الدكتورة رندا ماروني/الإنقلاب على القصر

525

الإنقلاب على القصر
الدكتورة رندا ماروني/29 تشرين الأول/2019

الإنقلاب على القصر بما يشكل رمزا لتسوية سميت بالتسوية الرئاسية إنحرفت عن شروط قيامها بالنسبة لفريق وعن علة وجودها بالنسبة لفريق آخر يحضر نفسه للإنقضاض على السلطة بشكل كامل، وإبتعدت عن شروط قيامها لمن وعد بالمشاركة الفعلية لا المحدودة والمحددة والمقلصة بالنسبة لفريق وعصت عن أن تكون أداة طيعة كليا في يد الفريق الآخر مما سبب نوع من الفتور والحقد على إسماء لم تلبي كافة المطالب منها خاصة في أمور التعيينات والتوظيفات، والتي كانت تجاهر بالحفاظ على حقوق المسيحيين فيما هم بالحقيقة لا يرون من المسيحيين سوى أتباعهم ومحاسيبهم عدا عن تغطيتهم لسلاح غير شرعي الأمر الذي حد من طموح اللبنانيين عامة والمسيحيين خاصة في تحقيق مبتغاهم في الحرية والسيادة والإستقلال كعنوان راسخ في ضميرهم وأهدافهم الوطنية على مدار تاريخهم النضالي منذ عهد العثمانيين وحتى اليوم.

لقد جسد القصر رمزا مستفزا انقلب عليه الجميع فكانت الثورة الجامعة من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق بعناوين إقتصادية جامعة وإنما بمضامين وأجندات سياسية متضاربة مع بعضها البعض شكلت عنصرا مفاجئا إرتداديا للبعض.

نقول الإنقلاب على القصر حيث وجهت السهام المباشرة بشكل مكثف من الثائرين على رئيس الجمهورية وفريقه السياسي ليشكلوا ضغطا في الشارع وليرسموا خارطة طريق تضاربت بين إسقاط النظام وكل رموزه مع التركيز على رئيس الجمهورية بشخصه إلى إسقاط الحكومة وتأليف أخرى مؤلفة من إختصاصين لديها مهمات محددة فندت في ورقة إصلاحية إضافة إلى الإشراف على إجراء عملية إنتخابات نيابية مبكرة وقد تجاوز البعض هذين المهمتين ليولي للحكومة الجديدة المفترضة صلاحية إستثنائية بوضع قانون إنتخابي جديد خارج القيد الطائفي يقوم على أساس لبنان دائرة إنتخابية واحدة.

 وفيما كان حزب الله يتولى مهمة المفاوضة حول مضمون الورقة الإصلاحية ويفرض شروطه على الحكومة، كان وجه حزب الله المدني المتمثل بالحركات والأحزاب الشيوعية وحركة كلنا وطني وحزب سبعة وكل من يحمل الأجندة السياسية لحزب الله وحركة أمل المتمثلة بمشروع إلغاء الطائفية السياسية وجعل لبنان دائرة إنتخابية واحدة، إضافة إلى الحركات المطلبية على إختلافها، كل هؤلاء شكلوا نقطة إرتكاز قوية لحزب الله للضغط بها على الحكومة لتحقيق المطالب خاصة بعد سلسلة تدابير خارجية وداخلية عملت على تطويق حزب الله إقتصاديا وكان آخرها إغلاق مصرف جمال تراست بنك الذي كان يستعمله الحزب لتمويل عملياته المشبوهة إضافة إلى إتخاذ حاكم البنك المركزي إجراءات تحد من تهريب العملات الصعبة من لبنان إلى الداخل السوري.

كل هذه الإجراءات التي طالته وطوقته دفعت حزب الله للوقوف صفا واحدا مع الحركات المطلبية، الأمر الذي شكل له نقطة إرتكاز قوية للضغط بإتجاه الحكومة وحاكم مصرف لبنان إلى أن ظهرت المفاجأة الإرتدادية.

فاليد القابضة عملت من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب إضافة إلى المصادر التقليدية للدعم المتمثلة في دول كالإمارات والسعودية وغيرها المناهضة لإيران وحزب الله.

فاليد القابضة لم يقتصر دعمها هذه المرة للحركات المدنية المناهضة لحزب الله بل ايضا كان الدعم للحركات المدنية التي تحمل نفس المشروع مع حزب الله، وتستثني حزب الله والسيد حسن نصرالله من المحاسبة ومن عبارة كلن يعني كلن وقد ظهر بوضوح هذا الامر في هتافات الثائرين اليسار الحاملين نفس المشروع السياسي من إلغاء للطائفية السياسية وإعتماد النسبية في دائرة إنتخابية واحدة، لقد دعمت اليد القابضة الطرفين والفكرين فظهرت اليد القابضة في الجنوب والوسط والشمال وعلى اعلام وشعارات كلن يعني كلن، فعلم شعار كلن يعني كلن يحمل شعار اليد القابضة وحركة كلنا نبطية يحمل شعار اليد القابضة وغيرها… فكانت الثورة العارمة شعاراتها إقتصادية إنما مضامينها إقتصادية وسياسية معا وكل يغني على ليلاه.

