رحلة الفنانة المبدعة السيدة “مجدلا”/من الأرشيف..هذه هي سيرة مجدلا وقصتها في الحياة ومع المهرجانات والفن والغناء

334

رحيل الفنانة الراقية مجدلا
الياس بجاني/31 كانون الثاني/2020
رحلت الفنانة الراقية والمبدعة بنت بلدة الكحاله السيدة مجدلا ولكن ذكراها باقية.
الرب أعطا والرب أخد فليكن اسمه مباركاً..نصلي من أجل راحة نفسها في المساكن السماوية إلى جانب البررة والقديسين والعزاء لعائلتها والكحاله ومحبيها.

من أرشيف مجلة المسيرة/مقابلة مع السيدة مجدلا: نجمة غريبة حضرت كالبرق – الشهرة لم تغيِّرني وأعتز بمسيرتي الفنية ولو كانت قصيرة

(نجاح بو منصف – العدد 1638)/المسيرة/22 تشرين الأول/2018

«غريبة» عن أهل الفن، كالبرق حضرت «نجمة»، وكالبرق اختفت، غابت طويلا وما اعتزلت، أرادوها في مهرجانات بعلبك الدولية وجها وإطلالة جديدة «تزكزك» سطوة وجوه تلك «الليالي اللبنانية» وتقارع نجومية نجمتي لبنان الأزليتين، سفيرتنا وشحرورتنا، تجرأت، فعلتها وتألقت وطنطن لبنان للحدث وزحف لملاقاتها، في زمن كان الفن يعلو فوق كل شيء، وسجلت تلك السبعينات ولادة نجمة جديدة في سماء الفن في لبنان، تظهر صيفا، تتنقل بين بعلبك وبيت الدين، يصدح صوتها مع عمالقة ذاك الزمن الجميل، لكنها فجأة و»عالدرب البعيدة» توارت … خلناها اعتزلت وما اعتزلت، ودارت الأيام، وعادت مجدلا، تراتيل لوالدة الله وقديسي لبنان وقصائد لجيشه، وفي البال صوت وأجمل الأغنيات والحكايات عن أيام عز ومجد وشهرة لا زالت في البال…

في الكحالة كانت البداية، هي ابنة «الزعيم» إيليا مكرزل ومنزل مشرعة أبوابه لأهل السياسة والفن ولكل الناس «والدي كان شخصية بارزة، يحب الناس ويعشق الحياة وفاتح بيتو ملتقى للسياسيين، من المير مجيد الى الياس الهراوي عالروحة والرجعة من زحلة، الى جوزف سكاف وإدوار حنين وجبران طوق ومنير أبو فاضل وفؤاد السعد وكل نواب المنطقة، وأيضا للفنانين وبينهم وديع الصافي، هيام يونس، نصري شمس الدين، الذين كانوا يقصدوننا بدعوة من والدي للاحتفال بعيده، ليلة عيد مار الياس، وكانت ليلتها الكحالة كلها تولع غناني ورقص وفرح».

في هذا الجو المنفتح على شؤون الناس وأهل السياسة والفن كبرت مجدلا، واكتشفت جمال صوتها وكانت تغني في المنزل وأمام بعض الضيوف وخصوصا للمير مجيد «كنت غنيلو «ليالي الأنس» للمطربة أسمهان»، كما في سهرات مع أهلها.

مرتلة الكنيسة

وفي هذا الوقت، كانت ابنة «زعيم» الكحالة تتلقى دروسها في مدرسة راهبات اليسوعية التي درجت على وضع حصص لدروس الموسيقى تحت إشراف الأب لويس الحاج رئيس قسم الموسيقى في جامعة الروح القدس الكسليك، وما تأخر الأب الحاج في اكتشاف جمال صوت التلميذة الصغيرة ابنة العشر سنوات، ليختارها هي بين كل تلاميذ صفها لتأدية ترتيلة «رنمي أيتها السماوات» «سولو» بصوتها مع الكورال المرافق على الإذاعة اللبنانية بمناسبة عيد الميلاد.

