علي الأمين: خمسة مكاسب للانتفاضة اللبنانية.. ماذا عن خيار العنف

78

 خمسة مكاسب للانتفاضة اللبنانية.. ماذا عن خيار العنف
علي الأمين/العرب/19 تشرين الثاني/2019

أولا: استعادة مفهوم الوحدة الوطنية، حيث شكلت المواطنية ركيزة أساسية ومحورية في خطاب الانتفاضة وأدبياتها السياسية والمطلبية، وهي تميزت هنا عن انتفاضة 14 آذار 2005، التي استندت في منهجها السياسي على وحدة الطوائف.

ثانيا: إسقاط الحكومة، حيث نجحت الانتفاضة في فرض استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري. ليس هذا فحسب، بل أحدثت إرباكا داخل السلطة، التي تبدو عاجزة عن تأليف حكومة بعد ثلاثة أسابيع على استقالتها. وهي تبدو عاجزة عن القيام بخطوة تعيد من خلالها إنتاج حكومة من قوى السلطة نفسها، ولا تريد الاستجابة لمطلب الانتفاضة بالإتيان بحكومة من المستقلين تحت مسمى حكومة إنقاذ وطني. في المقابل يبدو أن ما سمّي التسوية الرئاسية، التي قام عليها عهد الرئيس ميشال عون، قد تصدعت أو تهاوت، في ظل عجز أركان السلطة عن توفير معادلة جديدة تؤسس لحكومة مقبلة.

ثالثا: أقفلت الانتفاضة مجلس النواب وألغت نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في عام 2018، إذ فرضت وجودها على معادلة السلطة، وبات البحث في تشكيل أي حكومة دون النظر إلى ما تغير في المشهد السياسي مستحيلا، وهو تغير يتراوح بين إقرار السلطة بتمثيل الانتفاضة في الحكومة، كما اقترح رئيس مجلس النواب، وبين مطلب الانتفاضة بتشكيل حكومة من خارج التمثيل النيابي القائم.

رابعا: لم تتكلم الانتفاضة عن سلاح حزب الله، ولم تشر إليه في كل مطالبها، لا رفضا ولا قبولا به، لكنها ذهبت مباشرة إلى الدولة. وطرحت مسألة تطبيق القانون، باعتبارها المعيار في محاسبة المفسدين، واستعادة الأموال المنهوبة. وفي العمق وجهت الانتفاضة ولا تزال ضربات متتالية للمعادلة التي تحكم السلطة اليوم، ولحكمتها في زمن الوصاية السورية منذ اتفاق الطائف عام 1989، والتي تقوم في جوهرها على تولي سلطة الوصاية، سواء كانت سورية أم حزب الله، إدارة السلطة في الأمن والسياسة الخارجية، مقابل إطلاق يد القوى السياسية في إدارة عملية المحاصصة أو بتعبير أوضح الفساد. الانتفاضة صدعت هذه المعادلة التي تفسر لماذا يقدم حزب الله نفسه حاميا ومدافعا عن السلطة الحاكمة، لإدراكه أن سقوط منظومة الفساد سيؤدي بالضرورة إلى إسقاط معادلة السلاح، التي جعلت من لبنان منطلقا لعمليات أمنية وعسكرية في الخارج، ومصدر سلطته في الداخل اللبناني.

خامسا: انتزعت الانتفاضة شرعية دولية، وأصبح المجتمع الدولي، ولاسيما ما يتصل بمؤتمر سيدر الذي يتضمن خطة لمساعدة لبنان، ينظر إلى الانتفاضة اللبنانية باعتبارها العنصر الحيوي الذي من خلاله يمكن تقدير خطة تنفيذ مؤتمر سيدر أو تأجيله وربما إلغائه. وأصبحت كيفية تعامل السلطة مع هذه الانتفاضة هي ما سيقرر في هذا المجال، لأن الإصلاحات هي جوهر ما يطلبه مؤتمر سيدر، والذي تعمل الانتفاضة على تحقيقه بالإضافة إلى مطالب وعناوين أخرى تتصل بالإصلاح السياسي وإجراء انتخابات نيابية مبكرة.

هذه المكاسب الخمسة، تستند على تغيير أو مسار من التحول السلمي، وعلى نزعة غير عنفية يتمسك بها المجتمع اللبناني، وهي سمة نتجت من تراكم خبرة مجتمعية، وتجارب أدت إلى إدراك عميق بأن العنف، لاسيما المسلح، كفيل بضرب المكتسبات الوطنية.

غير أن ذلك، لا يزيل المخاوف من عنف مقابل هو عنف حزب الله، الذي يمكن أن يستحضر في لحظة تلمس خسارة السلطة، عنفا بذريعة حماية السلاح أو مواجهة مخاطر خارجية أو داخلية. وهو في ذلك يريد استدراج المجتمع الدولي للتدخل، لإدراك حزب الله أن المجتمع الدولي هذا ينحاز إلى الأمن، في مقابل الاصلاح، وهو ما شاهده الجميع في سوريا. هذا ما يعتقد حزب الله حدوثه في لبنان، في ظل وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان وتخوف أوروبا من هجرتهم إليها، فضلا عن وجود أكثر من عشرة آلاف جندي دولي في جنوب لبنان ضمن قوات اليونيفل.

إلى جانب ذلك، لا يخفي القريبون من حزب الله أن تهديد الاستقرار في لبنان، يوجه رسالة قوية لإسرائيل، التي تتمتع باستقرار على حدودها مع لبنان منذ القرار الدولي 1701 وهي ليست في وارد مبادلة ذلك بالفوضى. وهذا ما أكده رئيس الجمهورية قبل أيام، حين أشار إلى أن حزب الله ملتزم بالاستقرار على الحدود مع إسرائيل.

بين وتيرة التغيير السياسي التي تديرها الانتفاضة ومخاطر التهديد الأمني الذي يتركز في ما يمكن أن يقوم به حزب الله، تفرض الأزمة المالية والاقتصادية حضورها القوي، من خلال ما حملته وتحمله من مخاطر حقيقية على الدولة والمجتمع. وهي باتت تفرض على اللبنانيين نمطا جديدا لم يعهدوه سابقا، حيث باتت المخاطر أكثر من واقعية على توفير السلع والمواد الأساسية، مع بروز سعرين للعملة الأجنبية واحد رسمي وآخر في السوق، وهو ما سبب ونتج عن أزمة في توفير عملة الدولار في بلد يقوم اقتصاده على الاستيراد من الخارج.

كل ذلك يجعل من عملية الإنقاذ أسيرة معركة عض أصابع بين طرف يريد إعادة إنتاج معادلة السلطة نفسها، وطرف يريد الانتقال إلى معادلة جديدة لا مفر منها لإنقاذ لبنان.

وسط هذا المشهد، حققت الانتفاضة مكسبا مهما على الصعيد النقابي، عندما حققت فوزا كبيرا في نقابة المحامين، عبر إيصال نقيب جديد من وجوه الثورة هو المحامي ملحم خلف، في معركة انتخابية في مواجهته كل أحزاب السلطة دون استثناء، والتي فشلت في الإتيان بمرشحها. أهمية هذا الفوز أن نقابة المحامين ومنذ عقود، كانت دائما صورة مصغرة عن توازنات أحزاب السلطة.

ما حدث في نقابة المحامين يجعل من التغيير في بقية النقابات مسارا جديا وحقيقيا، يعكس مدى تراجع قوى السلطة وسطوتها أمام التغيير المجتمعي الذي تقوده الانتفاضة اللبنانية على أكثر من مستوى واتجاه.