوة التي يفاخر بها، لن يبقى إلى ما لا نهاية ممسكا بكافة الخيوط ولا بد للغطرسة أن تزول وللانتفاخ المصطنع أن ينفس.
نقول للجميع بأن أبناء المنطقة الحدودية، وهم أشرف اللبنانيين، ليس لانتمائهم لفئة دون أخرى، إنما لارتباطهم بالأرض، وتعلقهم بأخلاقيات وقيم لبنان التي تربوا عليها، فهم استقبلوا الفلسطينيين لاجئين، وتقاسموا معهم لقمة العيش، وأيدوا حقهم بالكرامة والحياة، ولكنهم يوم باع هؤلاء قضيتهم لصالح الأنظمة المتاجرة بها وحملوا السلاح لتخريب لبنان، قاوموهم بكل جرأة ومنعوهم من تهجيرهم وانشاء الوطن البديل. وهم لم يرهبهم، كما غيرهم، أن يتعاونوا مع جيرانهم على البقاء من ضمن احترام حقهم بالصمود في الأرض التي أحبوا والدفاع عن التراب الغالي. ويوم كان الوطن يرزح تحت عبئ احتلال “الأشقاء” شكلوا أملا لانقاذه حين تجابن من في المناصب وغرر بمن حولهم.
الجنوبيون أبناء المنطقة الحدودية لم يقسموا الناس فئات، ولا رفعوا علما غير علم لبنان حتى في ظل وجود الجيش الإسرائيلي على الأرض اللبنانية.
لم يتنازلوا عن أرضهم ولا باعوها للغريب، ولو كانوا تخلوا عن مسؤولياتهم كما تخلى عنها من في الحكم، لكان الجنوب كالجولان ينتظر حلولا دولية لنقل المستعمرات أو وقف بنائها.
ونجرؤ أن نقول أن من يدّعي المقاومة وأسياده، هم من لم يعجبه صمودهم في الأرض، وحفاظهم على استقلالية القرار، وتعلقهم بالوطن دون سواه، ولذا فقد كانت حروب هؤلاء، التي يفتخرون بها حتى اليوم، حربا على أبناء الجنوب لا على جنود ما سموه بالاحتلال، والدليل الاتفاق الذي عقدوه بعد عملية ما سمي “عناقيد الغضب” حيث وافقوا على “المقاومة بالتراضي” كما سماها يومها صديقهم الجديد “العماد عون”، وقد قبلوا في ذلك الاتفاق بعدم التعرض لاسرائيل والاستمرار بقتل أهل الجنوب مدنيين وعسكريين.
ونتحدى أي كان أن يدلنا على عملية واحدة قاموا بها ضد موقع إسرائيلي بينما الكل يعلم عدد القتلى المدنيين من أهلنا على بوابات العبور في بيت ياحون وكفر رمان وغيرها، وعدد الأطفال الذين قتلوا في قصف بيت ليف، والذين قتلوا من جراء المتفجرات التي زرعت على الطرقات إن في كفركلا أو العيشية أو منطقة جزين.
الجنوبيون لن يسموا من طلب منهم القفز فوق الشريط إن أغلق الإسرائيليون البوابات، ولا من داهم المنازل تفتيشا عن أسلحة الفلسطينيين وأعوانهم، أو وقف على الحواجز، ولن ينشروا أسماء المسؤولين من كل الفئات والطوائف الذين استعملوا وسائل مخزية لمقابلة جيرانهم طلبا لحاجة. فهم، وعلى رؤوس الأشهاد، تمسّكوا بحقهم في قرار عدم الاعتداء، لا بل بالتعاون، في سبيل المصلحة المشتركة (وهي كانت أقرتها اتفاقية الهدنة منذ 1949) يوم هربت الدولة وأجهزتها وساوم الخطيب (صنيعة سوريا بتمويل القذافي) وفتح، إسرائيل على عدم الاعتداء مقابل تركهم يسقطون البلد.