فثورة الشمال حملت هتافات ومطالب عدة منها ما تعلق بالوضع الاقتصادي المذري ومنها شعارات وهتافات متضامنة مع الثورة السورية المعارضة لحكم الأسد ولحلفائه الإيرانيين ولحزب الله وللرئيس عون كما تصدرت المطالب العفو العام الشامل عن السجناء الإسلاميين.

أما في الوسط  الكسرواني والمتني ركزت الشعارات والمطالب على محاربة الفساد والفاسدين وتطبيق القرارات الدولية ١٥٥٩ و١٧٠١ .

وكانت هتافات وسط بيروت تتراوح وتتناقض يجمعها الواقع الإقتصادي المذري والمطالب المعيشية وتفرقها الشعارات السياسية بين من يصدح كلن يعني كلن والسيد واحد منن وبين من يهتف كلن يعني كلن والسيد أشرف منن، وهتافات أخرى تعبر عن إنشقاق سياسي  كصهيوني صهيوني سمير جعجع صهيوني وإرهابي إرهابي سمير جعجع إرهابي وغيرها من الشعارات المتناقضة بين الثائرين الموحدين على قضايا الجوع.

أما في الجنوب اللبناني تناولت الشعارات وجوب محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين وإلغاء النظام الطائفي وإستبداله بقانون الدائرة الواحدة خارج القيد الطائفي.

المنظم واحد والداعم واحد إنما أهداف الفئات المدعومة متناقضة.

فبعد أن ظن نفسه مسيطرا على اللعبة تفاجأ حزب الله بتدابير مناقضة وبدأ بإستشعار الخطر من خلال نوعية الشعارات المرفوعة والتي تناقض أهدافه إلى كيفية التعبير المعتمدة في الحراك، والمتمثلة بحفلات صاخبة شبيهة بحفلات الملاهي الليلة التي تحتوي كل شي حتى استقدام الراقصات والممثلين والممثلات إلى أن تحسس إستعجال قائد القوات اللبنانية في الإنتشار على الطرقات وربما تنصيب الحواجز المدنية التابعة لأفراد منتمين إلى حزب القوات اللبنانية، ولربما كان لهذا الاستعجال أن تغيرت خطة حزب الله من الإنقلاب على القصر وفرض شروطه إلى الإصطفاف مجددا مع العهد مانعا إسقاط الحكومة.

وعند كتابة هذه السطور ها هو الرئيس سعد الحريري يقدم إستقالته المتلفزة غير المتفق عليها سياسيا ودون معرفة ما سوف تؤول له الأمور على وقع الهجوم الذي نفذه حزب الله وحركة أمل على المعتصمين في ساحات بيروت

ويا للمفارقة فبعد ان رسمت لنا السيناريوهات الخلافية بين الطرفين ها هما ينسقان سويا وينقضا على المعتصمين

المعتصمين
لقد قدم الرئيس الحريري إستقالته بعد ثلاثة عشر يوما على بدء المظاهرات معلنا سقوط التسوية السياسية وعلى الرئيس عون قبول هذه الإستقالة والعودة إلى قواعده الشعبية حيث توالت في الآونة الأخيرة الإستقالات من التيار الوطني الحر ومن إنشقاق بعض النواب من تكتل لبنان القوي وليتذكر أنه حليف وقتي حتى يحين موعد الإنقلاب عليه مجددا من حزب الله، لقد تخوفنا من إعادة سيناريو الحرب السورية في الربوع اللبنانية أما الآن ونحن على أرض المعركة لا بد من مناصرة الحق في أرضنا حرة حيث لا وصاية ولا تبعية ولا أهل ذمة، وليتذكر اللبنانيون قول البطريرك مار نصرالله بطرس صفير أن لبنان لن ينهض الا على سواعد جميع أبنائه متكاتفين متضامنين متعاونين، ما من طائفة في لبنان بإمكانها  أن تدعي أنها هي كل لبنان ولا بمقدورها هي أن تكون الدولة في لبنان، أما أن يكون لبنان لكل أبنائه على إختلاف نزاعاتهم ومشاربهم وطوائفهم وأما لن يكون لبنان.
قوم إتحدى الظلم إتمرد كسر هالصمت لي فيك.