المحامي عبد الحميد الأحدب/عاد حكم الطائفة… والثورة أمامها الزّمان

99

عاد حكم الطائفة… والثورة أمامها الزّمان
المحامي عبد الحميد الأحدب/07 كانون الثاني/2020

كان ميشال شيحا يقول أنّ استقرار لبنان وسعادة بنيه تكون بأن لا تنفرد طائفة على باقي الطوائف في حكم بلد متعدد الطوائف! لأن التعددية إثراء بالتنوع، والانفراد هو انغلاق واستبداد! ولبنان هو رسالة الحرية في الشرق فإذا اختل التوازن بين الطوائف اجتاحت الهزات الأرضية لبنان.

“والميثاقية” التي اخترعها أصحاب الغايات لم يطبّقوها الاّ حين هُضمت حقوقهم وتجاهلوا تطبيقها عندما أتيحت الفرص امامهم لتمزيقها!

منذ الاستقلال وميثاقه الوطني، كانت المشكلة في “الولاء” و”الغبن”، طائفة تشكو الغبن وطائفة تشكو من انعدام الولاء لدى الطائفة الأخرى.

بشير الجميل حين التقى بصائب سلام بعد انتخابه في اجتماع دام ثلاث ساعات، قال لصائب بك: أنتم تشكون الغبن ونحن نشكو من قلة او انعدام الولاء للبنان لديكم. انني على استعداد ان اعطيكم كل المراكز الأساسية في الدولة، وأوقّع لكم المراسيم على بياض وأنتم قرروا تعيين من تشاؤون، وعدلوا في القوانين والأعراف بما يزيل عنكم أي غبن! ولكن بالمقابل اريد ولاء تاماً مئة بالمئة، ولن ارحم أي اهتزاز بالولاء!

وعند الاستقلال استطاع الشيخ بشارة الخوري ورياض الصلح بوطنيتهما ان يفكا ارتباط المسيحيين بفرنسا وان يفكا ارتباط المسلمين بالوحدة مع سوريا، وبقي الارتباط الثقافي عند المسيحيين قائماً وبقي حنين المسلمين الى العروبة قوياً من غير طلب الوحدة مع سوريا!!! فخفّ شعور الغبن واخذ الولاء للبنان ينبت بصعوبة! وبقيت الأرجحية للطائفة المارونية ولكن الإسلام السياسي حقق مكاسب واحتل مواقع كان محروماً منها قبل ذلك أيام الانتداب الفرنسي في طليعتها رئاسة الوزراء، واستمر هذا التوازن الدقيق سريع العطب أيام رئاسة كميل شمعون حتى ظهر جمال عبد الناصر في العالم العربي وحلف بغداد، فاستفاقت أحلام العروبة لدى المسلمين وكانت العواصف تاريخية!

فعبد الناصر اذا كان قد جذب بشعار القومية العربية العرب أجمعين، فإن المسلمين في لبنان كان عودهم طري في تلك المرحلة لناحية الولاء، فأخذتهم موجة عبد الناصر الذي اسقط العرش العراقي الذي اهتزّ له العالم!!!

وهكذا كانت ثورة 1958 على كميل شمعون، ورجحت كفة المسلمين بعد سقوط حلف بغداد والعرش العراقي فجاء قائد الجيش فؤاد شهاب باتفاق بين اميركا وعبد الناصر واتّبع فؤاد شهاب سياسة متوازنة مع الأرجحية المسيحية ومَيْلٌ الى عبد الناصر جعل التوازن قائماً وطبق قول منح الصلح: “قليل من العروبة خيرٌ لدفع الكثير منها”.

هكذا بالميل غير المتحيّز لعبد الناصر، رضي واكتفى المسلمون ورضوا وظلت الأرجحية مارونية، ولكن سقوط عبد الناصر سنة 1967 أوجد فراغاً ملأته المنظمات الفلسطينية حاملة شعار تحرير فلسطين فكان سقوط الولاء سقوطاً مدوّياً حين أصبحت الدويلة الفلسطينية هي دولة المسلمين وليس الدولة اللبنانية الى أن كان الاجتياح الإسرائيلي الذي قلب الأوضاع وجاء ببشير الجميل رئيساً، ثم كان اغتياله نقطة تحول لاسيما وأن امين الجميل الذي خلفه طبّق سياسة متخبّطة، لا أرضت المسلمين ولا المسيحيين!