الجنوبيون لم يتعاونوا مع جيرانهم قبل أن يلتزم نصف لبنان بفتح خيوط التعاون مع هؤلاء، وبالرغم من الحصار الذي فرضه عليهم من ادعى “المقاومة” يومها لمنع لقمة العيش ونقطة الماء والدواء عنهم، لم يغلقوا بابا إلا بعد أن هوجموا في عقر دارهم.
والجنوبيون يفاخرون بأن قادتهم مشهود لهم بالوفاء للبنان منذ الرائد سعد حداد الحامل وساما في مواجهة الإسرائيليين في معركة سوق الخان إلى اللواء أنطوان لحد قائد منطقة الجنوب ثم منطقة البقاع والذي أعاد تنظيم الجيش اللبناني في ثكنة صربا يوم كانت المليشيات تحكم البلد، وله الفخر بأن مساعده العماد طنوس أصبح قائدا للجيش. وهم استقبلوا ابو أرز يوم ضاق لبنان بقادته وفتحوا أبوابهم لكل من أراد الهرب من طغيان السوريين وأعوانهم.
والجنوبيون الذين التحق بهم الكثير من اللبنانيين ومن مناطق مختلفة لأنهم حافظوا على صيغة العيش المشترك واحترام المقدسات والعمل على تأمين كرامة الناس، لن يقبلوا أن يشار اليهم في كتب يشرف عليها حزب الولي الفقيه، فهؤلاء إلى زوال وهم باقون.
نقول للنائب الذي يحبه الكثير من اللبنانيين بأن لبنان لا يزال بحاجة لكثير من الوعي لكي يدرك من يدّعي قيادته أهمية ما يجري من حوله. ونحن نؤمن بأن كل من امتدت يده بالشر على لبنان وشعبه المحب للسلام مصيره سيكون كهؤلاء الذين يتساقطون كل يوم من على العروش. ولا نخاف على المصير إنما أملنا بأن نكون مثالا لتجربة التعاون بين المختلفين وحتى المتخاصمين. فهذا البلد مرت عليه عبر التاريخ دولا وقوى ومتجبرين ذهب كل أدراجه ولكن شعبه بقي واستمر محافظا في كل مرة على معنى آخر اكتسبه من معاناة مختلفة زادته حكمة وتروّي. ونأمل اليوم أن تزول المحنة التي نمر بها منذ سنين طويلة ولكن مع التوصل إلى مفهوم جديد لتجربة خاضها الكل ولم ينفع فيها التورم المصطنع ولا الاستقواء بالغير. فهل يلهم الله من يعتقد بأنه يحكم الآن واثقا من قدراته وترسانته بأنه “لو دامت لغيركم ما وصلت لكم؟”
لبنان الموحد هو حاجة ليس للمنطقة فحسب إنما للعالم، وكتاب التاريخ لا يفرض على الناس ليشعروا بالقهر، وذكر مراحل وتجارب الشعب هي دعوة لتفهّم الأمور والتعلّم من الاخطاء وأخذ العبر للمستقبل و”جل من لا يخطئ”، ومن يعتقد بأنه، خاصة في هذا الزمن، قادر على محو تاريخ الآخرين ونضال ألوف مؤلفة من الناس لم يقرأ جيدا بعد ويبدو أنه لم يتخلص من عقده الذاتية ولم يشعر بالأمان، ربما، ولذا فمشواره طويل ومعاناته لم تنته.
اللبنانيون سينتصرون بالتأكيد وسيقوم البلد موحدا بشكل صحيح ومتوازن بشكل صحي حيث سيشعر الكل بالانتماء وبالقدرة على التأثير في تقدم المسيرة وسيصبح كما كان دوما معلما ومدرسة لتنظيم المجتمعات المتعددة والتي يعج العالم بها اليوم.
اللبنانيون يوم يعودون لقيمهم ويعتبرون من التجارب سيتخلون بالتأكيد عن العنجهية الفارغة وعن التورم المرضي وسينطلق من بينهم بناة حقيقيون لبلد على قدر الطموحات. فلا تخف أيها النائب العزيز على كتاب التاريخ فالمستقبل سيقوم على ورشة بناء أساساتها أمتن من الأسلحة الصدئة ومؤرخوها متعمقون بالمعرفة ومترفعون عن الانانية والبغضاء.