حازم الأمين/المصرف وحزب الله…وظف الحزب المصارف في مشروعه. وأكثر من ذلك، فقد تولت هذه المصارف مهام إقليمية موازية لمهامه ومتماهية معها في سوريا وفي العراق

126

المصرف وحزب الله

وظف الحزب المصارف في مشروعه. وأكثر من ذلك، فقد تولت هذه المصارف مهام إقليمية موازية لمهامه ومتماهية معها في سوريا وفي العراق

حازم الأمين/الحرة/16 كانون الثاني/2020

ثمة أصوات على ضفاف الانتفاضة اللبنانية تشعر بالخوف من أن يستثمر “حزب الله” حركة الاحتجاجات، وأن يوظفها في وجهة واحدة هي مصرف لبنان، والمصارف التجارية!

وهذا الادعاء ينطوي على قناعة مفادها أن المصارف لم تخدم موقع الحزب وأن رياض سلامة قاوم رغباته عبر إقراره بضرورة التعامل مع العقوبات الدولية بصفتها جزءا من النظام المالي اللبناني.

والحال أن هذا التفصيل الأخير، وإن كان صحيحا، إلا أنه لا يخفي حقائق أخرى تؤدي كلها إلى أن النظام المصرفي اللبناني كان، وطوال السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل، في خدمة دولة “حزب الله”، وموظفا بكامله لإطالة عمر هذه الدولة.

ولا يخفى على أحد أن المصارف في لبنان هي أيضا شبكة علاقات أهلية وطائفية تمتلك فيها الجماعات المذهبية حصصا وتراعي المصالح، وهذه الأخيرة تمتد إلى خارج الحدود، هناك حيث تعود لتعقد صفقاتها مع أنظمة حليفة للحزب وملتصقة بموقعه الإقليمي، وبوظيفته المذهبية.

لبنان اليوم في موقع من المستحيل فيه انتظار تظاهرة نقية
استهداف المصارف، هو استهداف لوظيفتها التي لم نشهد يوما افتراقا بينها وبين “حزب الله”، باستثناء “تجاوب” رياض سلامة مع متطلبات العقوبات على مسؤولين في “حزب الله” وعلى مؤسسات قريبة منه. والحزب على هذا المستوى يملك من الواقعية ما لا يدفعه إلى الطلب من سلامة ما لا يستطيع الأخير فعله.

وهنا تحديدا، في قلب هذه القناعة جرت مياه كثيرة، خاض سلامة خلال جريانها محاولات كثيرة لتعويض العقوبات بفرص التفافية تم توثيقها من قبل مؤسسات رقابة دولية.

استهداف المصارف بحركة الاحتجاجات يعني استهداف للموقع الذي أراده “حزب الله” للنظام السياسي اللبناني. كيفما سددت في لبنان، ستصيب طلقاتك “حزب الله”. وهنا لا بد من التذكير مجددا بوثبة الحزب فور بدء حركة الاحتجاجات، ذاك أنه شعر أن التظاهرات تستهدفه، من دون أن تكون الأخيرة قد أعلنت أنها تستهدفه. لقد وظف الحزب المصارف في مشروعه. وأكثر من ذلك، فقد تولت هذه المصارف مهام إقليمية موازية لمهامه ومتماهية معها في سوريا وفي العراق.

ثم أن الطلب من الانتفاضة أن تميز بين المصرف وبين السلطة في وقت تحجز فيه المصارف ودائع أكثر من مليون لبناني، ينطوي على سذاجة كبرى، إذ أن السؤال الفعلي هو: لماذا هذا التأخر في التوجه نحو المصارف؟

أي لبناني يدخل هذه الأيام إلى مصرف سيعاين اختناقا هائلا أمام مكاتب موظفيها. دموع وأصوات هادرة، ومرضى جاءوا يستجدون الموظفين، ومبالغ زهيدة.

الناس فعلا تأخروا في تحويل غضبهم إلى أفعال، وما شهدناه في الأيام الأخيرة هو أول الغيث، ولن تحد منه أصوات المشككين والمرتابين بوقوف “حزب الله” خلف استهداف المصارف.

“حزب الله” شريك المصارف في نظام النهب اللبناني. المناوشات التي شهدتها العلاقة بين الحزب والمصرف خلال السنوات الفائتة لم ترق يوما إلى مستوى مواجهات افتراق في المصالح.

ونحن إذ شهدنا مشاركة لشبان من أزقة الحزب في التظاهرات أمام المصرف، وسمعنا أصواتا ذكرتنا بـ”شيعة شيعة شيعة” فإن ذلك يجب أن لا يقودنا إلى التصورات التي راح يطلقها “حريصون” على الانتفاضة من شبهة الشارع ومن شبهة الشعبوية.

استهداف المصارف، هو استهداف لوظيفتها التي لم نشهد يوما افتراقا بينها وبين “حزب الله”

لبنان اليوم في موقع من المستحيل فيه انتظار تظاهرة نقية. إنه الشارع وهو “الجمل بما حمل”، والأهم من هذا أن لا يأخذنا الحذر إلى موقع نبدو فيه وكأننا نحمي المصارف. علما أن هذه المهمة حتى لو طرحناها على أنفسنا ستكون مستحيلة. فعملية سوء الأمانة الكبرى ارتكبتها هذه المصارف بالدرجة الأولى، وعبرها تولت تمويل دولة الفساد والمقاومة، وعبرها أيضا امتصت مدخرات اللبنانيين، وضاعفت من أرباحها.

ربما يكون “حزب الله” قد قرر أن يحول المصارف إلى كبش فداء في هذه المواجهة، ولكنه إذا فعل ذلك سيكون قد أطلق رصاصة على قدم النظام الذي يحتضنه، لا بل إنه سيكون في مواجهة النظام المالي الذي أنجده في سوريا وفي العراق، وسيتولى بنفسه قطع أوردة أساسية ساهمت في الالتفاف على نظام العقوبات الدولية في إيران والعراق وسوريا ولبنان. ومن المنطقي والحال هذه أن يستبعد المرء أن يقدم الحزب على استهداف نفسه عبر استهداف مصارفه.

وفي هذا الوقت لم تعد الانتفاضة تملك ترف السعي نحو “تظاهرة نقية”، ذاك أن حال الاختناق يخترق كل مستويات عيشنا، ويصيب بالتساوي من يرغب في مواجهة مع الحزب ومع المصرف ومن لا يرغب في هذه المواجهة.