وهكذا صارت مجدلا محط اهتمام آباء الموسيقى في الكسليك، فبعد الأب الحاج، ها هو الأب يوسف الاشقر يختارها لتأدية ترتيلة «الرب راعي» وأيضا «سولو» في قداس احتفالي في كنيسة مار أنطونيوس البدواني في الكحالة، لتتوّج بعدها مرتلة الكنيسة الدائمة وخصوصا في القداديس الاحتفالية في أعياد الميلاد والغطاس وجمعة الآلام والفصح المجيد «وذاع صيتي في كل المنطقة».

وهكذا انخرطت بنت الكحالة في أجواء الصلاة والتراتيل وانجذبت الى أجواء الكنيسة والراهبات اللواتي أقنعنها بدخول سلك الرهبنة واقتنعت بالفكرة «قالولي فوتي عالرهبنة وراح نعلمك الموسيقى، وكان هالشي بالنسبة إلي كل الخبرية».

أخذت ابنة السابعة عشرة قرارها وجن جنون والدها «لكني أصريت ولما يئس قال لأختي «خليها تجرب بس أنا متأكد راح ترجع»، وأخفى الأمر عن والدتي»، وعلى أمل تراجعها عن قرارها لاحقا «أعطاني المال لأجهز نفسي للرهبنة وذهبت للتسوق برفقة الراهبات» وكان المشهد الذي «أيقظها» حقا، فوجئت هي بالراهبات يخترن لها أغراضها ويفرضن خياراتهن عليها «انزعجت وبرمت الشغلة براسي إنو كيف بدي اتأقلم مع إشيا أكبر بعدين، كان عمري 17 سنة وكنت حب التياب والجخ، لما رجعت عالبيت حسيت إني استحقيتا وصاروا الناس يجو لعنا ليودعوني، وعرفت أمي ووقعت بالأرض وجابولا الحكيم، هون كان شعور غريب وصرت بدي إتحجج بمرض أمي لاتراجع عن قرار الرهبنة»، و«هيك صار» وبأسرع بكثير مما توقعه والدها، عزفت مجدلا عن فكرة الرهبنة وعادت الى حياتها الطبيعية ترنم ويصدح صوتها عبر ميكروفون الكنيسة مع كل قداس.. وما كانت لتدرك ان صوتها الذي كان يصل الى كل البلدات المجاورة، سيسمعه يوما عابر سبيل غريب ليشق أمامها أبواب قدر ما كانت يوما لتحلم به أو تخطط له.

نجمة جديدة على أدراج بعلبك

عابر السبيل ذاك كان المخرج والفنان الكبير روميو لحود، وصودف آنذاك ان لجنة مهرجانات بعلبك الدولية كانت تبحث عن وجه جديد وتتطلع لبطلة جديدة تطل على أدراجها الى صباح وفيروز، وما تأخر روميو لحود بتلبية النداء، وفيما كان متوجها من بيروت الى بعلبك مرورا بالكحالة استوقفه صوت يصدح عبر مايكروفون الكنيسة مرتلا، توقف، سأل عن صاحبة الصوت، أخبروه. «طلع بيعرف بيي». وما تأخر، قصد منزلهم مع شقيقته بابو «وأخذني الى لجنة مهرجانات بعلبك»… وبدأت قصة نجمة جديدة في سماء الفن في لبنان أطلق عليها اسم مجدلا.

أمام الرئيس كميل شمعون ورئيسة اللجنة سلوى السعيد ونائبها جان سكاف وزكي ناصيف ووليد غلمية وسائر أعضاء اللجنة، وقفت ابنة الكحالة المرتلة تغني. «طلبوا مني أكثر من أغنية، أسمعتهم القدود الحلبية، التراتيل كما أغنية وديع الصافي «لبنان يا قطعة سما».

أعجبت اللجنة بأدائها، بصوتها، بحضورها «ووافقوا جميعا وفردا فردا، ما حدا اعترض عليي». وكان أمام روميو استحقاق آخر ربما كان الأصعب «كيف سيقنع والدي ان أغني في مهرجانات بعلبك».
كما كان متوقعا، رفض «زعيم» الكحالة انخراط ابنته في عالم الفن، لكن بعد إصرار وتعهدات وتطمينات، وافق بشرط ان أشارك فقط في مهرجانات بعلبك، وانطلق العمل على مسرحية «الفرمان» كتابة الشاعرة ناديا تويني لتسجل أول إطلالة فنية للفنانة الناشئة الى جانب أنطوان كرباج، عصام رجي، جوزف عازار، سمير يزبك، نبيه أبو الحسن وشوشو.

