شارل الياس شرتوني/اوليغارشيات الزجاج الأسود

77

اوليغارشيات الزجاج الأسود
شارل الياس شرتوني/08 كانون الأول/2019

تحيلنا متابعة حيثيات تأليف الحكومة الى مشهد تعودناه على مدى ثلاثين سنة: الشؤون السياسية والعامة في بلادنا تقرر ضمن دوائر مغلقة تتألف من أعضاء الاوليغارشيات الحاكمة، كما عبرت عنها بشكل بليغ الطاولات المستديرة التي حلت مكان المؤسسات الدستورية فحولتها الى صناديق إيقاعية لترديد إملاءاتها. الأمر الذي كسر مبدأ فصل السلطات وجعل من السلطتين التشريعية والقضائية مواطئ تستعمل من اجل اضفاء صبغة شرعية وقانونية على ممارسات تقف على خطوط التماس بين انتحال الصفة والتصرف الاستنسابي بالمؤسسات الدستورية.

ان اخطر ما يوصف المشهد السياسي في بلادنا هو قيامه على قاعدة التزوير وإفراغ المبنى الديموقراطي من مدلولاته، وجعله غطاءا ليس الا لتمويه تقاسم النفوذ السياسي بين الاوليغارشيات السياسية السنية والشيعية والدرزية ومواليها في الاوساط المسيحية، مظللة بسياسات النفوذ الاقليمية على تبدل مرتكزاتها (سورية، سعودية، إيرانية…).

لقد لجأت الى تورية الزجاج الأسود التي استعرتها من مواكب سيارات الاوليغارشيات لتظهير واقع الطلاق بين المجتمع المدني والنوادي المغلقة التي بنت كياناتها على حساب الارث الديموقراطي بمكوناته المدنية والمؤسساتية والثقافية التي طبعت الكيان السياسي اللبناني على الرغم من واقع عدم الاستقرار المديد الذي لازم مئوية دولة لبنان الكبير.

المشهد السياسي الحاضر يعيد تكرار السناريوات المألوفة التي تنبئنا ان الاوليغارشيات تتابع مداولاتها في حال من التعامي الإرادي عما جرى ويجري منذ ما يقارب الشهرين، ودون اي اعتبار لحيثيات الحراكات المدنية والثورة المواطنية وما تؤشر اليه من ضرورة وضع حد للاقفالات السياسية، وفتح باب التسوية على اساس المشاركة في وضع اسس المرحلة الانتقالية، والتأسيس لخيارات سياسية ودستورية تعلن بداية الجمهورية الثالثة مع بداية المئوية الثانية للجمهورية اللبنانية المفترضة.

الطلاق ظاهر وتجاهل الحراكات المدنية معلن وغير آبه لمؤديات هذا الاداء وتردداته المدمرة.

لقد امن واقع الاستثناء السيادي الذي يوصف اداء حزب الله حاليا، كما وصف مجمل اداءات جمهورية الطائف في السابق، الغطاء الذي يسمح لهؤلاء متابعة نهج الدوائر المغلقة بحجة الحفاظ على السلم الأهلي، هذا مع العلم ان الواقع المالي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد لم يعد قادرا على التحايل على حالة الإفلاس والركود الاقتصادي والتداعيات الاجتماعية المدمرة.

اما التحدي المطروح على الحركات المدنية فهو ضرورة كسر الاقفالات الاوليغارشية ورفض دورها التحكيمي لصالح آلية انتقالية توافقية مبنية على اساس التفاهم حول الأولويات الإصلاحية (المالية والاقتصادية والتجهيزية والاجتماعية والتربوية والبيئية،…) والتمهيد لمرحلة ترسي الخيارات التأسيسية للمئوية الثانية ان كتبت لها الحياة.

ان الفشل في ارساء توافق مبدئي حول موجبات السلم الأهلي والخيارات الاصلاحية هو مدخل لتداعيات مدمرة على كل المستويات، ودخول البلاد في دوامات الفوضى الاقليمية المفتوحة.

اخيرا لا آخرا، على حزب الله ان يعي حدود سياسة الممانعة، والتعطيل الاستنسابي للواقع السيادي، ليس فقط من منطلقات مبدئية تبدو غير ملزمة له من وجهة نظر حساباته الاستراتيجية التي تتجاوز المدى الدولاتي اللبناني، بل من وجهة نظر واقعية تمليها حدود قدرته العسكرية والتدبيرية، وخطر دخول البلاد في خضم الصراعات الإقليمية المفتوحة وتداعياتها المدمرة، وله ولنا أمثلة بليغة مع حرب ٢٠٠٦ ومفاعيل الحرب السورية.