وبعد ذلك كان فراغ ملأه نظام حافظ الأسد وكان انتداب بكل معنى الكلمة فالحكم أصبح في دمشق ولم تعد أي طائفة تحكم.

وشعر المسلمون بأن شعار تحرير فلسطين جعل فلسطين تمر بجونية وعيون السيمان، وأدرك المسيحيون ان التدخل الأجنبي في التوازن اللبناني مضر بهم وبلبنان، لأن “طائفة” الأجنبي أصبحت هي الحاكمة على حساب كل الطوائف.

وكان اغتيال رفيق الحريري نقطة الانعطاف الكبرى الإسلامية والمسيحية، فقَوِي الولاء الإسلامي دون ان يكتمل، وظلت الحرب الأهلية مستمرة حتى كان الطائف الذي حاول إزالة الغبن الإسلامي وقلّل من قوة المسيحية السياسية بحثاً عن توازن الطوائف في السلطة وفتح ابواباً عريضة لإلغاء الطائفية ولكن سوريا الأسد التي كُلِّفت بتطبيقه لم تطبق منه الا ما يُقوي استبدادها وسلطتها أي سياستها.

ومن الطائف الى الدوحة وصلنا الى حكم طائفة مسلحة هي الطائفة الشيعية، وكرر التاريخ نفسه، فما حصل مع الدويلة الفلسطينية والولاء الإسلامي لها على حساب الولاء للبنان، تكرر هو نفسه، مع ولاء تام لإيران في مشروعها إنشاء الأمبراطورية الفارسية في العالم العربي!

واختارت الطائفة الحاكمة طبقة سياسية فاسدة لتساندها وتحميها، وخلال ثلاثين عاماً كانت هذه الطبقة تعبث فساداً وهدراً حتى انهارت الدولة انهياراً اقتصادياً ومالياً وفكرياً وجرّت معها المصارف وانعدم استقلال القضاء وادّى ذلك الى تفكك الدولة كلها بتحليل الحرام وتحريم الحلال في تطبيق القوانين، فكانت الثورة، ثورة الجيل الجديد والعقلية الجديدة وأهم ما تميّزت به الغاء الطائفية وتطلعات الى دولة غير طائفية عصرية عادلة!

الى اين الآن؟
الثورات لا تحقق أهدافها بين ليلة وضحاها! ولكن الثورة بدأت والطريق طويل بدءاً من إسقاط الطبقة الفاسدة وحكمها الى إنشاء دولة عصرية لا طائفية.

والطائفية لا تزول بالنصوص بل بالنفوس، لهذا فهي تحتاج الى الزمن، الى مجلس شيوخ طائفي ومجلس نيابي غير طائفي، الى زواج مدني اختياري، الى قانون انتخاب ينتخب الناخبون في دوائره متساوين بين المسلمين والمسيحيين، بحيث يُنتخب النائب من طائفتين بالتساوي وليس من طائفته، تمهيداً لنظام علماني الخ… الخ…

الثورات طويلة، وهي قد تكون قدوة للعالم العربي الواقع تحت نير الاستبداد والفساد والتعصب والجهل.

الثورة مكلفة وتحتاج الى كثير من الصبر والتضحيات، ولكن شباب الثورة يبشرون، فهم المستقبل العصري المشرف!

التاريخ معنا للخروج من تاريخنا القذر الأسود الذي تميّز باستبداد طائفة كل عشرين او ثلاثين سنة ثم تأتي طائفة أخرى للاستبداد وانعدام الولاء، ولكن تحت شعارات تحرير فلسطين.

آن الأوان لنبدأ مسيرة العصر والتاريخ، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة… وقد بدأت.