وهيك صار إسمي مجدلا

أولى الخطوات «غيرولي إسمي، اجتمعنا في منزل غسان تويني انتظرنا عودته من جريدة «النهار» حتى الثالثة صباحا، واختارت ناديا تويني الاسم من أحد الكتب»، وهكذا صدرت «النهار» في اليوم التالي تحمل خبر بزوغ نجمة جديدة لمهرجانات بعلبك غير فيروز وصباح وتدعى مجدلا.

وبدأت التمرينات… وكل يوم ابتداء من الثامنة صباحا، «زكي ناصيف يمرنني غناء، أنطوان كرباج يعلمني الأداء تمثيلا وكلا الاثنين أعطيا شهادة حلوة عني»، وطبعا كان هناك بروتوكول المهرجان «وصار روميو لحود يمرّني كيف كون «ستار»، ممنوع يا مجدلا توقفي لحدا إنتي نجمة، وممنوع وممنوع.. وكيف لازم أقعد كيف لازم إمشي والبس»، ما كان ذلك ليروق لها كثيرا هي ابنة الكحالة المعتادة على حياة حرة عفوية وبسيطة.

«نصحتني أم كلثوم ألا أتزوج»

ستة أشهر من التمرينات القاسية، وقبل حلول موعد العرض، نظمت رئيسة اللجنة سلوى سعيد الغداء السنوي التقليدي قبل افتتاح مهرجانات بعلبك في منزلها في صوفر دعت إليه شخصيات سياسية وفنية وبينهم كوكب الشرق أم كلثوم التي جاءت الى لبنان لتتحضر لحفلها في مهرجانات بعلبك الذي تلا عرض «الفرمان»، «قعدوني على التراس الى جانب أم كلثوم بمفردنا بصفتنا نجمتي المهرجان، ودار حديث بيني وبينها وحبت تسمع صوتي، غنيتلها «عمري ما حاقدر إنساكي» لفريد الأطرش و»تركوني أهلي بهالليل» من أغاني المسرحية وبلا موسيقى، عجبا صوتي والبحة فيه، ونصحتني ما اتزوج لأتفرغ للفن».

وانطلق المهرجان ولياليه اللبنانية العشر.. وكان افتتاحها بحضور رئيس الجمهورية آنذاك شارل حلو الى حشد كبير من رجال السياسة «كل المجلس النيابي كان حاضر، وطبعا الرئيس كميل شمعون وأيضا سليمان فرنجية يللي انتخبوه بعد أيام رئيس للجمهورية خلفا لشارل حلو».

أدرت ظهري لرئيس الجمهورية

وأطلت مجدلا على تلك الأدراج محدثة ضجة وجدلا كبيرين، وبضحكة من القلب تتذكر خطأ بروتوكولي ارتكبته بحق الرئيس «حين قدمت أغنية «غريبة» أعجب الرئيس الحلو بها فوقف وصفق مطالبا بإعادة الأغنية، لكن وظنا مني أنه عليّ الالتزام بقوانين المهرجان ان لا أرد على أحد، أدرت ظهري للرئيس ودخلت الى الكواليس ما أحرج القيمين على المهرجان.. ولكن وتصحيحا للخطأ، أعدت غناء «غريبة» كما «تركوني أهلي بهالليل» في ختام العرض إرضاء للرئيس».

في «الفرمان» ومن على أدراج بعلبك، أطلت مجدلا على الجمهور بأول أغنية لها «عالدرب البعيدة»، ثم كان حوار غنائي مع جوزف عازار، كما غنت أيضا أجمل ما غنت: «تركوني أهلي بهالليل»، «طاير طاير بالبشاير» و»رايحا مشاوير بعاد» لزكي ناصيف، «عبث الشوق» و»غريبة» لعصام رجي.

بنجاح كبير انتهى العرض، تألقت مجدلا صوتا وحضورا، وانتقل الفريق الى أوتيل بالميرا الشهير المجاور للقلعة الكبيرة، وكان على نجمة مهرجانات بعلبك الجديدة استقبال حشود من الجماهير توافدت لتهنئتها «بقيت واقفة للساعة 3 الصبح ومعي غسان وناديا تويني وروميو وألكسندرا»، «حسيت ليلتها كأني بالسما ملكة الجنة».

