د. وليد فارس: سياسة أميركا في الشرق الأوسط تحت ظل كورونا… قد يلعب هذا الوباء دوراً في الانتخابات المقبلة كما حدث مع إعصار كاترينا 2005 في عهد جورج بوش الابن

98

سياسة أميركا في الشرق الأوسط تحت ظل كورونا..قد يلعب هذا الوباء دوراً في الانتخابات المقبلة كما حدث مع إعصار كاترينا 2005 في عهد جورج بوش الابن
د. وليد فارس/انديبندت عربية/18 آذار/2020

إذ تتساقط الدول الكبرى والصغرى تحت اجتياح فيروس كورونا، يتساءل المهتمون بشؤون الشرق الأوسط عن كيفية أداء سياسة إدارة ترمب المنشغلة بهذا الوباء داخل حدود الوطن، خصوصاً في العالم العربي والشرق الأوسط حتى انحسار الخطر الوبائي.

من الواضح جداً في واشنطن أن الاهتمام المركزي للحكومة الأميركية يتركز على حماية الشعب الأميركي وصحة المواطنين ومصلحة البلاد التي تهددها موجة عارمة من الوباء الذي اجتاح دولاً عبر الأطلسي، من الصين حتى إيطاليا، وبالتالي فإن سائر القضايا في السياسة الخارجية سوف تخف وطأتها داخل الإدارة وعلى طاولة صناع القرار.

المواطن الأميركي العادي ينتظر من الرئيس والبيت الأبيض والأجهزة الحكومية، التركيز على مكافحة انتشار الوباء المخيف، وينتظر من قيادته الوطنية التواصل معهم يومياً عبر مؤتمرات صحفية وبيانات ليتأكدوا انهم تحت حماية بلدهم، ما يعني أن اهتمام الرأي العام الأميركي، العامل المهم في دعم السياسات الخارجية في الأوقات العادية، بالسياسة الخارجية يقترب من الصفر.

وأيضا فإن الوقت العملاني للسلطة التنفيذية وأجهزتها واهتمام أعضاء الكونغرس ينصب الى اعلى الحدود، على تهيئة الشعب لمواجهة الفيروس في طول البلاد وعرضها، مع ما يمكن أن يؤثر ذلك بشكل عميق على صحة الأميركيين وبعد ذلك على الاقتصاد الأميركي.

من الواضح أيضا أن الرئيس ترمب يعتبر أن مهمته الأولى حماية المواطنين، كما ردد، والتأكد من عدم وجود انهيار اقتصادي على الصعيد القومي. ولكن على الصعيد السياسي هو يعلم انه بحال وقوع مصيبة ولم تتمكن إدارته من حماية المواطنين، فمصير الإدارة في الانتخابات سيكون على المحك، وقد يلعب كورونا دوراً كما حدث مع إعصار كاترينا 2005.

أما على الصعيد المالي فمن الواضح أن حكومة واشنطن ستخصص معظم ميزانيتها الاحتياطية لدعم حاجات المجتمع الأميركي، وقد بدأ ذلك فعلياً بعد أول مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، حيث أعلن البيت الأبيض تخصيص أربعين مليار دولار لمساعدة المواطنين المتأثرين بكورونا. ووافق الكونغرس والمعارضة على هذا المبلغ، وبالتالي فإن السياسة الخارجية عامة، وتلك المتعلقة بالشرق الأوسط، لن تحصل على ميزانية اكبر من الحجم المطلوب، اذا كان هنالك من قرارات إقليمية كبرى مطلوب من واشنطن تنفيذها، وهذا يعني أن الرئيس ترمب، وإن أراد القيام بأعمال ميدانية معينة في المنطقة، فهو يمتلك قدرة محدودة على صرف الميزانية لتنفيذ تحركات إضافية.

وبظل المعطيات المذكورة يبقى السؤال، ما هو مجال التحرك الأميركي في ظل معركة كورونا الطبية والنفسية والاقتصادية؟

المعطيات الحالية التي قد تتغير في المستقبل تقول بأن لا عملاً كبيراً في المنطقة ما دامت عاصفة كورونا تجتاح الداخل الأميركي. ولكن الرئيس ترمب كلف البنتاغون والأجهزة المعنية بمهمات خاصة، وبشكل ثابت للحفاظ على المعادلة القائمة في الشرق الأوسط، كي لا تستغل أطراف معينة انشغال الإدارة بالأوضاع الداخلية، وتقوم بحركات عدوانية أو بأعمال تستهدف الوجود الأميركي ومصالحه. وتكليف ترمب للوزير مارك أسبر والأجهزة العاملة في الشرق الأوسط كان واضحاً وحاسماً، ولم يلق اعتراضاً من القيادات السياسية. ومن هنا فإن ما نراه على الأرض وفي العراق وسوريا والخليج، استمرار لسياسة ترمب وعدم تراجعه عن المكتسبات التي حققها، والتموضع الميداني الذي انجزه البنتاغون في الأشهر الماضية لا سيما منذ بدء عمليات إرهابية وهجومية من قبل ميليشيات إيران، فما هي الجبهات التي سيرد فيها الأميركيون بشكل حازم وحاسم.

أول الجبهات هي العراق، ورأينا وسوف نرى، انه ولكل هجوم ميليشياوي إيراني ضد قواعد أميركية سيكون الرد ليس فقط مناسباً، وإنما موسعاً ليكون هناك عامل ردع، وهذا ما رأيناه الأسبوع وما سنراه في قادم الأيام. أما في سوريا فإن البنتاغون وقد أُطلقت يداه وهو يعزز مواقعه في الشرق تحسباً لاي تحركات يقوم بها النظام أو الميليشيات الإسلامية المتطرفة في الشمال، وسيعزز قدرات قوات “قسد” الدفاعية. لن يكون لواشنطن مشروع هجومي في البلدين، ولكن التموضع الدفاعي سيكون استراتيجياً واضف الى ذلك الانتشار الأميركي بالميزانية ذاتها.

وستسمر سياسة العقوبات على النظامين الإيراني والسوري، ومنظمات “حزب الله” في العراق ولبنان ومن يحالفهم، وقد تكون عقوبات أخرى على الرغم من كورونا لأن وزارة الخزانة ستستمر في المواجهة كي لا تخسر أميركا التقدم الذي حققته في الآونة الأخيرة.

أما في سائر الدول، من لبنان الى اليمن، والتنسيق مع مصر والسعودية والإمارات، وصولاً الى دعم اتفاق الرياض فيما يتعلق باليمن، فستسمر المواقف كما هي عليه. في الملف الليبي فواشنطن تنتقل بهدوء الى إعادة النظر في هذا الملف، ولا سيما في ظل إعادة حسابات الرئيس ترمب لموضوع بناء احتياط نفطي كبير داخل أميركا، تحسباً لنتائج الأزمة الداخلية وربما تحديد احتياط نفطي خارج أميركا بما فيه في ليبيا مع العلم أن هذا الموضوع لم يحسم بعد.

المساحة الوحيدة التي ستكون فيها أميركا بموقع هجومي هي إنهاء فلول داعش، والاستمرار بتطبيق الاتفاق مع طالبان الذي لا يبشر بسلاسة في التنفيذ، ما قد يؤدي الى إعادة تقييمه في واشنطن.