كيف استقبلتها الصحافة الفنية يومذاك؟ تؤكد «ما حدا انتقدني لا بل كتب عني ما تحلم به كل فنانة حتى ان جورج ابرهيم الخوري وصفني بعد «الفرمان» كاتبا على صفحات «الشبكة»: مجدلا تتمتع بطلة صباح وصوت فيروز»، رأى فيّ مزيجا بين صباح وفيروز».

وتفلفش مجدلا أمامنا مجلات من ذاك الزمن الجميل تحتفظ بها حتى اليوم بورقها المصفر وقد تصدرت صورها أغلفتها وضمنها مجلة «الحوادث» و»ريفو دو ليبان» حيث تمددت مقالات وصور على صفحات وصفحات تستعرض إطلالتها وتألقها في مهرجانات بعلبك الدولية.

وتخبرنا «بعد ليلة الافتتاح انفقدت البطاقات من السوق صار في سوق سودا»، نجاح كبير شجع روميو لحود لاتخاذ مجدلا نجمة لمسرحه صيفا في المهرجانات وشتاء على خشبة مسرحه «المارتينيز» كما في جولاته الفنية الى الخارج «لكن أبي لم يوافق، زارنا روميو مع بابو وعصام رجي في بيتنا لإقناع والدي بمشاركتي في حفل في الأولمبيا في باريس، فرفض رفضا قاطعا. وصار روميو يروح ويجي وأنا مش طالع بإيدي شي، بكيت كتير بعد ما عرفت الشهرة والمجد بسرعة».

الى مهرجانات بيت الدين

وهكذا، كما أطلت سريعا، غابت مجدلا سريعا، ولكنها لمعت وجها فنيا على صفحات الجرائد وأغلفة المجلات وشاشة تلفزيون لبنان في مقابلات مع ظريف الشاشة نجيب حنكش كما مع الإعلامي الكبير الراحل رياض شرارة.

وسرعان ما عادت، ليسجل صيف 1971 إطلالة ثانية لها وهذه المرة من مهرجانات بيت الدين في مسرحية «مدينة الفرح» تأليف إيلي شويري، لتجد نفسها تتألق الى جانب ثلاثة عمالقة: وديع الصافي ونصري شمس الدين وفيلمون وهبي، «بدَّعنا في ذاك المهرجان كنت عم اتحرك بحرية أكتر من بعلبك، لعبت دور الأميرة الحالمة، وغنيت أحلى الأغاني: «غنيلي بعد» و»عصفور المي» و»أنا والريح الجبلية» لجورج تابت، «بتعرف يا قمرنا» لفيلمون وهبة، «هجرونا» و«عمر دارك عالعالي» لالياس الرحباني، عدا الحوارات الغنائية وكلها ألحان الياس الرحباني». سجل الافتتاح نجاحا كبيرا لكنه انتهى بحادثة محزنة، في تلك الليلة توفي الملحن جورج تابت، فتوقف المهرجان حكما.

بعدها انطلقت مجدلا الى الأغاني المنفردة تسجلها للإذاعة اللبنانية، ليضع لها الموسيقار الراحل ملحم بركات سلسلة أغان منها: «مرق الصيف»، «عيون الغزلان»، «حالك حال»، «سهر الليل»، «دخلك يا مرسالي» و»بحر اللولو».

وفي الصيف الثالث كان لها مهرجانها الثالث.. «زارنا وديع الصافي في بيتنا وتمكن من سحب موافقة والدي لمشاركتي في مهرجانات بيت الدين في مسرحية «بحر اللولو» مع وديع ونصري شمس الدين وملحم بركات وجورجيت صايغ وسمير رحال» وفي هذه المسرحية غنت مجدلا «يا قمر يا ناسينا».

وفي الصيف الرابع شاركت مجدلا ودائما ضمن مهرجانات بيت الدين في «أيام الصيف» مع مروان محفوظ وجوزف عازار. ثم مع نصري شمس الدين وملحم بركات وجورجيت صايغ في مسرحية «وادي الغزار» التي صورت في لبنان وبيعت للدول العربية.

تقول مجدلا «أنا انشهرت من أول يوم»… ولا تنفي طبعا «حلوة الشهرة» لكنها تؤكد «لم تغيّرني أبدا، على العكس تواضعت أكثر لأني أصبحت اكثر قربا من الناس، شاهدتهم يصفقون لي يهنئونني من قلبهم أحببتهم وأحبوني صرت أكثر قربا منهم وانفتحت حياتي أكثر».

لماذا لم تعمل مجدلا مجددا مع روميو تجيب فورا «ابتعد روميو بعد ان يئس من رفض والدي، لكنه سرعان ما اتخذ لمسرحه نجمة جديدة هي سلوى القطريب وأكمل معها».

عام 1975 بدأت الحرب، وفي العام التالي دخلت مجدلا القفص الزوجي لتهاجر برفقة زوجها نبيل خاطر أولا الى السعودية، وبعدها الى فرنسا حيث استقرا مع ولديهما نضال ومجدلا في مدينة كان.

وهكذا رأينا الفنانة مجدلا تبتعد عن الأضواء والشهرة وتعتزل الغناء وهي في قمة عطائها الفني.

لماذا اعتزلت؟

تؤكد «أنا ما اعتزلت، ولا مرة قلت بدي اترك، هي الظروف بعدتني عن فني»، وتخبرنا «كانت تأتيني عروض لكن لو كانت من مهرجانات بعلبك أو بيت الدين أو جبيل لما قلت لا، عروض ما كانت تتناسب مع تطلعاتي، وما كنت أبدا مستعدة لأن أقدم أعمالا جديدة ليست بقيمة ما حققته سابقا وتشوّه مسيرتي الفنية التي أعتز بها وإن كانت قصيرة».

مع الرحابنة.. يا فرحة ما تمت

وكان لها العرض الأضخم الذي وصل الى عقر دارها وكان لينقلها الى عالم آخر، عالم الرحابنة والنجومية والأحلام، لكنه قدرها وإرادة والدها وقفا ثانية في المرصاد!

وتروي «بيت الرحباني كانوا يحضرون كل مهرجاناتي في بيت الدين، عاصي ومنصور والياس وزياد، والياس الرحباني لحن لي الكثير من الأغنيات والحوارات الغنائية، كما غنيت «أنا وديتلو مكاتيب» لزياد في مسرحية «بحر اللولو»، وكانوا بعد انتهاء كل عرض يهنئونني ويقولون لي دائما «بدنا ياكي» وترجم ذلك فعلا لاحقا»، كيف؟

تسترسل مجدلا في حكايتها «لما انفصل الأخوان رحباني فنيا عن فيروز، كنت أنا متزوجة ووضعت مولودتي الأولى، فأرسلا لي خبرا مفاده أنهم يريدون رؤيتي، وذهبت للقائهما بحضور الشاعر سعيد عقل، وقللي عاصي صوتك بيلبق لمسرحنا، وأخذ العود وبدأ بالعزف وأنا أغني، ليقولا لي «نريد ان نعمل معا»، فطلبت منهما التحدث الى أبي، وفورا اتصل منصور بوالدي وطرح عليه الموضوع فأجابه «لي الشرف التعاون مع بيت الرحباني لكن لمهرجان واحد وحسب»، لكن الرحابنة أرادوا إبرام عقد تعاون لمدة خمس سنوات بالتزام كامل، جنّ جنون أبي وترحم على أيام روميو لحود، ودارت مشاورات، ولم يتوصلوا الى اتفاق وأخيرا طرح عليهم والدي كي لا يكسر الجرة معهم ان يعطوني أغان، لكنهم رفضوا، أرادوا التزاما كاملا مفتوحا على مهرجانات ومسرحيات وسفرات الى الخارج وأفلام سينمائية، وقال عاصي إنهم سيجعلون مني مجدلا جديدة مختلفة حتما عن مجدلا مسرح روميو «أنا بدي أعملها وحدي تانية بلون جديد»، رفض والدي وأصر الرحابنة، وحاولوا حتى النهاية إقناعه، لكن عبثا، حينها أخذت ابنتي وعدت الى فرنسا».

هل ندمت مجدلا لانصياعها لإرادة والدها وهدرها فرصة الانضمام الى مملكة الرحابنة، تجيب «زعلت وما زعلت، طبعا زعلت كتير لضياع هذه الفرصة الكبيرة التي لا تعوّض لكنني أيضا استوهمت هذا الارتباط الكبير، ليس سهلا ان تكون بديلا لفيروز على مسرح الرحابنة، كانت خطوة خطرة جدا وكنت سأبقى دائما في دائرة المقارنة بها وهذا ما يحرق الفنان».

بالنتيجة «كانت فرصة كبيرة ما صارت لحدا لكنها طارت»، وتؤكد «أتتني عروض وفرص كبيرة أخرى، ذهبت وعمرها ما راح ترجع، لكنني كنت سعيدة بعائلتي وإيماني وصلواتي أكسباني قوة كبير وقناعة».

الصدمة الكبيرة

عام 1995 ، كانت الصدمة الكبيرة التي «خبطت» حياة مجدلا رأسا على عقب «توفي زوجي فجأة عن 47 عاما في سكتة قلبية، والغريب ان قبله بأيام توفي والدي فغرقت في حزن كبير وكان زوجي يوآسيني قائلا «قولي الله ينجينا من الأعظم» وكنت أجيبه «ليش بعد في أعظم»، وبعد أيام توفي بدوره وأدركت يومها ان فقداني لزوجي كان الحزن الأعظم».

وعلى هذا، وجدت مجدلا نفسها وحيدة مسؤولة عن تربية واحتضان ولديها نضال وكان في الرابعة عشرة من عمره، ومجدلا التي كانت تتابع دراستها الجامعية، «كنا نتنقل بين لبنان وفرنسا، ولما كبر أولادي واستقلوا أصبحت اكثر استقرارا في لبنان وقرب أهلي «.

«ولادة نجمة» غابت طويلا

وخلال أحد مشاويرها الى لبنان وبعد غيبة طويلة جدا عن الفن وجمهورها تخبرنا «طلبني زاهي وهبة لأكون ضيفة برنامجه «خليك بالبيت» وطلعت معو عالهوا لمدة 3 ساعات حكينا كل شي عن مشواري الفني، وتاني نهار حكيو عني بالصحف ووصفت إحدى المجلات اللقاء بأنه «ولادة نجمة» غابت طويلا، لتعود الى الأضواء في 3 ساعات لكأنها اكتشاف جديد».

وهكذا، مشتاقة الى أحضان بلدها وعائلتها، عادت مجدلا الى لبنان، تزوجت ابنتها واستقرت في فرنسا، فيما فضل ابنها نضال الاستقرار في بلده والعمل في مجال هندسة الكومبيوتر، وهي؟ عادت الى الساحة الفنية لكن بتحفظ «رأيت نفسي أنصرف الى التراتيل والأغاني الوطنية»، قدمت أغنية «الكلمة صار جسدا وحل فينا» لمناسبة عيد الميلاد من ألحان إحسان المنذر، وسجلت إطلالة مميّزة عام 2008 في فيديو كليب «غنوا القصايد» من كلمات وألحان إيلي شويري بمناسبة العيد الوطني للجيش اللبناني الى مشاركاتها في أداء التراتيل وإحياء نشاطات اجتماعية خيرية.

وتراها حاليا مشغولة بدرس عرض فني كبير قد يعوّض كل سنوات غيابها عبر ريسيتال يستعرض ربيرتوارها الغنائي منذ بداياتها، طبعا تروق لها الفكرة كثيرا خصوصا ان العرض سيكون في كازينو لبنان، تعترف هي «غيابي الطويل يسبب لي خوفا وترددا، المسؤولية تجعلك دائما في موقع التردد والحذر، سابقا كنت أطحش أكثر، طبعا لدي ثقة كبيرة بنفسي وبفني، لكنني لست مغرورة» والعرض قيد الدرس.

وتراها تؤكد ان غيابها الطويل لم يغيبها من الذاكرة اللبنانية «أينما ذهبت أشعر بالأنظار تتوجه إلي، وأشعر أنهم يعرفونني، يتذكرونني بأغنيات راجت وشقت طريقا واسعا الى آذانهم، وما غلفها يوما النسيان». نعم هم نجوم ذاك الزمن الجميل.